وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المعارضة التركيّة تستعد للإطاحة بأردوغان

المعارضة التركيّة لإطاحة أردوغان
ستة من قادة أحزاب المعارضة يحضرون حفل توقيع وعرض «النظام البرلماني المعزز» في أنقرة بتركيا في 28 فبراير 2022. باريس أورال/وكالة الأناضول عبر وكالة فرانس برس

علي نور الدين

لم تبدأ رسميًّا بعد الحملات الانتخابيّة التركيّة، التي يفترض أن تواكب استحقاق الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة المقرر تنظيمها في يونيو/حزيران 2023. ومع ذلك يبدو أنّ المنافسة بدأت بالاشتداد باكرًا بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القوميّة من جهة، وأحزاب المعارضة التي بدأت بالاستعداد للتحالف في هذا الاستحقاق من جهة أخرى.

حماوة المعركة بدأت بعدما تلمّست المعارضة التركيّة باكرًا تراجع شعبيّة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، إلى أدنى مستوى منذ العام 2015 بحسب بعض الاستطلاعات. ولذلك بدأت أحزاب المعارضة بتنظيم نفسها منذ الآن، لتنسيق ترشيحات أحزابها المختلفة على المقاعد النيابيّة، ومحاولة كسب الأغلبيّة البرلمانيّة كجبهة معارضة. أمّا الهدف الآخر لأحزاب المعارضة، فيتمثّل في محاولة التوحّد في معركة انتخاب الرئيس أيضًا، وقطع الطريق على إعادة انتخاب الرئيس الحالي أردوغان.

الطاولة السداسيّة

لتحقيق هذا التنسيق الانتخابي، أطلقت المعارضة التركيّة في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي ما عُرف بالطاولة السداسيّة، وهي عبارة عن جولات من الاجتماعات المتتالية بين ستّة أحزاب معارضة. وهدفت هذه الاجتماعات للاتفاق على مرشّح مشترك للرئاسة، وبرنامج جامع للسياسات البرلمانيّة التي تتبنّاها هذه الأحزاب، لتتمكّن المعارضة من التوحّد على أساس هذا البرنامج في المعركة الانتخابيّة.

وكما كان واضحًا، تشاركت الأحزاب الستّة منذ البداية هدف العودة إلى النظام البرلماني، وتوسيع صلاحيّات البرلمان قدر الإمكان. وهذا الهدف يعني عمليًّا التراجع عن التعديلات الدستوريّة التي فرضها أردوغان عام 2017، والتي ركّزت الصلاحيّات بيد رئيس الجمهوريّة، ما نقل البلاد باتجاه النظام الرئاسي. وبالتوازي مع انعقاد اجتماعاتها الأخيرة، أطلقت الأحزاب الستّة حملة على وسائل التوصل الاجتماعي بشعار “سوف نفوز”، لإعطاء مسار الطاولة السداسيّة زخمًا شعبيًّا، ولإظهار التلاحم بين الأحزاب الستّة.

تركيبة الطاولة السداسيّة وقوى المعارضة

تركيبة الطاولة السداسيّة، عكست منذ البداية تنوّع أحزاب المعارضة، التي توزّعت بين عدّة انتماءات فكريّة وإيديولوجيّة. وبشكل عام، تتكوّن هذه الطاولة حتّى اللحظة من القوى التالية:

حزب الشعب الجمهوري: وهو حزب علماني، يحمل اتجاها ديمقراطيا اشتراكيا، ويمثّل اليوم الحزب الأقدم على الساحة السياسيّة التركيّة. يتبنّى الأفكار الكماليّة، التي تُنسب لمؤسس الجمهوريّة مصطفى كمال أتاتورك، ويشكّل القوّة المعارضة الأساسيّة داخل البرلمان حاليًّا. تجدر الإشارة إلى أنّ الحزب تأسس عام 1923، حيث تزعّمه مصطفى كمال أتاتورك نفسه، وهو ما يدفع البعض لاعتبار الحزب “صانع تركيا العلمانيّة” التي نعرفها. في الانتخابات البلديّة الأخيرة، نال الحزب 30% من أصوات المقترعين، وتمكّن من الفوز في المدن التركية الكبرى كإسطنبول. يتزعّم الحزب اليوم كمال كليجدار أوغلو.

حزب الجيّد (أو حزب الخير): كحال حزب الشعب الجمهوريّ، يحمل هذا الحزب الأفكار العلمانيّة الوطنيّة التركيّة، إلا أنّه يحمل بالإضافة إلى ذلك اتجاها ليبراليا وسطيا في الاقتصاد، بالإضافة إلى بعض الأفكار اليمينيّة والقوميّة. أسست الحزب السياسيّة التركيّة المخضرمة ميرال أكشنار، بعد انشقاقها عن حزب الحركة القوميّة المتحالف مع أردوغان. يراهن الحزب على استقطاب اليمينيين الأتراك وإبعادهم عن أردوغان، كما ينادي باستكمال مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

حزب السعادة: حزب يتبنّى التوجّه الإسلامي المحافظ، وفقًا للرؤية التقليديّة للسياسي التركي الراحل نجم الدين أربكان. ينادي بتوسيع الحريّات دون المس بقيم الجمهوريّة التركيّة العلمانيّة، كما يؤيّد الانضمام للاتحاد الأوروبي. يتزعّمه تمل قره موللا أوغلو، ويستهدف استمالة أتراك المهجر والتجّار ورجال الأعمال وبرجوازيّة المدن والفئات المحافظة، إلا أنّه مني بنتائج متواضعة مقارنة بحزب العدالة والتنمية الذي يستهدف نفس الفئات.

حزب الديمقراطيّة والتقدّم: ويُعرف أيضًا ب”ديفا”، أو العلاج أو الدواء. أسّسه السياسي التركي علي باباجان عام 2020، بعد انشقاقه عن حزب العدالة والتنمية. يغلب على الحزب الطابع الليبرالي اقتصاديًّا، والمحافظ اجتماعيًّا، ما مكّنه من استقطاب شريحة محدودة من مؤيّدي حزب العدالة والتنمية.

حزب المستقبل: أسسه أحمد داود أوغلو في أواخر 2019، بعد انشقاقه من حزب العدالة والتنمية مع مجموعة كبيرة من كوادر الحزب. ابتعد الحزب عن تصنيف نفسه إيديولوجيًّا على الخارطة السياسيّة التركيّة، إلا أنّ وضع مبادئ تركّز على توسعة نطاق الحريّات وإلغاء النظام الرئاسي الذي اعتمده الرئيس التركي أردوغان، ومعالجة مطالب العلويين.

الحزب الديمقراطي: يتزعّمه اليوم غولتكين أويصال. يتبنّى الحزب إيديولوجيّة يمينيّة قوميّة محافظة. يتبنّى الحزب مواقف متشددّة ضد حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان، ويحاول استقطاب الفئات اليمينيّة بعيدًا عن حزب أردوغان.

تحديات في وجه المعارضة

كما هو واضح، يحمل التحالف الذي تستهدف المعارضة بناؤه اختلافات كبيرة في التوجهات السياسيّة. فهناك الأحزاب التي تحمل توجّهات يمينيّة متشددة، التي تحاول إبعاد الناخبين اليمينيين عن حزب الحركة القوميّة المتحالف مع أردوغان. وهناك الأحزاب التي تراهن على استقطاب الناخبين الإسلاميين المحافظين، الذين يصوتون في العادة لحرب التنمية والعدالة، الذي يتزعّمه أردوغان نفسه. فيما تتمثّل العلمانيّة الكماليّة بحزبي الشعب الجمهوري، بتوجّهه الإشتراكي الديمقراطي، وحزب الجيّد (أو الخير) بتوجّهاته الليبراليّة.

وهذا التنوّع، يمكن أن يكون نقطة قوّة بالنسبة للمعارضة التركيّة، بما يسمح باستقطاب ناخبين متنوّعين من بيئات مختلفة. إلا أنّه قادر –في الوقت نفسه- على تشكيل تهديد حقيقي للمعارضة، بما يمكن أن يحول دون حصول المعارضة على الأغلبيّة البرلمانيّة أو رئاسة الجمهوريّة.

فالتحالف الحاكم، الذي يمثّله حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القوميّة، حمل طوال السنوات الماضية مشروع حكم واضح المعالم، وفقًا لنقاط التفاهم بين الحزبين، وبحسب الأولويّات الواضحة التي كان يكرّر الحديث عنها الرئيس التركي. أمّا الطاولة السداسيّة، فتواجه اليوم صعوبات في إقناع الناخب بقدرتها على تشكيل مشروع حكم متكامل، يقدّم الحلول الاقتصاديّة والاجتماعيّة، في ظل التباينات الإيديولوجيّة الكبيرة التي تحكم علاقة أقطابها ببعضهم البعض.

حتّى اللحظة، اقتصرت السياسات التي جرى الحديث عنها على الطاولة السداسيّة على السياسات البرلمانيّة، أي خطط استعادة صلاحيّات البرلمان، وهو ما يمثّل هدفًا مشتركًا للأحزاب الستّة. لكن بسبب التباينات الفكريّة داخل الطاولة، لم تتمكّن هذه الأحزاب من بلورة حلول واضحة للأزمة الاقتصاديّة والنقديّة، كما لم تقدّم أفكارا ملموسة على مستوى السياسة الخارجيّة والخطط الضريبيّة وأولويّات تنمية القطاعات المنتجة وغيرها. وهذه الثغرة التي يعاني منها تحالف المعارضة، تعكس أزمة كبيرة لم يتم التعامل معها بعد.

الإشكاليّة الثانية التي تهدد وحدة الطاولة السداسيّة، تتمثّل في خلافات أقطابها حول هويّة المرشّح الموحّد لرئاسة الجمهوريّة، وهو ما لم يتم حسمه حتّى اللحظة. ففي الوقت الراهن، يطرح رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو نفسه كمرشّح محتمل، بوصفه زعيم الحزب الأكبر والأكثر تمثيلًا على الطاولة. كما يبدو أن حزب الجيد (أو حزب الخير) قد أعطى الضوء الأخضر لذلك، ربما بفعل العلاقة الجيّدة التي تجمع الحزبين منذ فترة.

لكن في المقابل، تسعى الأحزاب المحافظة الأقرب إلى الأجواء الإسلاميّة، كحزب المستقبل وحزب السعادة وحزب الديمقراطيّة والتقدّم، إلى طرح إسم الرئيس التركي السابق عبد الله غول كمرشّح موحّد للمعارضة. ويبدو أن هذه الأحزاب الثلاثة تراهن على قدرة غول على استمالة الناخبين المحافظين، الذين اعتادوا على التصويت لحزب التنمية والعدالة في السابق. كما تتوجّس هذه الأحزاب الثلاثة من فكرة ترشيح رئيس حزب الشعب الجمهوري، ذي الخلفيّة العلمانيّة الكماليّة الواضحة والفاقعة، والتي يمكن أن تحد من قدرة المعارضة على استقطاب المحافظين.

ولهذا السبب، بات هناك العديد من التحليلات التي تتحدّث عن إمكانيّة تصدّع هذه الطاولة السداسيّة قبل بدء الحملات الانتخابيّة بشكل رسمي. لكن في المقابل، تشير غالبيّة التحليلات إلى أنّ ذهاب الأحزاب الستّة إلى الانتخابات بشكل منفصل، قد يفضي إلى خسارتها معركتي الرئاسة والبرلمان معًا، وهو ما يتعارض مع مصالح جميع هذه الأحزاب. وهذا تحديدًا ما يدفع للاعتقاد بأن هذه الأحزاب ستضطر إلى تسوية خلافاتها قبل انطلاق الحملات الانتخابيّة.

رهانات المعارضة

في مقابل كل هذه التحديات، تملك المعارضة التركيّة رهانات كبيرة بالنسبة للمرحلة المقبلة. فالأزمة الاقتصاديّة، واستمرار التراجع في سعر صرف الليرة التركيّة، وسياسات الرئيس التركي الإشكاليّة، وخصوصًا لجهة إصراره على التدخّل في السياسة النقديّة ورفض زيادة الفوائد، كلها عوامل يفترض أن تكون قد ساهمت في إضعاف شعبيّة أردوغان.

كما تراهن أحزاب المعارضة على نحو ستّة ملايين شاب وشابّة ولدوا في الألفيّة الثالثة، سيصوّتون للمرّة الأولى في الانتخابات. فالمعارضة تعد العدّة اليوم لاستقطاب هذا الجيل، الذي نشأ في عصر الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، والذي يمكن أن يتجاوب أكثر مع بعض المطالب المتعلّقة بالحريّات العامّة وحقوق المرأة والمساواة. كما تسعى أحزاب المعارضة للاستفادة من سخط وامتعاض هذا الجيل من السياسات الاقتصاديّة المتبعة، التي رفعت نسبة البطالة في أوساط الشباب إلى مستويات تجاوزت ال25% بحسب أرقام هيئة الإحصاء التركيّة.

وأخيرًا، تراهن الطاولة السداسيّة على تحالف معارض آخر منفصل، يضم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي إلى جانب أحزاب عمال تركيا والعمل والحرية المجتمعية والحركة العمالية وبيوت الشعب واتحاد الجمعيات الاشتراكية.

ويمكن لهذا التحالف اليساري، القادر على نيل أصوات الأكراد، أن يقلب المعادلة بشكل جذري، إذا ما عقدت الطاولة السداسيّة تفاهمات جانبيّة معه بخصوص الانتخابات الرئاسيّة. إلا أنّ هذا المسعى يقتضي أولًا معالجة هواجس الأحزاب اليمينيّة داخل الطاولة السداسيّة، التي مازالت تتحفّظ على إجراء أي نقاشات مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.

في خلاصة الأمر، من المفترض أن تحمل الأشهر المقبلة تطوّرات حاسمة على مستوى التحالفات الانتخابيّة، بما يسمح بفرز المشهد الانتخابي بوضوح في الربع الأوّل من العام المقبل.

أمّا الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان فيحرص حاليًّا على تنشيط حركته الدوليّة، وخصوصًا على مستوى المبادرات والوساطات التي يقوم بها لإعطاء تركيا موقعًا مؤثّرًا على المستوى العالمي، في ظل أزمات الغذاء والطاقة والنزاعات المسلّحة التي تعصف بالعالم اليوم. وهذه الحركة، يمكن بدورها أن تعطي أردوغان دفعًا في الانتخابات التركيّة المقبلة، في وجه محاولات الإطاحة به.