وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مشاكل أكبر تكمن وراء حريقيّ المستشفيات في العراق

حريقيّ المستشفيات في العراق
عراقيون يضعون أكفانا مزيفة أمام جناح عزل فيروس كورونا الذي دمرته النيران في مستشفى الحسين، خلال مظاهرة في مدينة الناصرية جنوب العراق، في 15 يوليو 2021. Asaad NIAZI / AFP

صوفيا أكرم

جدد حريقٍ مميتٌ آخر الغضب بين العراقيين الذين سئموا من الفساد وسوء إدارة الموارد العامة بعد الحروب والعقوبات الدولية التي دمرت بالفعل البنية التحتية الصحية في البلاد وقضت عليها. فقد شهد العراق حريقاً مأساوي ثانٍ في أحد المستشفيات في غضون ثلاثة أشهر فحسب وذلك بسبب التخزين غير الآمن للأكسجين في جناح عزل إصابات كورونا الآخذة بالازدياد.

فقد لقي ما لا يقل عن 92 شخصاً مصرعهم وأصيب 100 آخرون بعد انفجار خزان أكسجين بسبب انقطاع الكهرباء يوم الاثنين، الموافق 12 يوليو 2021، في مستشفى الإمام الحسين التعليمي في مدينة الناصرية الجنوبية، بالقرب من بغداد.

وبحسب التقارير، تم استخدام رافعة ثقيلة لإزالة البقايا المتفحمة في الموقع بينما كان أقارب الضحايا يراقبون.

وسرعان ما بدأ تداول الشكاوى بين المارة بأن الاستجابة كانت بطيئة للغاية وأن مياه الإطفاء نفدت. فقد كان معظم الضحايا من المرضى في المستشفى، الموصول بعضهم بأجهزة التنفس الصناعي، بينما هرب الموظفون بحسب ما ورد.

“انهار نظام الدولة بالكامل ومن دفع الثمن؟” هذا ما قاله أحد شهود العيان للجزيرة: “الناس هنا. هؤلاء الناس دفعوا الثمن.”

في حين قال آخرون إن المأساة كانت متوقعة، حيث تفتقر المستشفيات إلى التمويل لضمان تدابير السلامة الأساسية – رشاشات المياه وأجهزة إنذار الحريق – في إشارةٍ إلى أزمة البنية التحتية العامة والرعاية الصحية الأوسع في البلاد.

رداً على ذلك، يطالب المتظاهرون بالعدالة والمساءلة، مشيرين إلى سوء الإدارة والفساد في الحكومة الفيدرالية وحكومات المقاطعات، إذ قال أحد المتظاهرين: “نريد من الحكومة وضع كل من يدير وزارة الصحة في السجن.”

حريقيّ المستشفيات في العراق
عراقيان أثناء جنازة في مدينة النجف وسط العراق، في 13 يوليو 2021، لأقارب لهم لقوا حتفهم في حريق هائل اشتعل في جناح عزل مرضى فيروس كورونا في مستشفى الحسين في مدينة الناصرية جنوب العراق. ALI NAJAFI / AFP

بدأت الاعتقالات عقب الواقعة حيث أمر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي باحتجاز مدير الصحة بالمحافظة في محافظة ذي قار حيث تقع الناصرية ومدير الدفاع المدني ومدير المستشفى. كما قالت محكمة الناصرية أيضاً إنها أمرت باعتقال 13 مسؤولاً محلياً على صلة بالحريق.

وعلى صعيدٍ متصل، فقد سبق واندلعت ردود فعلٍ مماثلة بعد حريقٍ شب في وقتٍ سابق عام  2021في مستشفى لمعالجة مرضى الكورونا في بغداد وأودى بحياة أكثر من 80 شخصاً، مما أدى إلى استقالة وزير الصحة العراقي.

وقال علي البياتي من مفوضية حقوق الإنسان العراقية: “إن غياب المساءلة والعقاب والإفلات من العقاب يشجع المسؤولين على عدم الاهتمام بإجراءات السلامة في مثل هذه المؤسسات، ولهذا السبب وقع الحريق،” وحثّ الحكومة على إعادة فتح تحقيق في تراكم الفساد والإهمال منذ عام 2003.

ومنذ 15 يوليو، وصلت أعداد إصابات كورونا في العراق 1,47 مليون إصابة، وحوالي 17700 حالة وفاة منذ ظهور الوباء، إذ يعدّ العراق أحد أكثر البلدان تضرراً في الشرق الأوسط. ومع ذلك، من المتوقع أن تكون الأرقام الفعلية أعلى مما ذكر، وذلك في ظل زيادة الحالات والإدخالات إلى المستشفيات مما يشكل ضغطاً على نظام الرعاية الصحية غير المستقر بالأصل والوضع الصحي العام الدقيق.

ومن الجدير بالذكر أن الأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب وأمراض الرئة تُشكل أكثر من نصف عدد الوفيات في العراق. بالإضافة إلى ذلك، يعاني ثلث السكان من السُمنة ويعاني ثلثهم من ارتفاع ضغط الدم، كما أن ما نسبته 14% من العراقيين مصابون بمرض السكري.

علاوةً على ذلك، تجاوزت الزيادات السكانية وتيرة توسيع نطاق النظام الصحي، إذ لا يوجد سوى 1,3 سرير مستشفى لكل 1000 من مواطني البلاد، وذلك كما ورد في تحقيق أجرته رويترز عام 2020.

وبعد مرور عامٍ على جائحة فيروس كورونا، ما يزال قطاع الصحة عاجزاً عن الاستجابة لحالة الطوارئ بسبب ضعف البنية التحتية في أعقاب عقودٍ من الحرب والعقوبات الدولية والإهمال، فضلاً عن الفساد، إذ يخصص المسؤولون العراقيون أموالاً عامة أقل للرعاية الصحية – 4,5% من الميزانية السنوية – مقارنة بالدول المجاورة الأخرى في المنطقة، بما في ذلك الدول الأقل ثراءً مثل الأردن، التي أنفقت 257 دولاراً للفرد مقارنة بـ 154 دولاراً للفرد في العراق على الخدمات الصحية، وذلك حسب أرقام منظمة الصحة العالمية.

كما أن عدد العاملين في القطاع الصحي منخفض، وفر بعض أذكى وألمع وأفضل الكوادر الطبية في البلاد أو اختاروا العمل في الخارج، مما ساهم في هجرة الأدمغة في هذا القطاع. بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضاً نقص في الإمدادات الطبية ولا توجد إرشادات مناسبة حول التخلص من النفايات.

يعني الافتقار إلى الرعاية الصحية العامة الجيدة أن العراقيين يتحملون العبء الأكبر من التكاليف الصحية باللجوء إلى القطاع الخاص. وبحسب أحد التقارير، من قبل أطباء حقوق الإنسان، يدفع العراقيون، بالمتوسط، 70% من نفقاتهم الصحية من أموالهم الخاصة وقد يلجؤون في بعض الأحيان إلى الحصول على خدماتٍ طبية في الخارج.

فقد كانت حرب عام 1991 الخطوة الأولى في انقلاب الحال لما كان يُعدّ معياراً ممتازاً لتوفير الرعاية الصحية في المنطقة، وفقًا لمشروع تكلفة الحرب. بل إن تدمير البنية التحتية الذي حدث في التسعينيات، ومرةً أخرى في عام 2003 عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مساحاتٍ شاسعة من البلاد، يعني أن مستوى الخدمة نفسه بقي على ما هو عليه منذ ذلك الحين.

كما أدت عقوبات الأمم المتحدة إلى تدهور تمويل القطاع العام مع عدم قدرة رواتب الأطباء على تغطية تكاليف المعيشة اليومية. أحد المؤشرات الصحية التي تدل على انخفاض الخدمات الصحية بعد عام 1991 هو معدل وفيات الرضع، الذي ارتفع من 29 لكل 1000 في عام 1989 إلى 131 لكل 1000 لدى الأطفال دون سن الخامسة بين عامي 1994 و1999 وفقًا لدراسة أجرتها ثلاث كليات طب في لندن، المملكة المتحدة.

ومع ذلك، يرى البعض أن هناك فرصاً ضائعة لإعادة بناء هذه الخدمات الحيوية أثناء فترة الاستقرار النسبي، ففي عام 2019، خصصت الحكومة 2,5% فقط من ميزانية قدرها 106,5 مليار دولار لوزارة الصحة، مقارنةً بـ 18% لقوات الأمن و13,5% لوزارة النفط، بحسب رويترز.

في ليلة الحريق الذي شب في أبريل 2021، تواجد في وحدة العناية المركزة بالمستشفى أربعة أضعاف عدد المرضى بما يفوق السعة التصميمة للقسم، بالإضافة إلى أقارب المرضى. وبحسب ما أفادته شبكة The New Humanitarian، أثناء استكشافها للظروف التي أدت إلى مثل هذا الحريق، من مصدرٍ محلي، “أنت تعرف كيف تسير الأمور هنا… إذا لم تسمح لأي شخص أن يكون مع أحبائه، سيقولون لك أنهم سيتحدثون مع شخصٍ أعلى مرتبة، وسينتهي بهم الأمر بالحصول على ما يريدون على أي حال.” هذا مجرد مثالٍ بسيط على الفساد، الذي يوضح ظروف المأساة.

في اليوم التالي للحريق في الناصرية، أشار الرئيس برهم صالح بأصابع الاتهام قائلاً إن المأساة نتجت عن “الفساد المستمر وسوء الإدارة الذي يقلل من قيمة حياة العراقيين.”

فقد كانت هذه المشاعر الطاغية في حداد أحباء الذين قضوا نحبهم في الحريق والذين عبروا عن امتعاضهم من المسؤولين الفاسدين الذين فشلوا في ضمان وصول أي موارد مخصصة للدولة إلى الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية.

وعليه، أدى مثل هذا الفساد المستشري إلى استمرار الاحتجاجات في المدن العراقية ضد الطبقة السياسية. كما تسببت المشاكل الأوسع حول البنية التحتية للعراق، مثل تلوث المياه وانقطاع التيار الكهربائي في البصرة، على سبيل المثال، إلى إثارة غضب العراقيين.

ومع ذلك، يشكك العديد من المحللين في أن الاستقالات والإقالات الانتقائية ستحدث أي فرقٍ الآن، في الواقع، باتت مهمة مكافحة الوباء أصعب على العراقيين في أعقاب تدمير مستشفيين مخصصين لمرضى فيروس كورونا.