وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الخوذ البيضاء في سوريا: عمال إغاثة جسورون

أصبح متطعوا الدفاع المدني السوري، أو كما باتوا يعرفون بالخوذ البيضاء، رمزاً للبطولة في أقسى الظروف ومصدر جذبٍ للجدل داخل سوريا وخارجها.

الخوذ البيضاء في سوريا في الحلب
متطوعو الدفاع المدني السوري، المعروفون باسم الخوذ البيضاء، أثناء عملية إنقاذ بعد غارات جوية أصابت حي الصاخور في حلب، سوريا، 21 سبتمبر 2016. Photo Syrian Civil Defense via AP

أصبح متطعوا الدفاع المدني السوري، أو كما باتوا يعرفون بالخوذ البيضاء، رمزاً للبطولة في أقسى الظروف ومصدر جذبٍ للجدل داخل سوريا وخارجها.

تعمل المجموعة كمزودٍ رئيسي لخدمات الطوارىء في العديد من المناطق خارج سيطرة النظام. وما بدأ من حفنةٍ من المتطوعين العزل الذين كانوا يُجلون الجرحى من تحت الأنقاض في المناطق حول حلب، التي تتعرض لقصفٍ كثيف، إلى مجموعة قوامها حوالي 3000 شخص – يحصلون على راتب شهري يبلغ حوالي 150 دولاراً – مع حوالي 120 مركزاً في جميع أنحاء البلاد.

ووفقاً لحساب المجموعة، بدأت فرق صغيرة للبحث والإنقاذ العمل في أواخر 2012 وبداية عام 2013، منشأةً مراكز لها في كلٍ من حلب ودوما والباب. وفي أوائل عام 2013، أطلق ضابط سابق بالجيش البريطاني، والذي تحول إلى مقاولٍ خاص، يدعى جيمس لي ميسورير، مبادرةً تدريبية للمتطوعين بتمويل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان بقيمة 300 ألف دولار. وفي البداية، تلقى 25 سورياً التدريب في تركيا بمساعدة من فريق الاستجابة للكوارث الطبيعية في تركيا (AKUT).

واصل لي ميسورير والمنظمة غير الربحية التي أسسها، ميدي للإنقاذ (Mayday Rescue)، جمع التمويل الدولي لدفع تكاليف التدريب والمعدات وتوفير رواتب للمتطوعين، إلى جانب التعاقد مع مؤسسة تشيمونيكس، ومقرها الولايات المتحدة الأمريكية. أصبحت المجموعة تُعرف رسمياً باسم الدفاع المدني السوري، والتي اعتمدت آية من القرآن الكريم كشعارٍ لها: “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً.”

وتقول المجموعة أن متطوعيها أنقذوا أكثر من 60 ألف مدني؛ كما أنها مُكلفة في العديد من المناطق بدفن الموتى. وأظهر مقطع فيديو انتشر على نطاقٍ واسع، ونشر في يوليو 2014 متطوعاً يسحب طفلاً عمره عشرة أيام من تحت أنقاض مبنى نصف منهار. وفي وقتٍ لاحق، لقي خالد عمر، المتطوع الذي ظهر في الفيديو، حتفه في غارةٍ جوية في أغسطس 2016. كما قُتل مدير المجموعة في درعا، عبدالله السرحان، في 20 مارس 2017، عندما أصابت قذيفة السيارة التي كان يستقلها. وبهذا، كان المتطوع رقم 167 من الخوذ البيضاء الذي يُقتل في الحرب، وفقاً لحملة من أجل سوريا آمنة وحرة (The Syria Campaign)، وهي منظمة غير حكومية مقرها المملكة المتحدة وتُدير حملات العلاقات العامة، بما في ذلك جمع التبرعات للمجموعة.

وعلى صعيدٍ آخر، تم ترشيح ذوي الخوذ البيضاء لجائزة نوبل للسلام في عام 2016، إلا أنهم خسروها في نهاية المطاف أمام الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس لدوره في التفاوض على اتفاق سلام بين الحكومة والمتمردين لإنهاء حرب أهلية استمرت 50 عاماً هناك. ومع ذلك، فازت المجموعة بجائزة رايت ليفيلهوود لعام 2016، والتي يُشار إليها أحياناً باسم جائزة نوبل البديلة.

كما فاز فيلم من إنتاج نيتفليكس عن الخوذ البيضاء من إخراج أورلاندو فون إينسيديل بجائزة الأوسكار لعام 2017 عن أفضلٍ فيلم وثائقي قصير. ولم يتمكن اثنان من عمال الإغاثة، الذين منحوا تأشيرات لحضور الحفل في هوليوود، من السفر في نهاية المطاف. وقالت المجموعة إن الحكومة السورية ألغت أيضاً جواز سفر خالد الخطيب، الذي يلتقط الصور وأشرطة الفيديو لأنشطة المجموعة، والذي عمل أيضاً على الفيلم الوثائقي. وقد تم تكريم حوالي 100 إمرأة من الخوذ البيضاء في احتفالٍ بيوم المرأة العالمي في لندن في 7 مارس 2017 من خلال جمعية الأطفال الخيرية، Their world.

الجدل

في مناطق أخرى، تعرضت الخوذ البيضاء لانتقاداتٍ لعلاقاتهم وتمويلهم من الحكومات الغربية، ولعملهم في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة مثل جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، إذ يقول البعض أنهم يتعاونون معهم.

وبصرف النظر عن موقع التمويل الجماعي الذي تديره حملة من أجل سوريا آمنة وحرة (The Syria Campaign)- والذي أفاد بأنه جمع 11,5 مليون دولار من أكثر من 191 ألف شخص – فإن معظم التمويل الذي يحظى به ذوي الخوذ البيضاء يأتي من حكومات أجنبية، معظمها من الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهولندا والدنمارك وألمانيا واليابان.

كما حصل ذوي الخوذ البيضاء على أموالٍ من مكتب المبادرات الانتقالية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). وقد أنفق البرنامج 29 مليون دولاراً على تقديم المساعدة لفرق الدفاع المدني في سوريا. وقال الموقع الإلكتروني للمكتب: “إلى تاريخه، أنقذ متطوعوا الإغاثة السوريين العاملين في الطوارىء أكثر من 73 ألف شخص، وبرزوا كأحد أقوى أركان المجتمع السوري.”

وعليه، أصبح التمويل الأجنبي هدفاً للمنتقدين الذين يتهمون المجموعة بأنها أداة دعائية للغرب ضمن حملةٍ للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وفي مقالٍ تمت مشاركته على نطاقٍ واسع والذي نشر على موقع Alternet اليساري، قال الكاتب ماكس بلومنتال ” إن قيادة ذوي الخوذ البيضاء تحركها أجندة مؤيدة للتدخل تصورها الحكومات الغربية وجماعات العلاقات العامة التي تدعمها.”

وقد اتهم الاسد من جانبه الخوذ البيضاء بارتباطهم بجماعاتٍ إرهابية. وقال الرئيس السوري المحاصر في ورطة الحرب لقناة RT، وهي محطة تلفزيونية روسية تمولها الدولة، أن “[الخوذ البيضاء] أعضاءٌ في تنظيم القاعدة وهذا ما مُبثت على شبكة الانترنت. نفس الأعضاء يقتلون أو يُعدمون الأشخاص أو يحتفلون فوق جثث القتلى، وهم في الوقت نفسه أبطال إنسانيين، والآن حازوا على جائزة الأوسكار.” كما اتُهمت المجموعة أيضاً بتسهيل عمليات إعدام جماعة النصرة عام 2015، بعد أن أظهر شريط فيديو متطوعين يحملون جثة أحد الرجال.

رد فعل ذوي الخوذ البيضاء

قالت المجموعة في بيانٍ رداً على هذه الإتهامات أن متطوعيها مكلفون بجمع ودفن جميع الجثث في منطقة حريتان، شمالي حلب، وأضافت “أننا ندين بشكلٍ قاطع قتل المدنيين أياً كان مرتكب الجريمة.”

كما نفت المجموعة أيضاً أن التمويل الأجنبي يؤثر على سياستها. فقد قال أحد كبار أعضاء الخوذ البيضاء لقناة الجزيرة “نحن نقبل التمويل لشراء المعدات لنتمكن من القيام بعملنا الإنساني.” وأضاف “لا نتبع أي أجندات، سواء كان للولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، لا أحد يفرض شروطاً على دعمهم.”

ومع ذلك، اتخذت المجموعة مواقف سياسية صريحة، بما في ذلك الضغط على أوروبا والولايات المتحدة لفرض حظرٍ على الطيران في سوريا. كما انضمت إلى أكثر من 70 منظمة مجتمع مدني أخرى في سبتمبر 2016 لإعلان رفضهم التعاون مع الأمم المتحدة على مشروع تقاسم المعلومات بسبب التعاون الملموس مع النظام السوري.