وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل ينجح بهاء الحريري في ما فشل فيه سعد؟

الحريري
رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، الذي انطلق إلى الحياة السياسية بعد اغتيال والده رفيق عام 2005، يشير إلى الحشد بعد مؤتمر صحفي في العاصمة بيروت. انور عمرو / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

أعلن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري، زعيم أكبر حزب لبناني سنّي في يناير الماضي انسحابه من الحياة السياسية، وحث أعضاء حزبه تيار المستقبل على العزوف عن المشاركة في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في مايو القادم.

يبقى قرار سعد الحريري بالانسحاب من الحياة السياسية، رغم تراجع شعبيته، تحولًا مهمًا في المشهد السياسي للبلاد الذي هيمنت عليه عائلة الحريري، وعلى الجبهة السنّية تحديدًا، منذ نهاية الحرب الأهلية.

وبحسب عدة وسائل  إعلامية محلية، حاول حلفاء الحريري ومستشاروه إثناءه عن قراره خوفًا من فقدان التمثيل السنّي في بلد يعتمد نظامه السياسي على ترتيبات طائفية معقدة ودقيقة لتقاسم السلطة.

لكن انسحاب سعد الحريري قد مهّد الطريق أمام شقيقه بهاء الحريري.

فبعد أيام من إعلان سعد العاطفي، راح أخوه الأكبر بهاء وأعلن في رسالة مسجلة أنه سيواصل مسيرة والده رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق.

وقال: “بالشراكة والتضامن، سوف نخوض معركة استرداد الوطن واسترداد سيادة الوطن من محتليها”  وفي ذلك إشارة واضحة إلى حزب الله.

واضطُر سعد إلى خوض غمار المشهد السياسي اللبناني بعد اغتيال أبيه رفيق الحريري، رئيس الوزراء الراحل ورجل الأعمال الثري في فبراير 2005، بينما فضّل بهاء الابتعاد عن السياسة والتركيز على أعماله في الخارج.

وقال المحلل السياسي كريم بيطار لفنك: “كان من المقرر أن يخلف بهاء والده. لكن السعودية قررت أن سعد هو الأنسب، مدعيةً أنه يتسم بقدر أكبر من المرونة والتساهل”.

في بداية مسيرته السياسية، كان سعد الحريري يُعتبر شخصية معتدلة في رأي كثير من الناس، واتخذ موقفاً مناهضًا لحزب الله ومؤيدًا للغرب، ونجح في قيادة احتجاجات حاشدة بعد اغتيال والده أُطلق عليها “ثورة الأرز” وقد تمخضت عن إنهاء الاحتلال السوري للبنان الذي استمر لعقود، ما مهّد الطريق لانتصار تحالف 14 آذار في انتخابات عامي 2005 و2009.

لكن مع مرور السنوات، قدّم سعد عدة تنازلات لحزب الله حتى إنه تغاضى عن إدانة محكمة مدعومة من الأمم المتحدة لأحد أعضاء حزب الله بتهمة التورط في اغتيال رفيق الحريري، ما أثّر على سمعته وشعبيته في غالبية الشارع السنّي.

وقالت لارا حرب، 25 عامًا: “كنت من أنصار سعد… لكني أدركت أنه لا يختلف عمّن سواه. ربما يتسم بهاء بقدر أكبر من الذكاء نظرًا لكونه رجل أعمال، لكنّي لا أثق به أيضًا”.

ومع نهاية “الحقبة الحريرية” التي بلغت نهايتها باحتجاجات عام 2019، اشتدت أزمة سعد الحريري. فقد انهارت سياسات رفيق الحريري النيوليبرالية وظهرت عواقبها التي دفعت اللبنانيين إلى الاعتماد على المحسوبية أو السياسيين وذلك للحصول على الوظائف والتعليم والرعاية والصحية.

وبحسب بيطار فإن الاقتصاد الريعي الذي اعتمد عليه رفيق الحريري لإعادة بناء بيروت بعد الحرب الأهلية، قد ساهم مساهمة كبيرة في الانهيار المالي الذي حدث في عام 2019 حتى فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 85% من قيمتها.

وقالت حرب: “اعتقد أن تأثير الحريري الأب كان إيجابيًا مقارنةً بابنه، لكنني فقدت ثقتي بالعائلة بعد أن أدركت حجم الديون التي أدت إليها سياسات رفيق الحريري الاقتصادية”.

انحدار سعد الحريري

كان رفيق الحريري رجل أعمال صاحب علاقات واسعة يحلم بتحقيق النمو الاقتصادي للبلاد. وكانت إعادة بناء المنطقة المركزية في العاصمة بيروت بعد تدميرها في الحرب الأهلية 1975-1990 إحدى مشاريعه. كما قدمت مؤسسة الحريري منحًا للدراسة داخل لبنان وخارجها، ووفرت عدة مراكز للرعاية الصحية في البلاد. ولهذا أصبح شخصية رئيسة في المشهد اللبناني، لا سيما بين المسلمين السنّة، وقد حاول سعد أن يقتفي أثر والده.

قال نوح كامل، 60 عامًا، وهو رجل أعمال متقاعد في حديثه إلى فنك: “كان رفيق الحريري صاحب مقام مقدّر عند كل الطوائف. أما سعد فلم أحبه أبدًا، ولا أراه أهلًا للسياسة”.

وقد تولى سعد منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات واستقال مرتين.

لكنه لم ينحدر بين ليلة وضحاها؛ بل تسارعت وتيرة السقوط السياسي لسعد الحريري في عام 2016 حين تولى رئاسة الوزراء في ائتلاف حكومي مع حزب الله، فقد توصل لاتفاق أدى إلى تولي ميشال عون، غريمه السياسي وحليف حزب الله على حدِّ سواء، منصب رئيس الجمهورية.

وبعد عام في 2017، أعلنت شركة “سعودي أوجيه” التي ورثها عن والده إفلاسها نتيجة عدة أزمات مالية.

وساءت الأحوال أكثر عندما “احتجزته” السلطات السعودية في العام نفسه، وأجبرته على إعلان استقالته في خطاب متلفز احتجاجًا على تزايد دور حزب الله في المشهد السياسي اللبناني. وبعد إطلاق سراحه، تراجع عن استقالته وبقي في منصبه رئيسًا للوزراء.

وعندما أُغلقت جريدة المستقبل وقناة المستقبل عام 2019 وهو ما نتج عنه تسريح آلاف الموظفين، كان بالفعل قد فقد شعبيته بين اللبنانيين السنّة خصوصًا، لكن إغلاق الشركة كشف عن سوء إدارته على مستوى الأعمال كذلك.

وقالت حرب: “حدث ذلك حين تخرجت في كلية الإعلام وأردت الحصول على فرصة تدريب في قناة المستقبل. كان ذلك محبطًا لأنصار سعد”.

ويرى بيطار أنه رغم كل ذلك ما زال كثير من الناس يرون في سعد صورة الابن المكروب الذي فقد أباه شهيدًا ثم تعرّض لشتى أنواع المتاعب على يد أقرانه. وهو على حد وصف مصطفى علوش، النائب السابق في البرلمان وعضو حزب تيار المستقبل، رجل “اتخذ قرارات صائبة لها نتائج كارثية”.

وقال علوش لفنك: “كان سعد يعلم أنه يضحي بسمعته ودعمه السياسي حتى يجنب البلاد حربًا بين السنّة والشيعة كالتي في سوريا أو اليمن”. مضيفًا إلى أن آخر ما ضحى به كان دوره السياسي نفسه.

الظهور السياسي الأول لبهاء

رغم أن سعد فشل في تحقيق العديد من وعوده السياسية، فقد كسب تعاطف العديد منهم، وهو ما لم يستطع أن يحققه بهاء بعد.

فقد قال علي خطيب، أحد أنصار سعد وعضو بارز في تيار المستقبل، لفنك: “لن ينسى الشعب المحاكمة الطويلة التي استمرت 15 عامًا بعد وفاة الحريري، ولا اشتباكات 7 مايو 2008 التي أدت إلى استيلاء ميليشيات حزب الله على بيروت الغربية، لم يكن بهاء بيننا في كل هذه الأوقات”.

ومثل شقيقه سعد، يحمل بهاء الجنسية السعودية ويعمل في مجال التطوير العقاري في لبنان والأردن. ورغم غياب أي سابق اهتمام له بالمشاركة في المشهد السياسي المحلي، كان يُمهد الطريق لدخوله منذ عام 2020 خصوصًا بعد انفجار مرفأ بيروت.

وقد صرح بهاء الحريري لصحيفة ذا ناشيونال: “لم يكن بوسعي أن أقف مكتوف الأيدي بعد انفجار مرفأ بيروت”.

وهو الآن من يقف وراء الحركة السياسية “سوا للبنان” التي أعلنت في نوفمبر 2021 أنها ستخوض الانتخابات القادمة عبر قوائم عابرة للطوائف.

بيد أن بعض الخبراء لا يرون بهاء يتمتع بالمقومات السياسية اللازمة للمنافسة.

وحسبما أوضح بيطار: “يستخدم بهاء نفس أساليب السياسة القديمة، والمحسوبية، وإنفاق المال، والاعتماد على إرث العائلة. علينا أن ننتظر لنرى أي اختلاف عمّن سبقه”.

أما موقف الشعب مما يحدث، فهو ببساطة يتلخص في مقولة العبرة بالفعل لا القول.

وقال كامل وهو رجل الأعمال المتقاعد متأسفًا: “لا شك أن بهاء أذكى من سعد، لكن الناس ما زالوا يرونه غريبًا عن هذا المجتمع، فهو لم يختلط بالشعب ولم يقدم أي خدمات اجتماعية مثلما فعل والده”.

وكشفت مؤخرًا تقارير عدة عن مشاركة بهاء في منظمة “بيتنا بيتك” غير الحكومية التي أدت دورًا حيويًا بعد انفجار المرفأ في 4 أغسطس، ولأن مساهمته قد اقتصرت على دفع المال، ويناقش الخبراء مدى تأثير مساهماته المالية على الناس.

وقال مايكل يونغ مدير تحرير في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط لفنك: ” اللبنانيون ليسوا بضائع تستطيع شراءها ببساطة، ولا يضمن لك المال دعمهم”.

أما خطيب فقال: “لقد تبنى بهاء موقفًا داعمًا للثورة بعد مظاهرات 17 تشرين الأول وفي الوقت نفسه واصل مسيرة والده. لكن عليه أن يضع إرث أبيه جانبًا. وكان عليه أيضًا أن يتدخل حين أفلست “سعودي أوجيه” أو حين أُغلقت الجريدة والقناة التلفزيونية إذا ما كان صادقًا فعلًا. لكنه لم يفعل شيئًا بل يسعى فقط إلى استغلال ضعف التيار السياسي السنّي قبيل الانتخابات”.

 “سياسة التحكم عن بعد”

ومن المقرر أن تبدأ الانتخابات اللبنانية بعد أربعة أشهر.

وقد قرر نوح ولارا مقاطعة الانتخابات اعتقادًا منهما أنها لن تأتي بالتغيير المطلوب.

ويمكن الآن لمرشحين جدد عن السنّة أن يخوضوا الانتخابات. لكن أنصار سعد يشعرون باستحالة استبداله وأن أخيه لن يحلَّ محله.

وقال مصطفى علوش، نائب رئيس تيار المستقبل: “المجال مفتوح أمامه، يمكنه التحدث إلى الناس ومشاركتهم آلامهم ومعرفة معاناتهم، بل يمكنه أن يمدَّ لهم يد العون إذا كان لديه الصبر على فعل ذلك”.

ورغم تبني بهاء موقفًا معاديًا بشدة لحزب الله، وهو ما يوافق هوى الشارع السنّي، يبقى ذلك غير كافٍ، حسبما يرى المتابعون للشأن اللبناني.

فقد ظل بهاء غائبًا منذ وفاة والده قبل 17عامًا بسبب “الخوف على حياته بعدما شهدت البلاد اغتيالات عدة “.

وقال يونغ: “هو يريد الجمع بين الشيء ونقيضه. لكنك لا تستطيع ممارسة السياسة بجهاز تحكم. فإما أن تكون في الشارع وتلتحم مع الشعب وتنخرط في التسويات السياسية، وإما دعك من الأمر برمته”.

وحتى الآن لم يُعرف موقف الأطراف الإقليميين من بهاء الحريري، وخصوصًا السعودية التي يبدو أنها فقدت الاهتمام بلبنان بحسب يونغ.

ويرى يونغ أن المجتمع السني يشعر أن مستقبله البرلماني يشوبه الغموض. فإذا لم يشارك السياسيون السنّة من الدرجة الثانية، أمثال رؤساء الحكومة الأربعة السابقين سيؤدي ذلك إلى “مقاطعة سنية للانتخابات بفعل الأمر الواقع”.