وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العقوبات الغربية على سوريا تلحق الضرر بالسكان وليس بالنظام

Syria- Damascus
سوريون في سوق الحميدية قبيل عطلة عيد الفطر في العاصمة دمشق في 2 يونيو 2019. Photo: LOUAI BESHARA / AFP

إن للتدابير العقابية المتزايدة التي تفرضها الدول الغربية على سوريا منذ بداية الحرب في عام 2011 عواقبٌ وخيمة على السكان دون إجبار النظام على قبول أي نوعٍ من الإصلاحات السياسية. ومع ذلك، كثفت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي العقوبات في الأشهر الأخيرة.

ففي نوفمبر 2018، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية تحذيراً استشارياً من “مخاطر العقوبات الكبيرة” للأطراف المشاركة في شحن النفط والغاز إلى سوريا. كما أدرجت على القائمة السوداء العديد من الشركات الروسية والإيرانية لقيامها بذلك.

وبعد بضعة أشهر، في يناير 2019، فرض الاتحاد الأوروبي عقوباتٍ جديدة على العديد من رجال الأعمال والشركات السورية العاملة داخل البلاد، بما في ذلك رجل الأعمال سامر فوز، الذي تمت إضافته مؤخراً إلى القائمة السوداء الأمريكية.

تتماشى حزمة العقوبات الجديدة هذه مع السياسة التي فرضتها الدول الغربية في عام 2011، في أعقاب القمع الوحشي الذي مارسه النظام على الاحتجاجات السياسية والاجتماعية ودخول البلاد في حربٍ أهلية. ومنذ عام 2011، اتخذت العقوبات الغربية شكلين، فمن ناحية، استهدفت الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام، ومن ناحيةٍ أخرى، استهدفت القطاعات الاقتصادية المختلفة.

فقد فرض الاتحاد الأوروبي حظراً على السفر وتجميداً لأصول أكثر من 120 شخصاً و40 شركة، بما في ذلك الرئيس السوري بشار الأسد ومعظم أقاربه والبنك المركزي السوري وكبار المسؤولين. كما حُظر استيراد النفط الخام من سوريا والاتجار في الذهب والمعادن الثمينة والماس مع الهيئات العامة السورية والبنك المركزي. وفرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ على قطاع الطاقة السوري وجمدت جميع أصول الحكومة السورية.

وبصرف النظر عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فرضت عدة دولٍ أخرى عقوباتٍ أحادية الجانب على سوريا، بما في ذلك اليابان وكندا وأستراليا وسويسرا والنرويج وتركيا وأعضاء من جامعة الدول العربية، رغم أن الأخيرة قامت بتنفيذها بشكلٍ غير متساو. وتواصل جامعة الدول العربية مناقشة إعادة عضوية سوريا، والتي تم تعليقها في عام 2011، لكن لم يتم التوصل حتى الآن إلى توافقٍ في الآراء. وفي الوقت نفسه، تقوم الإمارات العربية المتحدة بتطبيع علاقاتها مع سوريا. ومع بدء إعادة الإعمار، يعتقد بعض الخبراء أن دولًا أخرى قد تحذو حذو الإمارات العربية المتحدة لتأكيد وجودها العربي في المنطقة ومواجهة نفوذ إيران، على الرغم من أنه ينبغي أخذ عدة عوامل بعين الاعتبار- منها على سبيل المثال مقدار الضغط الأمريكي.

ومع ذلك، لا تفرض الأمم المتحدة أي عقوبات، مما يعني أن سوريا، من الناحية النظرية، لا تزال قادرةً على عقد صفقاتٍ مع الدول الأخرى، وبالتالي، يمكنها شراء النفط من إيران بأسعار السوق، إلا أن العقوبات الأمريكية على إيران تعقد هذه العملية. ففي أوائل يوليو 2019، احتجزت قوات البحرية الملكية البريطانية وسلطات الموانىء في جبل طارق ناقلة عملاقة يُزعم أنها كانت تنقل حوالي مليوني برميل من النفط الخام الإيراني. وفي حين أن أوروبا لا تؤيد العقوبات الأمريكية على إيران، إلا أنها لا تستطيع الموافقة على أي شحنة إلى سوريا. ونتيجة لذلك، ذكرت المملكة المتحدة أنه سيتم إطلاق سراح الناقلة شريطة عدم توجهها إلى سوريا.

ومن الجدير بالذكر أن سوريا قبل الحرب، كانت دولة مصدرة للنفط، إلا أنها اليوم تعتمد على الواردات. فقد أدت العقوبات إلى ارتفاع تكاليف الوقود، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار في جميع القطاعات تقريباً. وفي عام 2019 وحده، فقدت العملة السورية ثلث قيمتها.

وفي موجزٍ عن السياسات نُشر في أبريل 2014، أوضح الخبير الاقتصادي السوري جهاد يازجي أنه قبل الصراع، كان الاتحاد الأوروبي أهم سوقٍ للنفط الخام السوري، حيث اشترى 90% من جميع صادرات النفط السورية في عام 2010. كما كان قطاع النفط ذو أهمية من الناحية المالية أيضاً، إذ يمثل 35% من عائدات الصادرات السورية و20% من الدخل الحكومي. ونتيجةً لذلك، أدت العقوبات إلى انخفاضٍ كبير في الإيرادات. وعلاوةً على ذلك، فإن القائمة السوداء للعديد من كيانات الدولة جعلت الصفقات الدولية أكثر صعوبة بكثير.

على الرغم من أن العقوبات تعفي السلع الإنسانية، إلا أنها تعرضت لانتقاداتٍ شديدة من قبل إدريس الجزائري، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالأثر السلبي للإجراءات القسرية الأحادية على التمتع بحقوق الإنسان، باعتبارها تعرقل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين. ففي سبتمبر 2018، وصف الإجراءات العقابية ضد سوريا بأنها “أكثر العقوبات البعيدة المدى والأكثر تعقيداً التي تفرضها الأنظمة على الإطلاق.” وذكر أيضاً أن “تعقيد أنظمة العقوبات المتداخلة المختلفة” يمثل تحدياً لمجموعة واسعة من الجهات الفاعلة التي لا تعرف كيفية الامتثال للتدابير، مما دفع “البنوك والمصدرين وشركات النقل وشركات التأمين” إلى رفض القيام بأعمالٍ تجارية في سوريا.

داخل البلاد نفسها، الظروف ميئوسٌ منها بشكلٍ متزايد، إذ تقدر الأمم المتحدة أن 83% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. يرجع السبب الرئيسي وراء ارتفاع هذه النسبة إلى الدمار واسع النطاق الذي شهدته البلاد، رغم أن العقوبات الغربية تزيد من تفاقم محنة السكان.

ففي الشتاء الماضي، عانت سوريا من نقصٍ حاد في الوقود، مما دفع الحكومة إلى ترشيد استهلاك البنزين وغاز الطهي. أثر حظر تحويل الأموال وغيرها من التدابير بشكلٍ خاص على الوصول إلى المستلزمات الطبية والصيدلانية، التي تبرز الحاجة إلى استيراد الكثير منها.

وبحسب الصحفية نور سماحة، لم يكن للعقوبات أي تأثيرٌ تقريباً على الأفراد الذين تستهدفهم، إذ لا تزال نفس الشخصيات السياسية ورجال الأعمال يسيطرون على المشهد السوري. وكمثالٍ على ذلك، أشارت إلى أنه في يناير 2019، قام وفدٌ من رجال الأعمال والمسؤولين السوريين بزيارة الإمارات العربية المتحدة لدراسة الاستثمار في القطاع الخاص في سوريا. ترأس الوفد محمد حمشو، المستهدف من قبل العقوبات الغربية منذ عام 2011.

وفي حين أن الانقسامات السابقة بين السكان السوريين كانت تعتمد على السيطرة على المواقع الجغرافية، إلا أنها باتت اليوم تفصل بين أولئك الذين يعيشون في البلاد ويتحملون وطأة العقوبات الدولية، وأولئك الذين يعيشون في المنفى ويدعمون العقوبات كوسيلةٍ للضغط على النظام. وعلى الرغم من أن العقوبات الاقتصادية تشبه العقاب الجماعي، إلا أن رفعها سيؤيد بفعالية شرعية النظام.

يرى بعض الخبراء أن أحد الخيارات يتمثل في إلغاء التدابير الضارة بالسكان، مثل القيود المفروضة على إمدادات النفط، وتسهيل حركة البضائع، ولا سيما المساعدات الإنسانية وقطع الغيار للبنية التحتية المدنية. وفي الوقت نفسه، المحافظة على العقوبات ضد الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام وتوسيع نطاقها لتشمل “نخبة المافيا” التي انبثقت من الحرب.

وعلاوةً على ذلك، على الرغم من تأثيرها السلبي على أصحاب الحسابات الجارية، ستتم مواصلة فرض عقوباتٍ على القطاع المصرفي. وكما يجادلون، فإن إلغاء العقوبات عن هذه الحسابات سيوفر المزيد من الفرص لغسل الأموال وتمويل الميليشيات، فضلاً عن التخلي عن واحدة من الحجج الأخيرة التي يحتفظ بها الغرب في مفاوضاته مع النظام، وإن كانت نسبة نجاحها ضئيلة.