وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اندلاع أعمال العنف في دارفور بعد خروج قوات حفظ السلام

دارفور
نساء يشاهدن بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في إقليم دارفور بالسودان تسلم مقارها للحكومة السودانية في 15 فبراير 2021. Photo: AFP

مات ناشد

تصاعدت أعمال العنف في دارفور بعد إنهاء مهمة بعثة حفظ السلام المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (اليوناميد) في 31 ديسمبر 2020، وبعد أسبوعين فقط، في 16 يناير 2021، قتل أكثر من 250 شخصاً، من بينهم ثلاثة من العاملين في المجال الإنساني، في اشتباكاتٍ اندلعت هناك.

بدايةً، اتخذت الأعمال العدائية شكل اقتتال شخصي بين فردٍ من قبيلة المساليت غير العربية وشخص من إحدى القبائل العربية في ولاية غرب دارفور في الجنينة. وعلى الرغم من أن التسميات العرقية في دارفور غامضة ومخادعة، إلا إن معظم السكان المحليين يعرّفون أنفسهم ضمن هذه الفئات، وعليه، يمكن أن تأخذ الخلافات الشخصية شكل عنفٍ طائفي، إذ إن هذا ما حدث عندما قامت مليشيات عربية بتصعيد النزاع باستهداف أهالي المساليت والنازحين داخلياً.

وبحسب منظمة رعاية الطفولة، هجّر الهجوم 50 ألف نازح من مخيم كيريندينج. وقال رئيس منظمة الإغاثة في السودان، أرشد مالك، في بيان “شاهدنا صوراً مزعجة لمصابين يحتضرون على أرضيات وممرات المستشفيات.”

واتهم رئيس بلدية الجنينة، الأمين حسن جبريل، الأجهزة الأمنية بعدم القيام بما يكفي لوقف العنف، إذ خصّ الجيش بعدم التدخل في وقتٍ مبكر.

وقال لموقع ميدل إيست أي: “أصبح الوضع تحت السيطرة بعد أن أرسلت الحكومة تعزيزاتٍ عسكرية من خارج الولاية بعد يومين من الاشتباكات، بيد أن الجيش الموجود في الولاية غض الطرف عنها.”

ومن الجدير بالذكر أنه في أماكن أخرى من دارفور، وقعت سلسلةٌ من الهجمات بين 24 يناير والأول من فبراير، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). فقد هاجمت مليشيا مسلحة على دراجات نارية وجمال عدة قرى، مما أسفر عن مقتل 14 شخصاً، كما قامت المليشيات بنهب الماشية والمرافق المحلية.

وعليه، تخشى الجماعات الحقوقية والخبراء من أن الأسوأ لم يأتِ بعد، إذ تعدّ منطقة جبل مرة الجبلية المكان الذي يسيطر فيه فصيل جيش تحرير السودان التابع لعبد الواحد نور على جيوب صغيرة من الأراضي. فقد سبق وحثّ المجتمع الدولي جيش تحرير السودان – فصيل عبد الواحد على الانضمام إلى اتفاقية جوبا للسلام، التي تم توقيعها بين الحكومة والجماعات المتمردة الأفريقية المنفية في الخريف الماضي. ومن الناحية النظرية، تضع الاتفاقية حداً للنزاعات التي طال أمدها في دارفور وجنوب كردفان وجبال النوبة.

“منظور المجتمع الدولي واليوناميد هو أن اتفاقية جوبا للسلام ليست مجرد مجازفة،” على حد تعبير أشرف عيسى، المتحدث الرسمي باسم اليوناميد، لفَنَك في الخرطوم، وأضاف “لا تشبه هذه الاتفاقية أي اتفاقية غير متكاملة تم توقيعها في الماضي. فقد جاءت هذه الاتفاقية بعد ثورةٍ اندلعت خلال الفترة الانتقالية وبمعايير واضحة.”

بيد أن جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد لا يتفق مع هذا، بل وعوضاً عن ذلك يتهم المجلس العسكري الانتقالي بسرقة الثورة. ومع ذلك، فإن خطاب الجماعة غير مقنع بسبب دورها في تعذيب المدنيين، فقد ترك الاقتتال بين الفصائل آثاراً سلبية شديدة، حيث أدت الاشتباكات إلى ارتكاب المسلحين أعمال عنف جنسية وإحراق قرى بأكملها.

وبالتالي، يخشى العديد من السكان المحليين أن تشكل قوة الأمن الوطني، المكلفة بحماية المدنيين، الخطر الأكبر. وتتألف القوة الجديدة من قوات الدعم السريع والجيش وجهاز المخابرات العامة. وحتى الآن، نشرت القوة مجتمعة 6000 جندي لتحل محل اليوناميد، كما سينضم 14 ألف جندي إضافي – من الجماعات المتمردة في اتفاقية جوبا – إليهم في مهمة إحلال الأمن في دارفور.

دارفور
بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في إقليم دارفور بالسودان تسلم مقرها إلى الحكومة السودانية في 15 فبراير 2021. Photo: AFP

ومن الجدير بالذكر أن القوة الوطنية تحظى بدعم المجتمع الدولي، بيد أن دبلوماسي غربي قال لرويترز إنه يتمنى أن تواصل اليوناميد أنشطتها لحفظ السلام مع تقليص مهمتها.

المفارقة هي أن اليوناميد تعرضت لانتقاداتٍ شديدة من المجتمع الدولي خلال ولايتها التي استمرت 13 عاماً. فقد اتهمت قوى وجماعات حقوقية غربية قوة حفظ السلام المختلطة بالفشل في حماية المدنيين من قوات الأمن التابعة للديكتاتور السابق عمر البشير. كما حجبت اليوناميد معلوماتٍ تفصيلية عن حجم الهجمات الحكومية ضد السكان المحليين، ومع ذلك، قد يكون وجود قوات حفظ السلام في حد ذاته قد سبق وردع وكالات الأمن عن ارتكاب المزيد من الجرائم المروعة، خوفاً من أن تكون اليوناميد قد وثقت الانتهاكات ونشرتها.

وفي نهاية المطاف، جادلت منظمة هيومن رايتس ووتش أن قوات حفظ السلام الضعيفة والتي تزخر بالعيوب أفضل من عدم وجود قوة على الإطلاق، إلا أن القادة العسكريون السودانيون ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يخالفونهم الرأي، إذ صوت الأخير على استبدال اليوناميد ببعثةٍ جديدة للأمم المتحدة تهدف إلى مساعدة السودان في الانتقال إلى الديمقراطية (يونيتامس).

وقالت هيومن رايتس ووتش إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمكن أن يصحح خطأه من خلال تعزيز ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة في الفترة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، إذ أن جُلّ ما عليها فعله هو تكليف الهيئة الجديدة بحماية السكان المحليين في دارفور، ومع ذلك، ستعارض النخب الأمنية في السودان أي قرارٍ يعتقدون أنه يهدد سيادتهم.

واليوم، بعد سنواتٍ من ارتكاب انتهاكاتٍ مروعة في عهد البشير، أصبحت قوات الأمن السودانية متعطشةً للشرعية، إذ يعتبر إظهار قدرتهم على تحقيق الأمن في دارفور خطوةً مهمة في تحقيق هذا المسعى، وعلى وجه الخصوص، لدى قوات الدعم السريع، وهي جماعة شبه عسكرية سودانية تتمتع بالقوة، ما تثبته.

فقد انبثقت قوات الدعم السريع من ميليشيات “الجنجويد” العربية التي شنت حملة مكافحةٍ للتمرد بدعمٍ من الدولة وأرهبت المجتمعات غير العربية في دارفور. أسفر الصراع عن مقتل أكثر من 300 ألف شخص وإجبار المحكمة الجنائية الدولية على توجيه اتهاماتٍ للديكتاتور السابق عمر البشير بتهم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

ومنذ الإطاحة بالبشير في أبريل 2019، تفاوضت قوات الدعم السريع وزعيمها محمد حمدان دقلو، المُلقب بـ”حميدتي،” على مقعد في المجلس العسكري الانتقالي في السودان، الذي يتقاسم السلطة مع تحالفٍ مدني غير مترابط يسمى قوى إعلان الحرية والتغيير. والآن يتعين على حميدتي أن يوازن بين حماية المدنيين في دارفور واسترضاء حلفائه القدامى.

فشلت القوة الوطنية، وبالتالي قوات الدعم السريع، في اختبارها الأول. وفي المرة القادمة، ينبغي عليهم التدخل على نحوٍ أبكر إن كانوا يريدون إنقاذ الأرواح وصون مصداقيتهم.