وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أوجه الشبه بين مشروع قانون الشرطة، والجريمة، والأحكام، والمحاكم في بريطانيا والقوانين الاستعمارية البريطانية في مصر

مشروع قانون الشرطة والقوانين الاستعمارية البريطانية في مصر
جنود تابعون لقوات الكومنولث والحلفاء أثناء تواجدهم في الصحراء عام ١٩٤٣ خلال معركة العلمين، وذلك على بعد ٦٠ ميل (١٠٠ كم) غربي الإسكندرية. المصدر: AFP.

كتبت أليس إيلا فيندن، باحثة دكتوراه في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، مقالة في موقع The conversation، تحلل فيه تداعيات مشروع القانون البريطاني الجديد الذي يحد من حرية التظاهر والتجمع، وتعقد مقارنة بينه وبين قانون التجمع الذي قدمه الاحتلال البريطاني في مصر عام 1914.

وكان مشروع قانون الشرطة، والجريمة، والأحكام، والمحاكم لعام 2021، والذي يُناقَش حالياً في البرلمان، أثار موجة إدانات واسعة بين الجماعات الحقوقية. وأشعلت مقترحات القانون المتعلقة بتقييد حرية التظاهر، على وجه الخصوص، مخاوف بشأن مستقبل حقوق الإنسان في بريطانيا.

ويهدف مشروع القانون إلى قصر التظاهر على أماكن محددة، مشيراً إلى “الضوضاء” كسببٍ يسمح بتدخل الشرطة إذا ما تسببت المظاهرات في “اضطراب خطير” لمنظمة في الجوار.

ويمنح تغيير القانون وزراء الحكومة البريطانية سلطة تعريف ما يعد “اضطراباً خطيراً”. وتثير الشكوك المثارة بشأن مدى حياد الحكومة تجاه مجموعات احتجاجية بعينها تساؤلات بشأن هذه الخطة. ومن بين أشياء أخرى، يُجرم مشروع القانون فشل المتظاهرين في الامتثال لأي ظرف “يفترض أن يكونوا على دراية به”، ما يعني تجريم الأشخاص إذا خرقوا القانون بغير علم.

وسيطرح مشروع القانون، الذي صيغ وسط غضب شعبي تجاه التمييز الممنهج وازدراء النساء في بريطانيا، إجراءات إيقاف وتفتيش جديدة، فضلاً عن تغليظ عقوبة إتلاف نصب تذكاري، مثل إسقاط تمثال إدوارد كولستون في مدينة بريستول العام الماضي، لتصل إلى 10 سنوات. كما يجرم مشروع القانون دخول أرض أو عقار مالك بدون إذن ويمنح الشرطة صلاحيات جديدة لاعتقال المتعدين فوراً، وهو ما سيلحق ضرراً بجماعات الرحالة أو البدو أكثر من أي جماعة أخرى.

وسط تشديد الإجراءات الأمنية المكافحة للإرهاب، يبدو أن مشروع القانون هو أحدث الإجراءات ضمن توجه مثير للقلق، أصبحت فيه عبارة “زعزعة السلم العام” فضفاضة للغاية وحمالة للكثير من أوجه التأويل.

وأصبح هذا واضحاً بشكل صادم في عام 2017 عندما صدر حكم بالسجن ضد نشطاء مطار ستانستيد الـ15 (قبل إلغاء الحكم ضدهم في الاستئناف في يناير 2021) بتهم تتعلق بالإرهاب لمنعهم ترحيل 60 طالب لجوء.

لفهم الإمكانات القمعية لإجراءات مشروع القانون الجديد، يمكننا النظر إلى تطبيقات قوانين مماثلة في الماضي. إن النظر إلى الكيفية، التي استخدمت بها قوانين الاحتجاج والتجمع لقمع المقاومة ضد الحكم الاستعماري، تمنحنا لمحة عن الكيفية التي تصاغ بها سياسات التهميش السياسي والاجتماعي ضد جماعات معينة في صورة تشريعات دائمة.

أحد الأمثلة الفاضحة على هذا هو تقديم قوات الاحتلال البريطانية قانون التجمع في مصر عام 1914، والذي لا يزال يستخدم حتى يومنا هذا لتنفيذ حملات اعتقالات واسعة في مصر.

تجريم الاحتجاج في مصر تحت الاحتلال البريطاني

استمر الاحتلال البريطاني لمصر من 1882 إلى 1956 بأشكال متعددة. وفي عام 1914، جرم القانون المصري رقم 10 لعام 1914 تجمع أكثر من 5 أشخاص في مكان عام. واحتوى القانون رقم 10 لعام 1914 على مفهوم “المسؤولية الجماعية”، التي تعتبر كل المشاركين والمنظمين لتجمع عام مسؤولين عن أي فعل يرتكب خلال التجمعات.

وبالنظر إلى السجلات الأرشيفية، يتضح أن الصلاحيات الواسعة الممنوحة للشرطة كانت تعني أن مفهوم “الاضطراب” مصاغ وفقاً لفهم الاستعمار للعرق، والطبقة الاجتماعية والنوع الاجتماعي، حيث كان الشعب المصري يعتبر “خارج عن القانون” و”غير متحضر”. وبرر مفهوم بريطانيا عن “الخطر” إنشاء نظام رسمي يقيد قدرة المصريين على المشاركة السياسية والتعبير.

وحظت هذه المفاهيم السياسية والاجتماعية لمصطلح “الاضطراب” بدعم من حالة الطوارئ التي أعلنتها بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى عام 1914، حيث منح القانون العسكري البريطاني صلاحيات واسعة للسلطات العسكرية. فبات بإمكانهم القبض على أي شخص، يعتبرونه “يزعزع السلم العام، ويثير السخط، ويساعد أعداء جلالة العائلة المالكة البريطانية وحلفائها”.

وساهم قانون التجمع لعام 1914 في تعزيز التوجه الجماعي لأساليب التجريم، والاعتقال، والعقاب. وفي الفترة التي سبقت الثورة المصرية في 9 مارس عام 1919، على سبيل المثال، شهدت تظاهرة طلابية اعتقال مئات الأشخاص بموجب قانون التجمع، وجُرح البعض وقتل آخرون برصاص القوات البريطانية. وردّ الناس في شمال وجنوبي البلاد، مدفوعين بغضبهم من هذا العنف، عبر قطع خطوط السكك الحديدية والإضراب عن العمل.

في الأيام التالية، تمركز الجنود البريطانية في مصنع للسكر في مدينة الحوامدية، جنوبي القاهرة، لحماية المنطقة ومنع الناس من التظاهر. وبعد علمهم بقطع خطوط السكك الحديدية في منطقة مجاورة، اتجه الجنود عبر 9 قرى واقعة على طول خط السكة الحديد، وتوقفوا في كل قرية منهم لتنفيذ هجوم عليها. وقال شاهد من قرية نزلة الشوبك إن الجنود حرقوا 144 بيت من أصل 210 منزل، وقتلوا 21 شخصاً، وجرحوا 12 شخصاً آخر، واغتصبوا العديد من النساء، وقتلوا جميع الحيوانات، وفقاً لمصادر في الأرشيف القومي البريطاني.

وأفادت شهادات أهالي القرى أنه قيل لهم إن هذا “عقاب جماعي” لسكان كل قرية لأنهم عرقلوا خطوط السكك الحديدية.

تطبيع القمع في القانون

في أعقاب الاستقلال المصري عام 1922، وافق رئيس الوزراء المصري عدلي يكن باشا أن يطلب موافقة حزبه على الانسحاب من القانون العسكري شريطة أن “يُفعَّل قانون مصري، يمنح الحكومة صلاحيات ملائمة للتعامل مع التظاهرات وتنفيذ الاعتقالات الوقائية”. ويشير هذا إلى الجذور الاستعمارية للقانون المعاصر والسياسة التي تهدف إلى استباق الجريمة.

وبعدها بوقت قصير، دخل قانون المظاهرات والتجمعات رقم 14 لعام 1923 حيز التنفيذ، مانحاً القوات الأمنية صلاحية تفريق المتظاهرين. ويُستخدم حالياً في مصر نسخة معدلة من هذا القانون، وهو قانون التظاهر رقم 107 لعام 2013، الذي يحظر التظاهر في مواقع معينة مثل المباني الحكومية، ويسمح باستخدام مدافع المياه، وقنابل الغاز، والهراوات، والأسلحة النارية حتى في التظاهرات السلمية.

ويستمر القانون رقم 10 لسنة 1914 في قمع حرية التظاهر في مصر حالياً تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي. واُعتقل آلاف شخص بموجب هذا القانون خلال التظاهرات المصرية عام 2011. واستُخدِم قانون الإرهاب لعام 2015 واسع المدى، أيضاً، ضد المتظاهرين بدعوى “خرق النظام العام”.

وتختم فيندن مقالتها بالتالي: “يقدم التاريخ الاستعماري البريطاني تحذيراً بشأن كيف أن المحاولات المعاصرة الرامية إلى تحجيم حرية التظاهر تُشكل عبر المعاملة العنيفة للكيانات الاستعمارية. ويتيح لنا النظر إلى التاريخ المشترك بين مصر وبريطانيا إعادة التفكير في القانون نفسه كأداة للحقوق، والحريات، والتحرر، لكنه يستخدم أيضاً كأداة لإضفاء شرعية على تحجيم هذه الحقوق وإضفاء صفة الاعتياد على العنف. وبدلاً من النظر إلى خطوات الحكومة البريطانية لتقييد التظاهرات العامة باعتبارها فعلاً منفرداً، ينبغي النظر إليها كجزءٍ لا يتجزأ من إرث مشؤوم للقمع الحكومي”.

 

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/au في 4 يونيو 2021