وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اوكرانيا تستحضر احد عشر عاما من صراعات مؤلمة عاشها السوريون

اوكرانيا سوريا
الفنانان السوريان عزيز أسمر وأنيس حمدون يرسمان لوحة جدارية وسط الدمار ، تصور ألوان العلمين الروسي والأوكراني ، احتجاجًا على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. عمر الحاج قدور / وكالة الأنباء الفرنسية

جاستن صالحاني

يتلقى الأوكرانيون تضامنًا من مجموعة مختلفة تعرضت هي الأخرى للعدوان العسكري الروسي، إذ يشاركهم السوريون المعارضون لنظام الأسد المتحالف مع روسيا معلومات عن كيفية النجاة من الضربات الجوية، وتوثيق جرائم الحرب، وتدريب قوات الدفاع المدني. ويرى مسؤولون أمريكيون أن الأسد يدعم بوتين رسميًا في الأمم المتحدة ويمدّه بالمقاتلين.

وقالت ليلى الشامي، البريطانية السورية والمشاركة في تأليف كتاب “البلد المحترق: السوريون في الثورة والحرب”، لفنك: “إننا نشعر بتعاطف عميق مع ما يحدث الآن لأننا عايشناه خلال العقد الماضي من الحرب، وندرك ما يعنيه ذلك، وما يشعر به الأوكرانيون وما يعانوه”.

وجاء التدخل الروسي في سوريا إلى تحالف مع نظام الأسد عام  2015 وذلك  بعد أربعة أعوام من القتال بين الجبهات المختلفة أدىت إلى تجميد الصراع تقريبًا. وقد أعلن بوتين أن تدخل بلاده ما هو إلا وسيلة لعرقلة تنامي قوة تنظيم الدولة وتوسع أراضيها، لكن المراقبين يقولون بأن تركيز القوات الروسية كان على المعارضة الديمقراطية والبنية التحتية المدنية التي تشمل المستشفيات والمدارس والأسواق.

ويستعمل الروس في أوكرانيا التكتيكات نفسها التي استخدموها في السنوات السبع الأخيرة في سوريا. فقد قصفت المقاتلات الروسية مستشفى للولادة والأطفال في مدينة ماريوبول. كما استخدمت في 25 من فبراير الماضي القنابل العنقودية المحرمة دوليًا بموجب اتفاقية دولية لم توقع عليها روسيا لقصف حضانة أطفال تُتخذ مأوى للمدنيين، ما أسفر عن مقتل ثلاثة من بينهم طفل بحسب منظمة العفو الدولية.

وقال رائد الصالح، رئيس منظمة الدفاع المدني السوري المعروفة باسم الخوذ البيضاء لمجلة التايم عند الحديث عن مستشفى في ريف حلب استهدفته القوات الروسية بالقنابل العنقودية: “لم يحدث ذلك في ريف حلب وحده، بل في مدينة حلب نفسها، ودمشق، وحمص، وإدلب، والكثير من الأماكن استهدفتها القنابل العنقودية، والمشاهد التي تأتي من أوكرانيا تذكّرنا بها”.

وأظهر السوريون دعمهم للأوكرانيين المحاصرين بعدة وسائل، فمنظمة الخوذ البيضاء تصرّح بأنّها خسرت 252 من متطوعيها في الحرب السورية الان في عامها الحادي عشر، وأغلبهم كان  بسبب الضربات الجوية الروسية، وهي الآن تعرض إرسال متطوعيها لمساعدة الأوكرانيين. كما نشرت فيديو يظهر التضامن مع الشعب الأوكراني وبيانًا يدين الغزو الروسي  حيث جاء فيه: “نشجب بأشد العبارات كل أعمال العدوان الروسي على الشعب الأوكراني، ويؤلمنا أن نرى الأسلحة الروسية التي تم اختبارها على السوريين قد تستخدم الآن ضد المدنيين الأوكرانيين”.

وقد رسم فنانو الغرافيتي في إدلب جدارية لدعم الشعب الأوكراني، وأعدّ السوريون في المنفى ملصقات ولافتات تدعم المظاهرات والحملات الالكترونية، بالإضافةِ إلى رفع علم الثورة السورية خلال المظاهرات المؤيدة لأوكرانيا في ساحة الجمهورية في باريس. كما يتشارك السوريون نصائح مع الأوكرانيين حول أساليب النجاة في مناطق الحرب.

أحد هذه الأساليب، وفقًا لليلى الشامي، هي أن تحذر من عمليات روسيا “المزدوجة”، حيث تتبع الضربة الجوية الأولى ضربة أخرى بعد وصول فرق الإنقاذ، إذ تستهدف هذه العمليات المدنيين بصورة مباشرةً.

أما هادي الخطيب فقد أمضى أعوامًا في جمع أدلة رقمية على جرائم الحرب في سوريا، وقد جمعها في مشروع الأرشيف السوري الذي دشنه بنفسه، وهو يعمل الآن بالتعاون مع منظمة نيمونك Mnemonic الحقوقية على تدشين نظير أوكراني لهذا الأرشيف على أمل أن يُحاسب بوتين على جرائم الحرب المحتملة ذات يوم.

وبالفعل، بدأت المحكمة الجنائية الدولية بجمع أدلة حول جرائم حرب روسية محتملة ضد الإنسانية وجرائم إبادة في أوكرانيا، بحسب البي بي سي. كما صوتت الأمم المتحدة على قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، ولم تصوت ضد هذا القرار إلا خمس دول هي: روسيا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وإريتريا وسوريا.

كما لبى الغرب مطالبات أوكرانيا بالدعم العسكري، على خلاف ما قام به مع المطالبات السورية من قبل.

وقالت ليلى الشامي: “ثمة استجابة سريعة ومنسقة من الدول الغربية تجاه ما يحدث في أوكرانيا، وهو ما يوضح ما كان يمكن أن يحدث في سوريا. لا أتحدث عن العمل العسكري الذي تحذر الدول الغربية من الانخراط فيه الآن، وإنما أتحدّث عن العقوبات واسعة النطاق التي فُرضت بشكل عاجل على روسيا، والحديث الفوري عن محاكمتها في المحكمة الجنائية الدولية، فضلًا عن تدفق الأسلحة”.

فقد تلقت أوكرانيا من إدارة الرئيس بايدن أنظمة ستينغر المحمولة للدفاع الجوي، لكنها رفضت طلب المعارضة السورية للأسلحة نفسها.

وقالت ليلى الشامي: “لقد توسل السوريون لسنوات من أجل نظام دفاعي كهذا لأن بإمكانه أن يحمي البلد من قصف بوتين المكثف. لقد دمر تكتيك الأرض المحروقة مدنًا كاملة وتسبب في كارثة إنسانية مريعة، وكان الوضع سيختلف تمامًا لو تمَّ إرسال أنظمة الدفاع المحمولة إلى سوريا”.

كما يظهر التفاوت في الدعم في موقف الاتحاد الأوروبي من اللاجئين الأوكرانيين مقابل موقفه من اللاجئين الذين دخلوا دول الاتحاد عام 2015، وأغلبهم من السوريين. رغم أنه في عام 2015 لم يطلب سوى 1.3 مليون شخص اللجوء إلى أوروبا، بينما في أقل من أسبوعين من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، لجأ بالفعل مليونا شخص.

وترى الشامي أن النوايا الحسنة التي أبداها العديد من السياسيين في أوروبا تجاه اللاجئين وانفتحاهم على القيام بواجباتهم تجاه الأوكرانيين الفارين من الحرب قد تضمحل في النهاية.

واستشهدت بالمشاعر المعادية للهجرة وخطابات السياسيين في المملكة المتحدة على وجه الخصوص قائلةً: “لا أظن أن تدفق اللاجئين من الشرق سيلقى ترحابًا أو صبرًا في أوروبا الغربية لفترة طويلة. وعلينا أن نكون حذرين لأنني أرى حركة ارتدادية تجاه اللاجئين الأوكرانيين ستلوح في الأفق قريبا”.

لكن حتى الآن، يبدو دعم أوكرانيا في أشكال عدة، ومنها تجنيد المقاتلين الأجانب، إذ قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن أكثر من 16 ألف أجنبي منهم سوريون تطوعوا لصد عدوان روسيا. كما أعلن رجل أعمال سوري أوكراني تشكيل فصيل عسكري في أوديسا بعدما رأى مسقط رأسه في حلب يعاني العدوان الروسي.

لكن أي سوري سيقاتل ضد روسيا قد يواجه حتمًا أحد أبناء وطنه وجهًا لوجه؛ إذ تجند موسكو السوريين البارعين في القتال في المدن لدعم توغلها في أوكرانيا، بحسب ما ذكره مسؤولون أمريكيون. كما أوردت صحيفة وول ستريت جورنال منشورًا في دير الزور جاء فيه أن روسيا تعرض على المتطوعين السوريين بين 200 دولار و300 دولار مقابل العمل حراسًا في أوكرانيا لستة أشهر.

وعلقت ليلى الشامي: “أظن أنهم بحاجة إلى السوريين كي يكونوا وقودًا للمدافع حتى ينظفوا الخطوط الأمامية ويتأكدوا من عدم وجود ألغام تتسبب في مقتل الروس”.