وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

موازين القوى في اليمن

Yemen- Houthis
مقاتلون حوثيون يهتفون بشعاراتٍ وهم على متن مركبة عسكرية خلال تجمعٍ في العاصمة صنعاء لحشد المزيد من المقاتلين لوجهات القتال لمحاربة القوات الموالية للحكومة في عدة مدنٍ يمنية، في 3 يناير2017. Photo AFP

بعد أربع سنواتٍ من الحرب التي اندلعت في اليمن في 26 مارس 2015، لا أفق في المستقبل المنظور لأي حل للواقع السياسي والعسكري المعقد. يرجع السبب في ذلك إلى موازين القوى على الأرض وطبيعة المتحاربين المحليين وداعميهم من الدول الخارجية. تتشكل هذه القوى من مزيجٍ متداخل من الحركات الدينية الطائفية والاحزاب السياسية والجماعات المناطقية بدرجاتٍ متفاوتة من الأهمية والتأثير. ولتوضيح الصورة سنشير فيما يلي إلى اهم اللاعبين على الساحة السياسية وموازين القوى للأطراف المحلية الرئيسية من حيث طبيعتها ونقاط ضعفها.

الحوثيون

رغم أن الحرب شنت بهدف هزيمة الحوثيين، وهم حركة من الطائفة الشيعية الزيدية تأسست في التسعينيات في أعقاب توحيد جنوب اليمن وشمال اليمن، إلا أنهم لا زالوا مسيطرين على الصراع، سواء كان ذلك من حيث السيطرة الإقليمية والتي تشمل المناطق الجبلية الحصينة والعاصمة صنعاء، والمخزون البشري الرئيسي من المقاتلين الأشداء.

يمكن إرجاع قوة الحوثيين إلى عددٍ من العوامل أهمها: القيادة المركزية، وهي أيديولوجيا صارمة تستند على المذهب الزيدي، وامتلاكهم لنواة صلبة من الاعضاء والانصار والتي تتشكل من السلالة الهاشمية ممن ينتسبون للنبي محمد الذين حكموا أجزاء من اليمن لأكثر من ألف عام. لا يعرف عدد الهاشميين في اليمن بالضبط؛ إلا أن التقديرات تضعهم بما نسبته 4,2% من السكان، وعشرات الآلاف من المقاتلين المستعدين للموت. هذا بالإضافة إلى سيطرتهم على مؤسسات الدولة، وتحديداً الجيش وأجهزة الأمن.

في بداية الحرب خسر الحوثيون أجزاء مهمة من اليمن، كالمناطق التي كانت تعرف باليمن الجنوبي قبل الوحدة. وفي وقتٍ لاحق خسروا الجزء الجنوبي من الساحل الغربي. ومع ذلك فقد تمكنوا من الصمود أمام هجمات خصومهم المحليين المدعومين من قوات التحالف بقيادة السعودية المؤلف بشكلٍ أساسي من دولٍ سُنيّة، حيث لم تحدث اختراقاتٌ مهمة للمناطق الحصينة في الجبال. كما استطاعوا المحافظة على ميناء الحديدة، الذي يعدّ شريان حياة للأغذية والوقود والأدوية.

يعتمد الحوثيون على مصادر تمويل محلية بحكم سيطرتهم على مؤسسات الدولة، وعلى دعمٍ إيراني لا يعرف حجمه بالضبط؛ وخاصة في الجانب العسكري.

ومن غير المعروف حجم القوة العسكرية التي يمتلكها الحوثيون، إلا أن التقديرات ترجح بأنها تزيد عن 100 ألف مقاتل، فيما يعرف باللجان الشعبية. هذا بالإضافة إلى ألوية الجيش اليمني السابق الذي تم حله، والتي أصبحت تحت سيطرتهم.

وعلى الرغم من أن الحوثيين هم الطرف الأقوى حالياً، إلا أن قوتهم تلك لا تسمح لهم بالسيطرة على بقية اليمن لأسباب سياسية وعسكرية ومذهبية. فعلى سبيل المثال، غالبية مناطق وسط وجنوب اليمن تدين بالمذهب السُني الشافعي، مما يجعلها بيئة مناهضة طائفياً للحوثيين.

الحكومة الشرعية

القوى في اليمن
مقاتلون من لجان المقاومة الشعبية، الذين يدعمون القوات الموالية للرئيس اليمني المدعوم من السعودية عبد ربه منصور هادي، يصطفون خلال حفل تخرج في مدينة تعز الجنوبية في 17 أغسطس 2018. Photo AFP

يعترف العالم بالرئيس عبده ربه منصور هادي، المقيم في المنفى في السعودية، كرئيسٍ شرعي لليمن. فقد صعد إلى السلطة عبر تسويةٍ سياسية رعتها السعودية في نهاية 2011، بعد الانتفاضة التي قامت ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح. كان من المفترض أن لا يستمر هادي في منصبه لأكثر من عامين، إلا أن تعثر خطط التسوية السياسية واشتعال الحرب أبقته رئيساً فعلياً رغم أنه استنفذ كل مصادر شرعيته القانونية. وتسيطر الحكومة التابعة له، نظرياً، على أكثر من 70% من أراضي الدولة وحوالي 30% من السكان. غير أن هذه السيطرة لا تعدوا أكثر من كونها رمزية؛ فبعض هذه المناطق، كمدينة عدن، تخضع فعلياً لقوى معادية له.

اسمياً، يتزعم الرئيس هادي حزب المؤتمر الشعبي الذي ورثه عن الرئيس السابق على عبد الله صالح، لكن الحزب لم يعد له وجودٌ فعلي على الارض إلا في بعض زعماء قبائل المناطق الوسطى والشمالية التي تقاتل الحوثيين لاعتبارات طائفية.

وفي كل الأحوال، تُدار جميع المناطق المحسوبة على سلطته بشكلٍ مباشر أو غير مباشر من قبل السعودية والإمارات؛ الدولتان اللتان توفران الدعم المالي والعسكري والاعتراف الدولي لهذه السلطة. وبدون هذا الدعم، تفقد هذه السلطة وجودها؛ فليس هناك من تأييدٍ مهم للرئيس هادي وحكومته داخل اليمن، كما أن أغلب القوات التي تقاتل تحت مظلته تتبع أحزاب وقوى سياسية لها اجنداتها الخاص.

حزب الإصلاح

القوى في اليمن
مواطنون يمنيون يحمل الأعلام الوطنية خلال مظاهرةٍ نظمها أعضاء في حزب الإصلاح الإسلامي، دعماً للوحدة والرئيس (الذي يظهر في الصور التي يحملونها) في 21 فبراير 2013 في عدن. Photo AFP

يمثل حزب الاصلاح تحالف حركة الاخوان المسلمين اليمنية مع بعض شيوخ القبائل.ومنذ عام 2014، كان ثاني أكبر حزبٍ سياسي بعد حزب المؤتمر الشعبي. تزايد نفوذ حزب الاصلاح بعد اندلاع الحرب لأنه كان الطرف الرئيسي الذي قاوم النفوذ الحوثي في المناطق الشمالية. وبسبب ذلك، توسعت قاعدة الحزب العسكرية بشكلٍ كبير، وأصبحت معظم القوى التي تشكلت في تلك المناطق، تحت اسم، الجيش الوطني، تحت هيمنة حزب الإصلاح الفعلية.

تتركز قوة الحزب في محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز، ومحافظة الجوف القريبة منها ومحافظة تعز، ففي هذه المناطق يسيطر الحزب على السلطات المحلية والموارد المالية والقوات المسلحة والأمنية. ويقدر البعض عدد هذه القوات بمئات الآلاف.

إلى جانب ذلك، للحزب أعضاء في جميع مناطق اليمن، رغم أن نشاطهم محدود في مناطق سيطرة الحوثيين وبعض مناطق الانفصاليين. وفي كل الأحوال فإن الحزب هو من أكثر القوى السياسية تنظيماً، ويمتلك قدرةً على الحشد الانتخابي ويسيطر أفراده على أهم وظائف الحكومة الشرعية ومؤسسات الاعلام التابعة لها.

إلا أن سيطرته هذه تبقى محدودة، إذ لا يملك الحزب حلفاء محليين ومن المرجح أن تفك السعودية تحالفه معه في حال هزيمة الحوثيين أو صعود قوة سياسية عسكرية أخرى، كالمؤتمر الشعبي العام، لتحل محله.

الانفصاليون الجنوبيون

القوى في اليمن
مقاتلون من المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي يجلسون في الجزء الخلفي لإحدى المركبات المدرعة في منطقة دار سعد بشمال عدن، مع اقترابهم من السيطرة الكاملة على المدينة الجنوبية، في 30 يناير 2018. Photo AFP

استفادت القوى الداعية لانفصال جنوب اليمن عن شماله من الحرب إلى حدٍ كبير، فقد كان الجنوب الجبهة الرئيسية التي تم التركيز عليها لمواجهة الحوثيين، وكانت القوى الانفصالية هي أحد الأطراف التي تم دعمها بالأموال والسلاح من قبل دول التحالف بقيادة السعودية، وبالذات الإمارات، التي أصبحت المسئولة عن معظم العمليات العسكرية في معظم مناطق الجنوب. وبانسحاب الحوثيين من الجنوب، حلت القوى الانفصالية في الكثير من المناطق وتحديداً في أجزاء من محافظة عدن ولحج والضالع.

انضمت لهذه القوى الانفصالية بعض قيادات الحزب الاشتراكي اليمني، الذي كان يحكم جنوب اليمن قبل الوحدة اليمنية.

قامت القوى الانفصالية، وبدعمٍ واضح من الإمارات، بإنشاء قواتٍ عسكرية وأمنية في الكثير من مناطق الجنوب. تسيطر هذه القوى بالتحالف مع بعض القوى السلفية على عدد من مناطق الجنوب، ولديها وجود عسكري في الساحل الغربي.

يُقدر العدد الإجمالي للقوات المسلحة التابعة للانفصاليين فيما بين 20 إلى 30 الف جندي مسلحين بأسلحة خفيفة إلى متوسطة.

تتمثل نقطة الضعف الرئيسية للقوى الانفصالية باعتمادها شبه الكامل على الدعم الخارجي، والخلافات الداخلية وغياب القيادة المركزية، على الرغم من تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي كإطارٍ سياسي للحركة الانفصالية. ووفقاً لذلك، فإن هذه القوى مرشحة للانحسار في حال تراجع الدعم الخارجي، وتزايد قوة الحكومة الشرعية.

السلفيون

القوى في اليمن
متظاهرون سلفيون يمنيون يهتفون بشعاراتٍ أثناء مشاركتهم في مظاهرةٍ في صنعاء في 16 نوفمبر 2013، ضد القتال الذي اندلع في وقتٍ سابق من شهر نوفمبر بين الحوثيين الشيعة والمقاتلين السلفيين في قرية دماج الشمالية. Photo AFP

شارك السلفيون السنة المحافظون بكثافة وفاعلية في القتال ضد الحوثيين، في أكثر من جبهة كمدينة عدن وتعز والساحل الغربي. فقد شكل التناقض الإيديولوجي بينهم وبين الحوثيين الحافز الرئيسي لانخراطهم في الحرب. وعليه، استغلت دول التحالف، وتحديداً الإمارات ذلك الحافز الأيديولوجي، وتم دعمهم وتشكيل قوات عسكرية كبيرة منهم ونشرها في أكثر من جبهة بما في ذلك مناطق الحدود السعودية اليمنية، حيث يهاجم الحوثيون بانتظام المدن السعودية الرئيسية بواسطة طائراتٍ بدون طيار وصواريخ بالستية.

تنضوي القوى السلفية تحت عددٍ كبير من التنظيمات العسكرية وبأسماء مختلفة، ففي بعض المناطق الجنوبية ينتشر السلفيون تحت اسم الحزام الأمني والنخب، وفي الساحل الغربي تحت اسم قوات العمالقة، وفي تعز تحت اسم جماعة أبو العباس. وكانت القوى السلفية هي رأس الحربة في قتال الحوثيين في تعز والساحل الغربي وفي معظم مناطق الجنوب.

ولا يعرف بالضبط عدد الأفراد الذي يمكن اعتبارهم سلفيين، إلا أن بعص التقديرات تشير إلى أنهم يزيدون عن 30 ألف مقاتل. ونقطة الضعف الرئيسية للسلفيين هي تشتتهم وغياب التنظيم السياسي وافتقارهم للخبرة السياسية، وتطرفهم الديني، والذي يجعلهم متشابهين سلوكاً وتفكيراً مع تنظيمي القاعدة وداعش، ولهذا فإنهم يعتبرون أحد القوى المحركة للعنف حالياً، فضلاً عن كونهم ذخيرة بشرية كبيرة للحركات الإرهابية في المستقبل، وخاصة حين يضعف الاهتمام الخارجي بهم.

تنظيم القاعدة

القوى في اليمن
يمنيون يحملون رجلاً مصاباً في أعقاب تفجيرٍ انتحاري بسيارة مفخخة في الحوطة، عاصمة محافظة لحج الجنوبية، معقل الجهاديين من تنظيم القاعدة، في 27 مارس 2017. Photo AFP

خلال الفترة الماضية كان تنظيم القاعدة في اليمن هو أنشط فروعه في العالم، إلا أن هذا النشاط شهد انحساراً نسبياً خلال السنتين الأخيرتين. جاء ذلك بعد أن سيطر التنظيم بداية الحرب على عددٍ من المناطق المهمة وتحديداً مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت. فخلال هذه الفترة تراجع التنظيم عن التواجد العلني وأصبح وجوده الظاهري محدوداً في بعض المناطق الجبلية المعزولة في بعض مناطق الجنوب ومحافظتي مأرب والبيضاء الشماليتين. ويبدو أن هذا السلوك ناتج عن تكتيك جديد للتنظيم للتعامل مع الضغوط العسكرية من قبل القوات الإماراتية وحلفائها المحليين والطائرات الأمريكية.

يعتقد بأن التنظيم لا يزال يمتلك أعداداً كبيرة من الأفراد يقدرون ببضع آلاف في اليمن ولديهم أموال كثيرة تحصلوا عليها أثناء سيطرتهم على مدينة المكلا. وفي كل الأحوال يبقى تنظيم القاعدة ونظيره الآخر، داعش، منظماتٍ خطرة ويمكن توقع نشاطها في أي وقت وتصعب هزيمتها في ظل الوضع الفوضوي في اليمن.

القوى الفرعية

القوى في اليمن
صورة تم التقاطها في 8 أغسطس 2018 خلال رحلة إلى اليمن نظمها المجلس الوطني للإعلام في الإمارات العربية المتحدة، تُظهر طلاباً من الشرطة اليمنية ممن تلقوا تدريبهم من الإمارات، وممن يدعمون قواتٍ موالية للحكومة المدعومة من السعودية والإمارات العربية المتحدة، يصطفون أثناء تخرجهم في مدينة المكلا الساحلية الجنوبية الشرقية، في محافظة حضرموت، في أول حفلٍ من هذا القبيل بعد استعادة المدينة من جهاديي القاعدة. Photo AFP

هناك عدد من القوى الأخرى التي يعد حجمها صغيراً مقارنة بالقوى الرئيسية التي سبق ذكرها، ومن بين هذه القوى تلك المرتبطة بمنطقة ما كالمقاومة التهامية التي تعمل في الساحل الغربي، والنخبة الحضرمية التي تسيطر على الجزء الجنوبي من محافظة حضرموت، والنخبة الشبوانية، التي تسيطر على معظم محافظة شبوة، وما يسمى بحراس الجمهورية، تحت إمرة طارق صالح، أبن أخ الرئيس السابق علي عبدالله صالح. جميع هذه القوى تعمل بدعم ورعاية إماراتية.

يتضح مما سبق أن موازين القوى الحالية لا تسمح لأي طرفٍ بالحاق الهزيمة بالأطراف الأخرى. وفي نفس الوقت، لا يمكن أن يؤدي هذا الوضع لصيغة واقعية للسلام بسبب طبيعة القوى المتصارعة. فالقوى الرئيسية مثل الحوثيين وحزب الإصلاح، والسلفيين، والقاعدة هي في الأساس حركات دينية شمولية لا تقبل بأي شكلٍ من الأشكال بالتعددية السياسية الفعلية مع خصومها. كما تتمثل خيارات القوى الانفصالية والإقليمية بتقسيم الدولة والاستفراد بحكم منطقة أو جهة محددة، وبالتالي فإنها لا تستطيع أن تكون جزءاً من عملية سياسية مشتركة. ومع ذلك، فإن استبعادهم سيؤدي بالتأكيد إلى إدامة الصراع، الذي يمكن أن يستمر إلى أجلٍ غير مسمى بتمويلٍ من الدول الخليجية الغنية.