وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عودة العقوبات الأمريكية على إيران، ولكن إلى أي مدى؟

العقوبات الأمريكية على إيران
شاب إيراني يعرض على هاتفه الخلوي الموقع الإلكتروني لقناة العالم الإيرانية الناطق باللغة العربية وتظهر عليه عبارة “تم الاستيلاء على هذا الموقع من قبل الحكومة الأمريكية،” في العاصمة طهران في 23 يونيو 2021. AFP.

صوفيا أكرم

عادت العقوبات الاستثنائية على إيران إلى الظهور مؤخراً في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي كان يؤجل تنفيذ العقوبات بينما تحاول واشنطن وطهران إحراز تقدمٍ بشأن الاتفاق النووي الإيراني. ومع ذلك، فإن التعليق الحالي المؤقت دفع الولايات المتحدة إلى السعي لابتداع حوافز لإعادة إيران إلى طاولة المفاوضات. لكن مع تقدم البرنامج النووي الإيراني، ومع وجود المزيد من العوامل المؤثرة وسط تصدير النفط الإيراني، يظل السؤال المطروح هنا: هل العقوبات ناجعة؟

في 13 أغسطس 2021، أضاف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي المواطن العُماني محمود راشد عمرو الحبسي إلى قائمة العقوبات الإيرانية مع عددٍ من مصالحه التجارية بزعم تمويله لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، من خلال النقل الخفي للنفط الإيراني، وذلك وفقاً للأمر التنفيذي رقم 13224 بصيغته المعدلة الذي يهدف إلى عرقلة النشاط الإرهابي.

وفي هذا الصدد، قالت أندريا جاكي، مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، في بيان إن “الحرس الثوري الإيراني – فيلق القدس يستخدم عائدات مبيعاته من النفط الإيراني لتمويل أنشطته الخبيثة على حساب الشعب الإيراني.”

وأضافت، “تعتمد هذه المبيعات على وسطاء أجانب مهمين لإخفاء تورط الحرس الثوري الإيراني – فيلق القدس، وستواصل وزارة الخزانة تعطيل وكشف أي شخص يدعم هذه الجهود.”

وزعم البيان أيضاً أن الحبسي عمل مع مسؤولٍ كبير في الحرس الثوري الإيراني – فيلق القدس، رستم قاسمي، الذي تم إدراج اسمه أيضاً بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 في عام 2019 (أيضاً تحت بند مكافحة الإرهاب)، فضلاً عن قيام الحبسي أيضاً بإخفاء تورط الحرس الثوري الإيراني – فيلق القدس في بيع وشحن النفط الإيراني بملايين الدولارات وذلك من خلال العبث بأنظمة تحديد الهوية الآلية الموجودة على متن السفن البحرية، وتزوير الوثائق ودفع الرشاوى.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ حجب نظام تحديد الهوية الآلي إجراءٌ شائع لدى الناقلات التي تحمل النفط الإيراني من أجل التهرب من العقوبات، وهو تكتيك تم التحذير منه في تقريرٍ إرشادي صادرٍ عن وزارة الخزانة الأمريكية.

وفي كثيرٍ من الحالات، يتم نقل النفط إلى الصين، أكبر زبون لإيران، والتي قالت الولايات المتحدة إنها قد تسعى إلى “وقف مبيعاتها” من خلال استهداف شبكات الشحن التي تسهلها.

ومع ذلك، ومع الكشف الأخير عن حرب الظل بين إيران وإسرائيل في البحر، فإن التعتيم على هوية ووجهة السفن الإيرانية مرتبط أيضاً بأمنها وسلامتها.

تترك الحالة الناجمة إيران عرضةً للعقوبات، ولكن في حال تصاعد هذه التوترات، ستكون المفاوضات المتوقفة حالياً حول إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة أو كما تعرف بالاتفاق النووي، والتي تسعى الولايات المتحدة أيضاً إلى صياغتها في شكلها النهائي، أكثر صعوبة.

وعليه، أحرزت إيران بالفعل تقدماً في أعمال تخصيب اليورانيوم منذ انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب من الاتفاق في عام 2018، ويُعتقد الآن أن التكنولوجيا الإيرانية، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، قادرة على صنع نواة سلاح نووي، على الرغم من إصرار إيران بأن دوافعها لذلك سلمية تماماً. ومع ذلك، فإن هذا التقدم المحرز يتعارض مع شروط خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي الخطوة التي وصفها المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس بأنها “غير بنّاءة” للعودة إلى الامتثال المتبادل للاتفاقية.

بيد أن استئناف المفاوضات أمرٌ محتمل، وذلك بعد موافقة حكومة الرئيس الإيراني المحافظ الجديد إبراهيم رئيسي. فقد سبق وصرح القاضي السابق علناً ​​إنه سيدعم العودة إلى الاتفاق لرفع العقوبات، لكن أشار المحللون إلى رغبة رئيسي في جعل إيران أقل اعتماداً على القوى الخارجية.

كما أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في تموز 2021 أن واشنطن مستعدة لاستئناف المفاوضات مع إدارة رئيسي، لكنه قال إن المحادثات “لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية.”

وفي حين تم تطبيق العقوبات المتعلقة بإيران منذ تولي بايدن منصبه، إلا أنها كانت أقل تواتراً مما كانت عليه في عهد ترمب.

وفي هذا الصدد، قالت سنام وكيل، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس: “حاولت إدارة بايدن إظهار حسن النية من خلال عدم مراقبة إيران بشأن التصدير غير القانوني للنفط الإيراني في وقتٍ مبكر من تولي الإدارة مهامها.”

إلا أنها أضافت: ” “ولكن نظراً لأن الأمور طالت، فهم يحاولون اللعب بشراسة قليلاً. المشكلة هنا هي أنه لا يوجد الكثير مما يمكنهم فرض عقوباتٍ عليه، ولكن بالرغم من ذلك، ما يمكنهم فعله هو محاولة تقييد أي مبيعاتٍ يتم إجراؤها للضغط على إيران.”

وفي هذا الشأن أيضاً، يقول المحللون إن العقوبات اليوم باتت حافزاً نوعاً ما للعودة إلى المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، على الرغم من أن رئيسي أشار إلى أن مثل هذه العقوبات لا تبشر بالخير فيما يتعلق بالعلاقات مع الغرب.

من جهته، يقول رضا أفشار، المدير التنفيذي للمجموعة الاستشارية الدبلوماسية غير الهادفة للربح “إندبندنت دبلومات،” والدبلوماسي السابق في المملكة المتحدة، إن الحقيقة تتمثل في أن العقوبات لعبت دوراً حاسماً في جلب إيران إلى طاولة المفاوضات وإنجاز خطة العمل الشاملة المشتركة – لا سيما عقوبات الاتحاد الأوروبي. ويقول إنه في حين قد لا تكون العقوبات دوماً أداةً للسياسة الخارجية، إلا أن العقوبات على إيران لها أهداف واضحة وتم تنسيقها دولياً، وبالتالي، كان لها تأثيرٌ هائل.

ويضيف أفشار: “كان العديد من الإيرانيين مطلّعين بما يكفي لإلقاء اللوم على النظام وليس على الغرب فيما يتعلق بالتأثيرات الاقتصادية للعقوبات،” وهي نقطة يقول إنها مهمة للغاية لفهم سبب حاجة إيران المستميتة لمواصلة العمل بالاتفاق النووي.

في الوقت نفسه، قد يكون تخصيب طهران لليورانيوم محاولةً منها لتوليد فرصها بزيادة نفوذها.

“لا أعتقد أن المؤسسة السياسية الإيرانية تتخذ قرارات سياسية أو ستقدم تنازلات ضمن خطة العمل الشاملة المشتركة على أساس ضغوطات العقوبات فحسب،” على حد تعبير سنام وكيل، التي تابعت القول: “إن كان الأمر كذلك، لكانوا قد جلسوا على طاولة المفاوضات منذ عدة أشهر.”

كما يضيف أفشار أن إيران لطالما استخدمت إنتاجها النووي كورقة مساومة، إذ قال، “قد يجادل البعض بأن برنامج إيران النووي بالكامل في جوهره قد تطور من أجل توليد نفوذ لرفع العقوبات وتطبيع العلاقات من خلال المفاوضات.”

وبينما ينتظر المراقبون والمستثمرون إحراز تقدمٍ في المحادثات، تبرز مخاوف من أن استمرار المماطلة قد يجعل الاتفاق بعيد المنال.

ويقول الدكتور آدي إمسيروفيتش، الباحث الأول في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: “كلما استغرق التوصل إلى اتفاقٍ وقتاً أطول، كلما قل احتمال التوصل إلى اتفاقٍ بالمجمل.”

علاوةً على ذلك، يمكن أن يكون للتوترات المتصاعدة بين إيران وخصومها تأثير مضاعف على الاقتصاد. فقد تسببت الهجمات على ناقلات النفط بالقرب من سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة على مدار أسبوعين في اغسطس 2021، على سبيل المثال، في إثارة مخاوف في السوق آنذاك رافقه ارتفاعٌ طفيف في الأسعار. ومع ذلك، يقول المعلقون إن نفوذ البلاد على أسواق النفط العالمية مقيّد وربما لن يغير الأسعار على مدى فترة أطول.

وبحسب ما قاله إيمسيروفيتش، متحدثاً إلى فَنَك، “سعّر السوق بالفعل النفط وفقاً لعودة غير محتملة للبراميل الإيرانية إلى تجارة النفط العالمية، ومن غير المرجح أن يكون للعقوبات المستمرة أي تأثير.”

ويضيف أن العودة إلى الاتفاق النووي قد يعكس اتجاه الارتفاعات الحالية وسيكون له “تأثير بهبوط كبير على الأسعار” لا سيما وأن أرصدة 2022 من المرجح أن تكون أضعف ويتوقع السوق زيادةً في إنتاج النفط.

ولكن في حال تصاعدت التوترات ولم يكن للعقوبات التأثير المطلوب للضغط على إيران للجلوس إلى طاولة المفاوضات، فقد يؤثر هذا الاضطراب على الأسعار.

في نهاية المطاف، السؤال المطروح هنا: هل ستؤتي لعبة إيران والولايات المتحدة التي تحمل عنوان “من يجبُن أولاً،” ثمارها؟