وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إدامة العنف ضد مزارعي الزيتون وسبل عيش الفلسطينيين

olive trees palestine
مزارعون فلسطينيون ينظرون إلى أشجار الزيتون المدمرة في قرية قريوت، شمال الضفة الغربية، في 19 أكتوبر 2013.1. Photo: JAAFAR ASHTIYEH / AFP

في كل عام عندما يقترب موسم قطف الزيتون – واحد من أهم المواسم في الأراضي الفلسطينية المحتلة – تشير حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية إلى تصاعد العنف إلى ذروته ضد المزارعين والإضرار بمحاصيلهم. يُزعم أن عدد الهجمات يتناقص، لكن يُشير بعض المراقبين إلى أن حجم العنف يتزايد وسط نظام الإفلات من العقاب، فالأخير له القدرة على إلحاق الضرر بالاقتصاد الفلسطيني وزيادة التطرف بين المستوطنين الإسرائيليين.

يقع الزيتون، الذي يُشكل جزءاً كبيراً من اقتصاد الضفة الغربية، تحت الأضواء كل عامٍ تقريباً. مع بدء موسم قطف الزيتون في الأشهر القليلة الأخيرة من العام، ومن المتوقع بنفس القدر، حدوث تصاعدٍ في الحوادث غير القانونية ضد المزارعين الفلسطينيين. ووفقاً للمنظمات غير الحكومية الإسرائيلية، لم يكن 2019 مختلفاً.

من الجدير بالذكر إن حوالي 45% من الأراضي في الأراضي الفلسطينية المحتلة مزروعة بـ 12 مليون شجرة زيتون، معظمها في الضفة الغربية. هذه المحاصيل ضرورية لصناعة زيت الزيتون، الذي يشكل 25% من الدخل القومي الإجمالي لهذه المناطق ويُعيل حوالي 100 ألف أسرة.

فقد قامت منظمة بتسيلم الإسرائيلية غير الحكومية بتوثيق عددٍ من الحوادث ضد المزارعين الفلسطينيين و/أو أراضيهم خلال شهري سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر. وشملت هذه الحوادث السرقة والتخريب والتهديدات والسطو والهجمات العنيفة حول رام الله ونابلس وطولكرم وقلقيلية وسلفيت.

في تقرير يناير 2020، لاحظت بتسيلم:

· 11 حالة اعتداء من قبل المستوطنين الإسرائيليين، بما في ذلك الاعتداءات البدنية ورشق الحجارة وطرد المزارعين من أراضيهم؛

· حالتين قام فيها مستوطنون بتخريب المركبات؛

· 9 حالات قام فيها المستوطنون بسرقة الزيتون من أكثر من 650 شجرة وتخريب أكثر من 450 شجرة؛

· 3 حالات تضررت فيها المعدات الزراعية.

كما أشارت إلى أن جنود الاحتلال، حتى خلال موسم قطف الزيتون، أغلقوا البوابات في الجدار الفاصل حتى لا يتمكن الفلسطينيون من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، وكذلك الضرب الشديد وإطلاق القنابل المسيلة للدموع على المزارعين.

“خلال موسم قطف الزيتون، كان هناك دائماً ارتفاع في عنف المستوطنين المدعوم من الدولة،” بحسب ما قاله لنا في فَنَك أميت جيلوتز من بتسيلم، مُضيفاً: “هذا لأنه خلال هذا الوقت وخلال هذا الوقت فقط، يُسمح للفلسطينيين بالوصول إلى الأراضي التي يمنعون من الوصول إليها طوال بقية العام.”

معظم العام، يتم إغلاق ثلثي البوابات في الحاجز الأمني وفتحها فقط خلال موسم قطف الزيتون. من جانبه، يحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من هذا التقييد في الوصول، مما يعني أن المزارعين لا يستطيعون الحفاظ على بساتينهم، الأمر الذي قد يُسفر عن فقدان الإنتاجية.

كما يقول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أنه في عشية موسم قطف الزيتون، ترفض إسرائيل 40% من طلبات الحصول على تصاريح الزائر.

ومن الجدير بالذكر أن حوادث عنف المستوطنين تحدث على مدار السنة، بما في ذلك ضد المزارعين. وأثناء موسم قطف الزيتون، يوفر مكتب التنسيق الإقليمي الإسرائيلي حماية خاصة للمزارعين لحمايتهم من عنف المستوطنين.

وتشير بتسيلم إلى أن افتراض عنف المستوطنين من قبل المؤسسة الإسرائيلية يمثل مشكلة، حيث إنها تعترف بأن عنف المستوطنين سيحدث في أي وقتٍ آخر من السنة دون اتخاذ تدابير لوقفه، مثل إعادة تخصيص الموارد التي تقيد وصول المزارعين الفلسطينيين إلى الأراضي ضمن آليات الحماية على مدار السنة.

في عام 2019، تم توفير الأمن بعد أسبوعين من بدء موسم القطاف، لتجنب التعارض مع الأعياد اليهودية. بحلول هذا الوقت، كان المستوطنون قد سرقوا بالفعل بعض المحاصيل. على أي حال، فإن الأمن ضئيل، وفقاً لمنظمة بتسيلم.

كما تدعي وزارة الدفاع الإسرائيلية أن جرائم الكراهية خلال هذا الوقت قد انخفضت فعلياً مقارنة بعام 2018. ومع ذلك، لا تتوفر بيانات شاملة عن عنف المستوطنين لتأكيد هذا الادعاء، لكن جيلوتز يلاحظ أن الكثير من أعمال العنف يبدو أنها نشأت حول مستوطنة يتسهار.

فخلال الأسبوع الأول من الموسم، عندما تم الإبلاغ عن عدة حوادث عبر المنفذ الإعلامي الفلسطيني وفا، هاجم 30 مستوطناً مسلحاً وهم ملثمين المزارعين وعدة متطوعين في 16 أكتوبر. وعليه، أصيب اثنان من المتطوعين، بما في ذلك الحاخام موشيه يهودا البالغ من العمر 80 عاماً من منظمة حاخامات من أجل حقوق الإنسان.

يرافق المتطوعون اليهود والعالميون المزارعين بانتظام كمراقبين لمحاولة ردع الهجمات العنيفة ومنع القوات الإسرائيلية من التغاضي عن السلوك غير القانوني. يشير هجوم 16 أكتوبر إلى أن استراتيجية الردع هذه لم تنجح مع المهاجمين، الذي كان بعضهم من مستوطنة يتسهار.

بشكلٍ عرضي، بعد عدة أيام، في 18 أكتوبر، هاجم المستوطنون القوات الإسرائيلية في مستوطنة يتسهار خلال عيد المظلة، وهي عطلة يهودية. فقد كان هذا أحد هجومين يفصل بينهما 48 ساعة، مما أثار إدانة قوية من الحكومة.

من جهته، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعد هذه الحوادث “لن يكون هناك تسامح مع منتهكي القانون الذين يرفعون أيديهم ضد جنودنا.”

تعتبر مستوطنة يتسهار، وهي موقع عسكري قديم بالقرب من مدينة نابلس الذي تحوّل إلى مستوطنة مدنية، موطن المدرسة الدينية لليشيفا “عود يوسف حاي” التي تعني “يوسف لا يزال حياً،” وهي مدرسة تدرس أيديولوجية متطرفة على نحوٍ خاص.

يتسحاق جينسبيرغ، الحاخام الأمريكي المولد الأرثوذكسي الأصل، هو الشخصية الروحية لمدرسة “عود يوسف حاي،” والذي من المعروف أن أتباعه قاموا بهجماتٍ عنيفة ضد الفلسطينيين على مدى العقد الماضي. ووفقاً للمؤرخة ناتاشا روث رولاند، فإن تعاليم جينسبيرغ ما منحت المستوطنة سمعتها المتطرفة، بما في ذلك أن وصية “لا تقتل” لا تنطبق إلا على عنف اليهودي ضد اليهودي، وأن الأغيار هم ليسوا من البشر، لذلك قتلهم مسموح.

توقفت الحكومة عن تمويل اليشيفا في عام 2013، وفي عام 2014 تمركزت قوات الأمن الإسرائيلية في المدرسة الدينية “عود يوسف حاي” لإغلاق عملياتها. ومع ذلك، عندما غادرت قوات الأمن بعد عام، بدأت المدرسة العمل مرة أخرى. واليوم، يمولها مجلس شمرون الإقليمي.

تقول روث رولاند إن التهميش الاجتماعي لمجموعات “فتية التلال” المقيمين في المستوطنات وانعدام الترابط مع الحكومة ما يُمكّن استمرار العنف. فقد كتبت في مجلة 972، “تمثيلية الإدانات البالية التي تبث في أعقاب الأعمال الفظيعة لإرهاب المستوطنين تخفي مدى تمكين الدولة لمثل هذا العنف.”

عادةً، لا تسفر هجمات المستوطنين عن إي إدانات. ووفقاً لمنظمة ييش دين غير الحكومية الإسرائيلية، فمن بين 211 حادثاً تم الإبلاغ عنها بشأن تخريب المحاصيل بين عامي 2005 و2013، لم يصدر سوى أربع لوائح اتهام من الشرطة.

بساتين الزيتون التي واجهت معظم المشاكل هي تلك الواقعة بالقرب من المستوطنات الإسرائيلية بين الجدار الفاصل والخط الأخضر (حدود عام 1949 بين إسرائيل وجيرانها العرب)، وكذلك تلك الواقعة على طول السياج المحيط بقطاع غزة حيث النشاط العسكري على بعد 1,5 كيلومتر منه يمنع الآلاف من الأسر من الوصول إلى أشجارهم.

فقد صرح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية على موقعه على شبكة الإنترنت أن إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، ملزمة بموجب القانون الدولي بضمان حماية الفلسطينيين وممتلكاتهم وضمان المساءلة في حالة وقوع أعمال عنف. كما أنها تبرز الحق في حرية التنقل والحق في العمل وكسب الرزق، والتي تتأثر بالأفعال التي تحدث في جميع أنحاء موسم قطف الزيتون.

ومن الجدير بالذكر أيضاً أنه تم اقتلاع أكثر من 800 ألف شجرة زيتون فلسطينية من قبل السلطات الإسرائيلية والمستوطنين منذ عام 1967، وفقاً للبحث الذي أجراه معهد الأبحاث التطبيقية في القدس. يأتي هذا الرقم من تقرير عام 2011 الذي يقدر متوسط الإنتاجية السنوية لشجرة الزيتون الواحدة بحوالي 70 كيلوغرام، وتبلغ القيمة للكيلوغرام الواحد حوالي 1,103 دولار للكيلو.

وفقًا لهذا التقرير وغيره من التقارير، يتم إساءة تخصيص موارد إسرائيل بين موسم الحصاد وبقية العام، وهذا على الرغم من عنف المستوطنين المستمر وغير المقيد، والذي اعترفت الحكومة بنفسها بأنه مثيرٌ للقلق ومتطرف. ومع وجود أكثر من 55 مليون دولار على المحك كل عام، فإن الثمن بالنسبة للفلسطينيين مرتفعٌ جداً.