وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

انسحاب الإمارات العربية المتحدة من اليمن خطوة استراتيجية من جميع الجوانب

UAE- Emirati fighters yemen
يظهر في هذه الصورة التي التقطت في 20 يناير 2019، مقاتلون إماراتيون من قوات التحالف المدعومة من السعودية على الساحل الغربي لليمن أثناء وجودهم على متن مروحية في إحدى القواعد العسكرية في خوخا، على بعد 100 كيلومتر جنوب مدينة الحديدة الساحلية المطلة على البحر الأحمر. Photo AFP

أعلنت الإمارات العربية المتحدة، في 8 يوليو 2019، عن “إعادة إنتشارٍ استراتيجي” من مدينة الحديدة الساحلية، على طول الساحل الغربي لليمن، بالإضافة إلى تراجعٍ تكتيكي في مناطق أخرى. تعتبر هذه الخطوة منعطفاً كبيراً في هجوم التحالف الذي تقوده السعودية في البلاد، الذي لعبت فيه الدولة الإماراتية دوراً داعماً رئيسياً.

بررت الدولة الخليجية قرارها بالقول إنها كانت تتجه نحو استراتيجية “السلام أولاً،” إذ تشير التقارير إلى أن أعداد القوات في الحديدة، منطقة يسيطر عليها الحوثيون، قد انخفضت بالفعل من 750 جندي إلى 150 جندياً، بينما تمت إزالة الطائرات العمودية والمدفعية الثقيلة. فقد كان إعلان نهاية الأسبوع أول تأكيدٍ على أن نقاش هذا التحول كان يدور رحاه منذ شهور.

استمرت الحرب بين حركة الحوثيين المسلحة وقوات الرئيس عبدربه منصور هادي، من الحكومة المعترف بها رسمياً، في اليمن منذ عام 2014، إذ كان تحالفٌ من القوات الدولية بقيادة المملكة العربية السعودية يدعم النظام منذ مارس 2015، حيث تمثل الدعم بأفراد من القوات الجوية وجنودٍ لمواجهة الحوثيين، وهي جماعة متمردة تدعمها، بحسب العديد من المصادر، إيران. وعليه، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أهم حلفاء المملكة العربية السعودية، حيث قدمت قواتها الجوية وأسلحتها وتمويلها وما يقدر بنحو 5000 جندي. أما على الطرف الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، فقد ذكرت التقارير أن القوات الإماراتية دربت 90 ألف جندي. ورغم ما يقال بامتلاك البلاد جيشاً أصغر حجماً مقارنةً بالحلفاء الإقليميين الأكبر، إلا أنه أصبح القوة المهيمنة بعد أن سيطر التحالف على بلدتي المخا وخوخا ومناطق أخرى على الساحل اليمني الغربي في أوائل عام 2017. هناك، تم تدريب قوات العمالقة اليمنية والمقاتلين الموالين لطارق صالح، ابن شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. اتحدت القوتان لتشكيل “حراس الجمهورية.”

من جهتها، وصفت الأمم المتحدة تداعيات النزاع بأنها واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، حيث توفي أكثر من 70 ألف شخصٍ منذ بداية النزاع، وفقاً للبيانات التي تم جمعها من قبل مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها، بينما لربما يعاني ما يقارب الـ14 مليون شخص من المجاعة، فضلاً عن وفاة ما يقدر بنحو 85 ألف طفل، بسن الـ5 أعوامٍ أو أقل، بسبب سوء التغذية الحاد. من الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية متورطة أيضاً في جرائم حرب محتملة.

وفي ديسمبر 2018، دعمت أطراف التحالف اتفاق السلام بقيادة الأمم المتحدة والموقع في ستوكهولم والذي دعا إلى وقفٍ لإطلاق النار، وفتح الممرات الإنسانية وإمكانية تبادل الأسرى.

فقد كرر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، مراراً وتكراراً أن مشاركة الإمارات في الحرب أمر أساسي للأمن في الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي تدعم فيه إيران الحوثيين، لا يبدو أن العلاقات الاقتصادية بين الدولة الفارسية والإمارات العربية المتحدة قد تأثرت، حيث أن التجارة السنوية بين البلدين، والتي تبلغ قيمتها 20 مليار دولار، تبدو بلا عوائق.

في غضون ذلك، أنشأت الإمارات العربية المتحدة عدداً من القواعد ذات المواقع الإستراتيجية داخل اليمن وخارجها (في جزيرة بريم في اليمن، وعصب في إريتريا، وبربرة في أرض الصومال، وبوصاصو في بونتلاند) مما عزز من دورها الأمني في المنطقة.

ومع ذلك، لا توجد إجابة محددة للأسباب التي دفعت الإمارات للانسحاب، ولكن يمكن الإشارة إلى بعض الأحداث. فقد لوحظت معارضة كبيرة لأنشطة التحالف في اليمن من خلال الاحتجاج المدني والنقد السياسي، على سبيل المثال، من قبل أعضاء الكونغرس في الولايات المتحدة، مما أضر بسمعة دولة الإمارات العربية المتحدة الدولية.

بالإضافة إلى فرق التدريب على الساحل الغربي، فقد عملت الإمارات عن كثب مع جماعاتٍ في الجنوب، حيث حافظت أيضاً على تواجد عسكري منخفض، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي. ووفقاً لمنصة المخابرات الجيوسياسية الأمريكية ستراتفور، فإنه من خلال العمل عن كثب مع الجماعات الجنوبية، حيث تحتفظ بوجودٍ عسكري، أنشأت الإمارات “حزاماً آمناً:” بنية تحتية أمنية لاستقرار الجنوب، باستخدام القوات المحلية لاحتجاز المواطنين الذين لهم صلات بالجماعات الإسلامية.

في هذا الصدد، قد يكون من الخطأ الاعتقاد بأن الانسحاب يمثل حالة من الغياب الإماراتي في الصراع، أو أنه انتصارٌ للحوثيين وإيران، الأمر الذي يقول بعض المسؤولين أن الولايات المتحدة أو السعودية تخشاه، إذ لا يزال وجود دولة الإمارات العربية المتحدة ملموساً في المنطقة، حتى لو لم يعد هناك قواتٌ برية كبيرة على الأرض، وفقاً للسكان المحليين.

يمكن للمرء القول أن الإمارات لم تتصور قط التواجد على أرضٍ يمنية على المدى الطويل وأن الهدف من مشاركتها هو تحقيق الاستقرار في اليمن – وبالتالي فإن إعادة إنتشار الموارد لا يعدّ انحرافاً عن هذا الهدف. فبدلاً من التركيز على محاربة الحوثيين، سيتم توجيه جهود الإمارات نحو مكافحة الإرهاب. يشير الوجود الإماراتي المستمر في الجنوب وكذلك في جزيرة سقطرى أيضاً إلى أن البلاد تمتلك طموحاتٍ سياسية أكبر في المنطقة، وفقاً لبعض المحللين، على غرار الوصول إلى مشاريع التنمية والتجارة. من جهته، اقترح بيتر سالزبوري، من مجموعة الأزمات الدولية، أن هذه الخطوة تعكس تصدعاتٍ واضحة بين الجماعات الموالية للحكومة والمناهضة للحوثيين، لأن أهداف دولة الإمارات العربية المتحدة كانت مختلفة عن شركائها في التحالف منذ بداية الحرب في اليمن. التقدم المحرز في الحديدة مكّنهم من السعي وراء هذه الأهداف.

جاء التراجع أيضاً نتيجة امتداد خطوط المعركة بما يتجاوز نشاط الإمارات العربية المتحدة. وبالتالي، جوهرياً، فإن عدداً أقل من القوات الإماراتية بالكاد يؤثر على الصراع، حيث إن الخطوط الأمامية اليمنية الحالية تسيطر عليها قوات الدول الأخرى، وفقاً لستراتفور.

ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن المصالح اليمنية الجنوبية كانت تنحرف عن المجهود الحربي الشامل، لذا فإن تعزيز قوة الجماعات في هذا الجزء من البلاد يمكن أن يحفز حركاتٍ انفصالية جديدة كذلك. وبالتالي، ترى حكومة هادي أن تعزيز الأمم المتحدة لقوة الميليشيات في هذا الجزء من اليمن يمثل تحدياً لحكومته وقيادته. فقد سمح الدور الأمني المعزز الجديد لدولة الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك شبكة قواعدها وعلاقاتها القوية مع الجماعات المحلية، بمشاركةٍ أعمق في ليبيا لدعم هجوم الجنرال خليفة حفتر في البلاد.

وقال عادل دشيله، الباحث اليمني والكاتب المستقل، الذي عمل سابقاً في جامعة BAMU في الهند، متحدثا لفَنَك: “لن يؤدي الانسحاب الإماراتي من اليمن إلى السلام والاستقرار في هذا البلد.” وأضاف “لقد نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في تفكيك اليمن إلى كانتونات متنافسة على أسسٍ قبلية وطائفية. بالإضافة إلى ذلك، يعني هذا الانسحاب وجود تفاهمٍ بين الإيرانيين والإماراتيين.” وتابع القول، “ستقبل الإمارات بأن تحكم [ميليشيات الحوثي] بعض المناطق الشمالية، بينما يسيطر المجلس الانتقالي (الميليشيات الانفصالية الجنوبية) على بعض المناطق الجنوبية من اليمن.”

كما قال دشيله إن الإمارات تريد تحسين صورتها بعد اتهاماتٍ بارتكاب جرائم في سجونها السرية في جنوب اليمن، فضلاً عن كونها “لا تريد التصعيد ضد إيران.” كما كان إعلان انسحابها من اليمن وسيلةً لإيصال رسالة إلى طهران، بحسب دشيله، إذ قالت الإمارات لإيران: “لسنا ضدك.”

فقد انتقلت المملكة العربية السعودية الآن لتأمين ميناءين استراتيجيين على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بينما تتولى أيضاً قيادة القواعد العسكرية في المخا وخوخا وعدن وجزيرة بريم. وبالفعل، تشير التقارير السعودية إلى أن الحوثيين انتقلوا لمهاجمة السفن التجارية في جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب، الأمر الذي ينكرونه.

في حين أن قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بتخفيض وجود قواتها في اليمن يعد منعطفاً ملحوظاً في الصراع المستمر منذ أربع سنوات، إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة لا تزال تلعب دوراً رئيسياً داخلها عبر وكلائها ومن خلال جهود مكافحة الإرهاب، كما فصلّت لنفسها أيضاً دوراً أمنياً استراتيجياً جديداً في المنطقة، ويمكن أن يؤدي انخفاض تواجدها العسكري في اليمن إلى التخفيف من الأضرار التي لحقت بسمعتها نتيجة المشاركة في الحرب. واليوم، من المرجح أن يؤدي التورط السعودي الإضافي إلى مضاعفة الإنتقاد الدولي للمملكة، لكن مع وجود ما يقرب من 19000 من القوات المدربة في مكانها في الحديدة، لا تشير حقيقة قِلة أعداد القوات الإماراتية على الأرض اليمنية إلى نهاية هذه الحرب.