وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إضفاء الولايات المتحدة الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية يعني إعطاء ضوء أخضر لتهجير الفلسطينيين

Israeli settlement
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء لقائه يوم ١٩ نوفمبر ٢٠١٩ لرؤساء هيئات الاستيطان الموجودة في مستوطنة ألون شفوت، وذلك ضمن مجمّع مستوطنات “غوش إتسيون” الموجود في الضفة الغربية. المصدر: Menahem KAHANA / AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالةً سلطت الضوء على القرار الأمريكي الأخير الذي يقضي بعدم اعتبار المستوطنات الموجودة في الضفة الغربية غير قانونية الطابع، لا سيّما وأن هذا القرار يعتبر بمثابة ضوءٍ أخضر لمواصلة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم. وتقوم صاحبة المقالة آن إرفان، المحاضرة المختصة في جوانب التهجير القسري بجامعة أكسفورد، بإلقاء نظرة على موقف بعض الجهات الدولية الفاعلة كالاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة تجاه سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الشرق الأوسط. كما تستعرض إرفان بعض المعلومات بشأن التهجير القسري للفلسطينيين منذ إعلان دولة إسرائيل.

وكان إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي أوضح فيه أن الحكومة الأمريكية لم تعد تنظر إلى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية باعتبارها غير قانونية قد شكّل تحولاً كبيراً عن مواقف الإدارات الأمريكية السابقة في هذا الخصوص.

وكان أسلاف بومبيو قد تمسكوا بالموقف القانوني الصادر عن وزارة الخارجية في عام 1978 والذي اعتبرت فيه واشنطن المستوطنات “متعارضة مع القانون الدولي”. ومع ذلك، فقد خرج وزير الخارجية الأمريكي الحالي في 18 نوفمبر الماضي ليقول إن المستوطنات مسألة تخص المحاكم الإسرائيلية، وأن الولايات المتحدة “لا تتخذ موقفاً” معيناً حيال وضعها القانوني.

يأتي ذلك في الوقت الذي تدين فيه دولٌ أخرى إقامة المستوطنات الإسرائيلية لأنها تعيق إقامة دولةٍ فلسطينية مستقلة وتعرقل فرص حل الدولتين. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن تأثير هذه المستوطنات على حياة الفلسطينيين اليومية لا يقلّ خطورة عمّا تفرضه المستوطنات من مخاطر على مستوى إقامة الدولة الفلسطينية وحل الدولتين.

وكان قيام دولة إسرائيل في عام 1948 قد أدى إلى نفي وطرد ما لا يقل عن ٧٥٠ ألف فلسطيني بحسب ما تذكره الأمم المتحدة. كما تم تهجير قرابة 300 ألف فلسطيني بعد عقدين من الزمن نتيجة حرب عام 1967. وعلى هذا النحو، فقد بات النزوح الناتج عن أعمال الاستيطان الإسرائيلية بمثابة سمة دائمة للحياة الفلسطينية، لا سيّما وأن بعض الأسر تعيش هذا الوضع بصورةٍ متكررة.

مستوطنات الضفة الغربية

لم تمر سوى فترة وجيزة على انتهاء حرب عام ١٩٦٧ حتى تم الشروع ببناء المستوطنات الأولى، سيّما وأن هذه الحرب أفضت إلى احتلال إسرائيل للضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) وقطاع غزة. وانتقل مئات الآلاف من المستوطنين إلى الأراضي المحتلة في العقود اللاحقة. وتتضمن دوافع هؤلاء المستوطنين كلاً من المعتقدات الدينية الأيديولوجية القومية، ناهيك عن الإغراءات الاقتصادية المرتبطة بدعم المباني السكنية التي تم تشييدها هناك.

ونتيجةً لذلك، فقد توسعت المستوطنات في جميع أنحاء الأراضي المحتلة ونشأت بنية تحتية لخدمتها.

وعلى الرغم من قرار إسرائيل عام ٢٠٠٥ بالانسحاب بشكلٍ أحادي من مستوطناتها الاثنتين والعشرين في قطاع غزّة ومن أربع مستوطناتٍ أخرى في الضفة الغربية، إلا أنها مضت قدماً في توسيع المستوطنات. ووصل عدد المستوطنات في نهاية عام 2018 إلى ١٤٠ مستوطنة، ناهيك إقامة عما يزيد عن نصف مليون مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية.

ويحيط الجدار العازل الإسرائيلي سيئ السمعة بمعظم هذه المستوطنات. ويقوم هذا الجدار بإرساء الأساس لسياسة ضم الأراضي التي تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باتباعها خلال حملته الانتخابية في سبتمبر الماضي. وما تزال مفاوضات السلام في هذه الأثناء بين القيادة الإسرائيلية والفلسطينية في مأزق دون وجود بصيص أملٍ لعقد أي محادثات على المستوى المنظور.

Maale Adumim
صورة تم التقاطها يوم ٢٦ نوفمبر ٢٠١٩ لمستوطنة معاليه أدوميم الإسرائيلية التي تقع على مشارف القدس في الضفة الغربية. وكانت الولايات المتحدة قد عزفت يوم ١٨ نوفمبر الماضي عن الإجماع الدولي في خصوص المستوطنات، إذ أعلن وزير خارجيتها أن بلاده لا تعتبر المستوطنات الإسرائيلية الموجودة في الأراضي الفلسطينية غير قانونية. وكالت إسرائيل بقيادة رئيس وزرائها المديح للولايات المتحدة على قرارها، وهو ما أثار غضب الفلسطينيين الذين اعتبروا هذا القرار دليلاً آخر على انحياز واشنطن ضدهم. المصدر: AHMAD GHARABLI / AFP.

وتمضي عملية بناء المستوطنات الإسرائيلية جنباً إلى جنب مع حالة النزوح الفلسطينية، إذ لطالما واجهت المجتمعات الفلسطينية الموجودة عمليات التهجير الكفيلة بخلق المساحة المطلوبة لتواجد المستوطنين. وعلى الرغم من عدم توفر أرقامٍ دقيقة على هذا المستوى، فإن التقديرات تتراوح بين ٢٤٥٠٠ و١١٥٠٠٠ فلسطيني تم تهجيرهم داخلياً. وتجدر الإشارة هنا إلى ما وجدته منظمة العفو الدولية من ارتباط بين تسارع التوسع الاستيطاني وزيادة معدلات النزوح.

وتشير إرفان إلى أن إنشاء المستوطنات يرتبط على الدوام بحصر إمكانية الوصول إلى الطرق والمرافق بالمستوطنين، حيث يتم منع جيرانهم هؤلاء الفلسطينيين من الوصول إلى هذه المرافق. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية يجري بصورةٍ منتظمة لإنشاء بنية الفصل العنصري التحتية هذه.

ويعتبر الحفاظ على المستوطنان حجر الأساس الذي تستند إليه عوامل متعدّدة من منهجية احتلال إسرائيل للضفة الغربية. فالوجود العسكري ووجود المستوطنين يحول دون عيش الفلسطينيين في نحو ٦٠٪ من الضفة الغربية. كما أن نقاط التفتيش وحواجز الطرق المبررة باعتبارها ضرورية لأمن المستوطنين تفرض قيوداً صارمة على حريّة حركة الفلسطينيين.

ووفقاً للاتحاد الأوروبي، فإن عمليات الهدم والاستيلاء على الممتلكات الموجودة في الضفة الغربية أثّرت بصورةٍ سلبية على نحو ٤٠ ألف فلسطيني خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2019. وشهدت الفترة نفسها تهجير 434 فلسطينياً في الضفة الغربية نتيجة مجموعة من السياسات الإسرائيلية.

نبذ ترامب للفلسطينيين

يأتي النزوح الناجم عن بناء هذه المستوطنات على خلفية تاريخٍ طويل مما تعرّض له الفلسطينيون من تهجيرٍ قسري.

ويُعامل اللاجئين الفلسطينيين والمستوطنات تحت بند “قضايا الوضع النهائي” في محادثات السلام، ما يعني حل هاتين القضيتين لا بد وأن يندرج في إطار اتفاق سلام شامل. كما يندرج الوضع المستقبلي للقدس لتكون عاصمةً لإسرائيل وفلسطين على حدٍّ سواء ضمن هذه الفئة من القضايا. وسعت إدارة دونالد ترامب منذ توليها السلطة إلى إقصاء هذه القضايا الثلاث من طاولة المفاوضات.

فأولاً، اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك. وبعد ذلك، قام بسحب التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). ومضى كبير مستشاري ترامب وصهره جاريد كوشنر في الدعوة لتفكيك منظمة الأونروا، مستنداً في هذه المقاربة إلى ادعاء أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المعترف بهم رسمياً قد انخفض من خمسة ملايين إلى ما يقل عن ١٠٠ ألف لاجئ.

ويمثّل تصريح بومبيو الأخير عن المستوطنات الإسرائيلية آخر خروجٍ عن المرتكزات السابقة للسياسة الأمريكية بشأن ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتعني هذه المباركة الفعالة لبناء المستوطنات أن إدارة ترامب تعطي الضوء الأخضر لاستمرار التوسع. وعلى هذا النحو، فإن نزوح المزيد من الفلسطينيين يبدو حتمي الطابع.

وتشير بعض الدلائل إلى وجود معارضةٍ دولية من قبل بعض الجهات الفاعلة لسياسات ترامب في المنطقة. فمن جانبه، أدان الاتحاد الأوروبي بيان بومبيو، مشدّداً على استمرار تعامله مع المستوطنات الإسرائيلية كعملٍ غير قانوني، وهو الموقف الذي يتشارك فيه الاتحاد الأوروبي مع الأمم المتحدة. ويضاف إلى ذلك أن دول العالم الكبرى لم تحذو حذو الولايات المتحدة في نقل سفاراتها إلى القدس. وعلى الرغم من الدعوات التي أطلقتها الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية لتفكيك “الأونروا”، فقد تم تجديد تفويض هذه المنظمة الدولية مؤخراً حتى عام 2023.

وتختتم إرفان مقالتها بالتالي: “إلا أنه لا ينبغي علينا في الوقت نفسه تجاهل أهمية سياسة ترامب تجاه إسرائيل، فالإدارة الأمريكية الحالية تدعم العناصر الأكثر تطرفاً في السياسة الإسرائيلية. وبالتالي، فإن هذا الأمر سيؤدي إلى استمرار انتهاك الحقوق وتعقيد الصراع في نهاية المطاف”.

“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.