وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اعتراف الولايات المتحدة بشرعية المستوطنات يقرّب إسرائيل من ضم أجزاء من الضفة الغربية

من جهته، رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالبيان، قائلاً إنه "يصحح ظلماً تاريخياً،" مضيفاً أن المحاكم الإسرائيلية هي المكان المناسب لتحديد شرعية المستوطنات، "وليس لمحاكم دولية منحازة ضد إسرائيل لا تعترف بالحق التاريخي وبالواقع على الأرض."

Specials- Israeli settlements
متظاهر فلسطيني يستخدم مقلاعاً لإلقاء الحجارة على القوات الإسرائيلية خلال مواجهاتٍ في أعقاب مظاهرة ضد بناء المستوطنات الإسرائيلية ومصادرة الأراضي الفلسطينية في قرية الزيتونة، شمال رام الله، في 23 فبراير 2018. Photo: ABBAS MOMANI / AFP

أعلن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، أن الإدارة الحالية لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة “مخالفة للقانون الدولي،” مما يُشكل تحولاً كاملاً في السياسة الأمريكية القائمة منذ عقود والتوافق العالمي.

وبحسب ما قاله للصحفيين في 18 نوفمبر 2019، إن “اعتبار إقامة مستوطنات إسرائيلية أمراً غير متّسق مع القانون الدولي لم يحقق تقدماً على مسار قضية السلام.”

أثار البيان إدانةً من السلطة الفلسطينية، إذ قال نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس،” إن الإدارة الأميركية غير مؤهلة أو مخولة بإلغاء قرارات الشرعية الدولية، ولا يحق لها أن تعطي أي شرعية للاستيطان الإسرائيلي.”

من جهته، رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالبيان، قائلاً إنه “يصحح ظلماً تاريخياً،” مضيفاً أن المحاكم الإسرائيلية هي المكان المناسب لتحديد شرعية المستوطنات، “وليس لمحاكم دولية منحازة ضد إسرائيل لا تعترف بالحق التاريخي وبالواقع على الأرض.”

أما على الجانب الآخر من التيار السياسي، فقد غرّد مرشح الرئاسة الأمريكية لعام 2020، السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز بقوله “المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة غير قانونية. وهذا واضح من القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعددة. مرة أخرى، يقوم السيد ترمب بعزل الولايات المتحدة وتقويض الدبلوماسية من خلال التقيد بقاعدته المتطرفة.”

من جهتهم، قام ديمقراطيون آخرون، الذين لطالما أكدوا على دعمهم تعزيز العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية، باتخاذ موقفٍ صارم تجاه التوسع الاستيطاني، إذ صرحت إليزابيث وارن الشهر الماضي إنها منفتحة في قضية جعل المساعدات لإسرائيل مشروطة بوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية، إذ قالت “إن هذا لا يدفعنا في اتجاه حل الدولتين”.

كما تعهد بيت بوتيجيج، أحد المرشحين الرئاسيين أيضاً، بأنه لن يدعم خلال رئاسته ضم إسرائيل للضفة الغربية من خلال بناء المزيد من المستوطنات.

يُمثل التوسع ببناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عقبةً في المفاوضات بين إسرائيل وفلسطين حيث يعيش حوالي 600 ألف إسرائيلي في حوالي 140 مستوطنة بنيت منذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967.

فقد جادل الفلسطينيون بأن المستوطنات تجعل من المستحيل ضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل، في حين أن المجتمع الدولي يعتبرها إلى حدٍ كبير غير شرعية وتنتهك اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر على دولة الاحتلال نقل سكانها إلى المنطقة التي تحتلها.

فمنذ عام 1978، كان هذا متسقاً أيضاً مع وجهة نظر أمريكا، حيث قال الرئيس جيمي كارتر إن المستوطنات “لا تتفق مع القانون الدولي،” على الرغم من أن الرئيس رونالد ريغان خالف هذا الموقف عام 1981، بحجة أنه لا يرى أن المستوطنات غير قانونية بطبيعتها. ومنذ ذلك الحين تم تصنيفهم على أنها “غير شرعية” بدلاً من “غير قانونية.”

وفي نهاية عام 2016، في عهد الرئيس باراك أوباما، سمحت الولايات المتحدة بتمرير قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إلى وضع نهايةٍ للمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. وعلى العكس من ذلك، اتبعت إدارة ترمب نهجاً أكثر تراخياً في إدانة التوسع الاستيطاني، إذ امتازت فترة ولاية ترمب الأولى بفرض سلسلة من الخطوات التي يقول النقاد إنها أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لمزيدٍ من التعدي على الضفة الغربية والقدس الشرقية.

على سبيل المثال، أعلن ترمب في عام 2017 اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل وعمدت إلى نقل السفارة الأمريكية هناك في العام التالي، مخالفاً السياسة الأمريكية بأن على أطراف النزاع اتخاذ قرار بشأن الوضع النهائي للقدس عندما يطالب كلا الطرفين باعتبارها عاصمتهم.

وفي العام نفسه، أعلن وقف المساهمات الأمريكية للأونروا، وكالة الأمم المتحدة لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، في خطوةٍ قد تعرض حق الفلسطينيين في دول الشتات بالعودة إلى ديارهم للخطر فضلاً عن تقويض استمرارية تفويض الأونروا. وعلاوةً على ذلك، اعترفت الولايات المتحدة أيضاً بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية في وقتٍ مبكر من عام 2019.

رد الاتحاد الأوروبي على إعلان بومبيو بإعادة تأكيد موقفه من أن التكتل يعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة غير قانونية.

يأتي هذا الإعلان في أعقاب حكمٍ صادرٍ عن محكمة العدل الأوروبية يقضي بأن”المواد الغذائية التي تُنتج في المناطق التي تحتلها دولة إسرائيل يجب أن تحمل إشارة إلى أراضيها الأصلية.”

وأشارت المحكمة أن المستوطنات “تعبر بشكل ملموس عن سياسة نقل السكان التي تقوم بها تلك الدولة خارج أراضيها، في انتهاك لقواعد القانون الدولي الإنساني العام”.

أثار هذا الحكم غضب إسرائيل التي تقول إن وضع العلامات غير عادل وتمييزي لأن المناطق الأخرى محل النزاع لا تخضع لنفس القواعد.

وفي الوقت نفسه، حذر لاعبون آخرون من أن الموقف الأمريكي الجديد قد يكون له عواقب وخيمة، حيث قال أيمن الصفدي، وزير الخارجية الأردني، إنه قد يعوق عملية السلام في الشرق الأوسط.

وفي أعقاب الإعلان، أشاد مجلس المستوطنات “يشع،” وهم مجموعة من المستوطنيين اليمينيين، بإدارة ترمب، إذ صرّح، “بعد الاعتراف الأميركي، يجب أن ننتقل إلى مرحلة تطبيق السيادة على الاستيطان الإسرائيلي”.

ووفقاً لجماعات المجتمع المدني، فإن نقل السفارة الأمريكية قد سمح باكتساب تغير التركيبة السكانية في القدس زخماً، بما في ذلك عمليات الهدم غير المسبوقة في حي صور باهر الفلسطيني والتي تضمنت تسوية عشرة مبان سكنية بالأرض وارتفاعاً عاماً في عمليات إخلاء الفلسطينيين من القدس الشرقية. هذه الإجراءات، كما قال النشطاء، ستمكن من إعادة تشكيل القدس الكبرى أيضاً.

وفي يونيو، أفادت مجموعة الأزمات الدولية المستقلة، أن إسرائيل تضع سياساتٍ تساعد على ضم أجزاء من القدس الشرقية المحتلة.

وقال كبير محللي شؤون الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية، عوفر سالزبرغ، لوكالة الصحافة الفرنسية إنه مع هذه الخطوة الأخيرة، تحاول الولايات المتحدة تخفيف الضغط على إسرائيل، إذ قال: “يزيد هذا التسييس المتنامي للقانون الدولي، مما يجعله يبدو مرناً للآراء السياسية.”

بينما قال المحلل السياسي المستقل سام بحور، المقيم في الضفة الغربية، لفَنَك إن توقيت إعلان بومبيو ليس محض صدفة، “أعتقد أن التوقيت يأتي في محاولة لتحويل الانتباه عن جلسات الاستماع الرامية لعزل [ترمب]، والتي تكتسب زخماً.”

وأضاف أنه يعزز أيضاً فرص نتنياهو السياسية في إسرائيل حيث يكافح من أجل تشكيل حكومة ائتلافية قبل الموعد النهائي في 20 نوفمبر.

وفي حديثها لفَنَك، قالت أنجيلا جودفري-جولدشتاين، ناشطة سلامٍ إسرائيلية، إن تغير مسار الولايات المتحدة بشأن قضية المستوطنات “يؤكد مرةً أخرى على الطبيعة الخطيرة لإدارة ترمب الحالية، في تحالفها مع الإنجيليين المسيحيين، وستخلق مشاكل خلال السنوات العديدة القادمة.”

لكنها قالت أيضاً إن معالجة القضية باتت أسهل الآن، “آمل أن تنقل إلى مجلس الأمن، حتى وإن تم استخدام حق النقض الأمريكي مرة أخرى. نأمل أن يصبح من الأسهل الآن على المجتمع الدولي التصدي لهذه القضية، حيث أن لها تداعياتٍ عاجلة على القانون الدولي عموماً وكيفية تطبيقه في جميع أنحاء العالم.”

ومع ذلك، يحذر بحور من أن ترمب والولايات المتحدة لا يملكان أي سلطة قضائية لإصدار الإعلان، وبالتالي يدفعان الفلسطينيين بشكلٍ منهجي للتخلي عن محاولتهم إقامة دولتهم وتحويل هذا الصراع إلى صراعٍ حول الحقوق المدنية بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، والذي سيكون ضاراً لمستقبل إسرائيل والسلام في المنطقة.

وعلى حد تعبيره، “لم يعد هذا احتلالاً عسكرياً إسرائيلياً، بل من الواضح أنه يمكن تعريفه اليوم بالاحتلال العسكري الإسرائيلي- الأمريكي.”