وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أوكرانيا قد تجبر متنافسي الشرق الأوسط على تحديث أدواتهم

أوكرانيا الشرق الأوسط
صورة تم التقاطها يوم ١٦ مارس ٢٠٢٢ لأوكرانيين يقفون أمام الخيام بعد إجلائهم عبر حدود بلادهم إلى رومانيا. وفق منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، فقد فرّ ما يزيد عن ثلاثة ملايين شخص من أوكرانيا بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. وتشير منظمة الأطفال التابعة للأمم المتحدة أن نصف الأشخاص الفارين من القصّر. المصدر: Armend NIMANI / AFP.

نشر الصحفي المعروف جيمس دورسي مقالة على مدونته الشخصية ناقش فيه ما تنتهجه دول الشرق الأوسط من سياسات للتعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية. ويشكك دورسي، وهو باحث بارز في معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، في قدرة هذه الدول على البقاء في موقف على الحياد في ظل تغير العديد من العوامل الجيوسياسية.

وفي الوقت الذي تكافح فيه دول الشرق الأوسط للبقاء على هامش حرب القرن الحادي والعشرين الفاصلة في أوكرانيا، فإن هذه الدول في طور اكتشاف أنها تخوض معاركها باستخدام أدوات قديمة.

ويرى دورسي أن الحرب الأوكرانية قد تبطل حيادية الشرق الأوسط التي بُنيت بالفعل على أرض مهزوزة.

وعلى مدار الثمانية عشر شهرًا الماضية، سعى المنافسون في الشرق الأوسط – السعودية، والإمارات، وقطر، وتركيا، وإيران، وإسرائيل – إلى التحوط عبر تنويع علاقاتهم مع القوى الكبرى، كالولايات المتحدة، والصين، وروسيا.

واكتشف الخصوم بصورةٍ متنامية على نحو متزايد، يكتشف الخصوم أن الصراع في أوكرانيا يهدد بتقليص قدرتهم على التحوط. وبصرف النظر عن نتيجة الحرب، لم يؤدي الصراع إلى تقليص منافسة القوى الكبرى إلى سباق بين جبهتين بدلاً من ثلاثة فحسب، بل أنه فتح الباب أيضًا لعلاقات دولية على غرار الحرب الباردة تستند إلى مبدأ “أنت معنا أم ضدنا”.

ويرى دورسي أن تصوير الصراع الدائر في أوكرانيا على أنه معركة كبيرة بين الديمقراطية قد يكون مضللاً أو مبالغًا فيه، إلا أنه لا يصرف الانتباه عن حقيقة أن الحرب قد زعزعت، إن لم تكن قوضت، ركيزة أساسية من ركائز الاستبداد، وهي روسيا.

ومع ذلك، قد ترحب السعودية، والإمارات، وإسرائيل بشكل خاص بالتخريب الروسي المحتمل للمفاوضات في فيينا لإحياء الاتفاقية النووية الإيرانية لعام 2015، نظراً لأنهم يعتبروها معيبة للغاية. كما قد تنظر دول الشرق الأوسط إلى التخريب الروسي كأحد محاولات موسكو الأخيرة لتعزيز موقفها بعد تعرضها لعقوبات غربية قاسية ودخولها فيما يُرجح أن يكون مستنقعًا مستنزفاً للقوة تماماً.

وفي الوقت الذي تنامت فيه المخاوف بشأن الجهود الروسية المقوضة للمفاوضات، دافع المرشد الروحي الإيراني آية الله علي خامنئي عن دعم إيران للميليشيات في مختلف الدول العربية، بما في ذلك الحوثيون في اليمن الذين يطلقون الصواريخ والطائرات المسيرة بدون طيار على أهداف في البلدين. ويوم الخميس، هاجمت طائرة مسيرة بدون طيار تابعة للحوثيين مصفاة نفط في الرياض، ما تسبب في اندلاع حريق صغير.

وقال خامنئي لمجلس خبراء القيادة الإيراني، الذي يضم أقوى رجال الدين في البلاد: “إن وجودنا في القضايا الإقليمية هو عمقنا الاستراتيجي… (إنه) وسيلة قوة”.

تمكنت تركيا وإسرائيل حتى الآن من تعزيز تحوطهما عبر استغلال علاقاتهما الوثيقة مع كل من روسيا وأوكرانيا للعب دور الوسيط حتى لو كان فرص نجاح الوساطة في هذه المرحلة من الحرب ضئيلة أو معدومة.

على النقيض من ذلك، تجد السعودية والإمارات نفسيهما أكثر انكشافاً بكثير وفي موقف ساخر يتمثل في مشاركة القارب مع أعدائهما، إيران وحليفها اللبناني، حزب الله، بينما يناورون في حقل ألغام جيوسياسي. وبصورةٍ مماثلة لدول الخليج المحافظة، فقد سعت إيران إلى البقاء على هامش الصراع في أوكرانيا.

والأهم من ذلك، يمكن أن يزعزع الصراع السياسة الهشة التي بُنيت عليها حيادية الشرق الأوسط. إن المبدأ الدفاع لسياسة الحياد هذه هو تجنّب مواجهة الخلافات المهمة بشأن بعض الملفات، والتي من بينها الإسلام السياسي والقضية الفلسطينية، من أجل تحقيق المزيد من التعاون اقتصادي، وفي حالة إسرائيل والإمارات و السعودية، وربما قطر، المزيد من التعاون الأمني.

وفي هذا الأسبوع، أفادت تقارير أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي ناقش التعاون العسكري مع نظيره القطري، الفريق سالم بن حمد بن محمد بن عقيل النابت، خلال زيارة رسمية للبحرين. وبصورة مغايرة لما قامت به البحرين والإمارات، فإن قطر رفضت إضفاء الطابع الرسمي على علاقاتها غير الرسمية مع إسرائيل طالما لا توجد تسوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ويتردد صدى الغزو الروسي لأوكرانيا بين الدول الأصغر في الخليج، حيث تعرف ثلاث منها بشكل مباشر ما الذي يعنيه عدوان الدول المجاورة الأكبر عليها في انتهاك للقانون الدولي. واحتلت إيران ثلاث جزر إماراتية في الخليج منذ عام 1971. وغزت العراق الكويت في عام 1990 بينما تزامنت المخاوف من التدخل العسكري مع مقاطعة اقتصادية ودبلوماسية لقطر استمرت ثلاث سنوات ونصف بقيادة السعودية والإمارات.

وفي هذا الأسبوع، جادل فريد زكريا، كاتب مقالات الرأي في صحيفة واشنطن بوست، بأن الصراع في أوكرانيا قد دشن حقبة جديدةتتميز بانتصار السياسة على الاقتصاد. فعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، اتخذت معظم الدول خطوات وهي تضع نصب أعينها مبدأ مرشداً واحداً وهو: النمو الاقتصادي. وكانت هذه الدول قد دعمت التجارة والتكنولوجيا والإصلاحات المحلية لتحقيق المزيد من النمو. هذه الأنواع من الخيارات ممكنة في جو لا يضطر فيه المرء إلى القلق كثيرًا بشأن قضية الأمن القومي الأساسية”.

قد يكون هذا صحيحاً بالنسبة للشرق الأوسط كما هو الحال بالنسبة لمعظم العالم، خاصةً في حالة تقلص خيارات الوقوف على الحياد وتعمق التصدعات بين الدول إذا فشلت محادثات فيينا.

وبالفعل، قد يجد ولي عهد السعودية محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي محمد بن زايد ، أنهما بالغا في تقدير قوة موقفهما عندما رفضا تلقي مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي جو بايدن لمناقشة التعاون في زيادة إنتاج النفط لتقليص الأسعار، على حد زعم تقارير.

وتحدث بايدن في نهاية المطاف مع الملك سلمان، بينما كان محمد بن سلمان يستمع دون أن يشارك في الحديث. وكان بايدن قد عرض في وقت سابق التحدث مع محمد بن سلمان، ليكسر بهذا مقاطعة ولي العهد بسبب تورطه المزعوم في مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018.

ويُثبت محمد بن زايد أن موقفه مكشوف أكثر من الجميع. وبدأت الإمارات بالفعل في التردد بشأن مستوى إنتاج النفط، إذ أشار سفيرها القوي في واشنطن، يوسف العتيبة، إلى أن بلاده تدرس رفع حجم إنتاجها النفطي، ليعود وزير الطاقة سهيل المزروعي ليؤكد التزام الدولة بمستويات إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك+) الحالية.

يأتي ذلك في الوقت الذي أصر فيه المسؤولون الإماراتيون على أن البيانين ليسا متناقضين. وقالوا إن الإمارات تفضل زيادة الإنتاج لكنها ملتزمة باتفاقات أوبك +. ومن المقرر أن تجتمع أوبك + في 31 مارس الجاري.

وكانت المناورة، جزئياً، جهداً إماراتياً لتأمين أجنحة الدولة، وجزئيًا، لإظهار قدرة الإمارات على المساعدة في خفض أسعار النفط. وانخفضت أسعار النفط بنسبة 13% بعد تصريحات العتيبة.

وبحسب دورسي، فإن تدفق الروس الباحثين عن أماكن لتخزين أموالهم وأصولهم بأمان؛ وتسريبات عن امتلاك الأقلية الروسية المتسلطة من أصحاب رؤوس الأموال لعقارات في دبي، بما في عقارات مملوكة لأفراد خاضعين للعقوبات حالياً؛ وتكثيف حركة الطائرات الخاصة بين موسكو ودبي، ومشاهدة اليخوت العملاقة المملوكة للروس قبالة سواحل الإمارات، لا يمكن أن يأتي في وقت أسوأ من الوقت الحالي.

في وقت سابق من هذا الشهر، أدرجت مجموعة العمل المالي، وهي هيئة مراقبة دولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومقرها باريس، الإمارات على القائمة الرمادية بسبب تخلفها عن تحديد الأموال غير المشروعة التي تتدفق إلى البلاد. وجهت القائمة، التي تضم الإمارات إلى جانب 22 دولة أخرى، من بينها باكستان، وسوريا، وجنوب السودان، واليمن، وميانمار، ضربة لصورة الإمارات كمركز مالي عالمي.

قالت جودي فيتوري، التي شاركت في كتابة دراسة عن التدفقات المالية في دبي: “ما يفرق دبي عن الملاذات التقليدية الأخرى للأموال القذرة هو السرية المذهلة. بصفتك هارباً في دبي، يمكنك امتلاك العقارات وإخفاء اليخوت الخاصة بك وإنشاء حسابات مصرفية مع القليل من العقبات. إنها أيضًا واحدة من الأنظمة الاستبدادية القليلة التي تعد وجهة – وليست محطة عبور – للتدفقات المالية غير المشروعة”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://jamesmdorsey.substack.com/ في 13 آذار 2022