وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اليمن: هجومٌ شمالي يجعل الدبلوماسية أكثر إلحاحاً

الحوثيين
قوات موالية للمتمردين الحوثيين في اليمن خلال جنازة حاشدة لمقاتلين قتلوا خلال المعارك مع القوات الحكومية المدعومة من السعودية، في مسجد الصالح بالعاصمة صنعاء، في 24 فبراير 2021. Photo: MOHAMMED HUWAIS / AFP

صوفيا أكرم

ألغت الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن السياسة الأمريكية السابقة تجاه اليمن بوقف دعم التحالف الدولي الذي تقوده السعودية ورفع تصنيف المتمردين الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية. وعلى الرغم من الترحيب بهذه القرارات من طرفٍ واحد، إلا أن الهجوم الذي شنه الحوثيون في شمال البلاد قد يجعل الجهود الدبلوماسية أكثر إلحاحاً من ذي قبل.

فبعد الضجة الدولية التي أحدثها إعلان مايك بومبيو، رئيس إدارة ترمب، بتصنيف الحوثيين في اليمن منظمةً إرهابية، سرعان ما تراجع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن هذا القرار مُبقياً على العقوبات المفروضة على ثلاث شخصيات رئيسية من جماعة الحوثيين، إذ يعدّ الإعلان الذي صدر في 12 فبراير 2021 جزءاً من تحوّل السياسة الأمريكية تجاه اليمن، تماماً كما أُعلِن عنه في خطاب السياسة الخارجية مطلع فبراير.

ففي البيان واسع النطاق الذي غطى العلاقات الأمريكية مع العديد من الدول، صرح بايدن “سنعمل على تكثيف دبلوماسيتنا لإنهاء الحرب في اليمن.” وأضاف “لتأكيد التزامنا، فإننا سننهي كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب الدائرة في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة.”

من جهته، قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن “إلغاء الإدراج سيوفر إغاثة ضخمة لملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية والواردات التجارية لتلبية احتياجاتهم الأساسية للبقاء، وسيساعد على ضمان وصول السلع الضرورية لهم دون تأخير.”

ومن الجدير بالذكر أن الصراع في اليمن احتدم منذ عام 2014 عندما أطاح الحوثيون الزيديون بالحكومة بعد سنواتٍ من الحرمان الاجتماعي والاقتصادي. ومع ذلك، تصاعد العنف في أعقاب تدخل تحالفٍ دولي بقيادة المملكة العربية السعودية لتقديم الدعم العسكري واللوجستي للحكومة السُنيّة بقيادة عبد ربه منصور هادي.

فقد تلقى التحالف مساعدةً أمريكية على شكل أسلحةٍ وتدريب واستخبارات منذ عام 2015، بعد أن منحه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الضوء الأخضر، في حين ازداد الدعم في ظل خليفته دونالد ترمب.

ومباشرةً قُبيل مغادرته منصبه، صنف ترمب الحوثيين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، التصنيف الذي قالت منظمات الإغاثة إنه سيجعل تقديم المساعدة للمحتاجين في اليمن أكثر صعوبة في ظل الظروف الصعبة بالفعل في البلاد، فقد وصفت الأمم المتحدة أزمة اليمن بأنها أسوأ كارثة إنسانية في العالم، حيث بلغ عدد ضحايا الصراع 233 ألف شخص.

وعليه، أشاد العديد من اليمنيين والدبلوماسيين الغربيين بوقف التصنيف، حيث أعلن وزير الخارجية أنطوني بلينكن عن رفع التصنيف في 12 فبراير، واصفاً إياه بـ”الاعتراف بالوضع الإنساني المتردي في اليمن.”

وفضلاً عن إبقاء العقوبات قائمةً على قادة الحوثيين الثلاث، عبد الملك الحوثي وعبد الخالق بدر الحوثي وعبد الله يحيى الحكيم، قال بلينكن إن الولايات المتحدة تراقب أيضاً أولئك المسؤولين عن الهجمات على الملاحة التجارية في البحر الأحمر، وعن الهجمات على المملكة العربية السعودية وكذلك الهجوم الذي استهدف مجلس الوزراء في الحكومة الجديدة نهاية عام 2020.

هذا ويُنظر إلى الخطوة الأولية لتصنيف الحوثيين منظمةً إرهابية بكونها خطوة تستهدف إيران، التي يربطها مع الحوثيين تحالفٌ يتخذ شكل بعض الدعم.

فقد أشارت التقارير إلى أن القوات الحوثية تسببت في معاناة السكان المدنيين، وقالت لجنةٌ تابعة للأمم المتحدة إنها ربما ارتكبت جرائم حرب.

ففي بداية فبراير 2021، واصل الحوثيون هجومهم للسيطرة على مدينة مأرب الغنية بالنفط في شمال البلاد، آخر معاقل الحكومة. وفي حال نجح الحوثيون، فسيشكل ذلك ضربةً لحكومة هادي ويثير نفس المخاوف الإنسانية كتلك التي حدثت خلال معركة الحديدة في عام 2018.

ومع ذلك، قال براء شيبان، المسؤول عن ملف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة ريبريف الحقوقية لقناة الجزيرة إن “إدارة بايدن تتعجل وقد جردت نفسها بسرعة من جميع نقاط النفوذ لديها،” وهي الفرصة التي سيتم تفويتها لضمان وصول المساعدات الإنسانية.

فقد أظهر بايدن دعمه لوقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة، إذ حث بيانٌ صدر في 16 فبراير 2021 عن وزارة الخارجية الجماعة، المعروفة أيضاً باسم أنصار الله، على وقف الهجوم.

الحوثيون
رجال قبائل يمنية مجتمعون في إحدى الساحات أثناء تجمع نظمه الحوثيون للإعلان عن حشد المقاتلين وجمع الدعم المالي لمقاتليهم في محافظة مأرب في 22 فبراير 2021. Photo: AFP

وجاء في بيان المتحدث باسم الوزارة نيد برايس: “إذا كان الحوثيون جادين بشأن حل سياسي تفاوضي، فيجب عليهم وقف جميع عمليات الزحف العسكري والامتناع عن الأعمال الأخرى المزعزعة للاستقرار والتي يمكن أن تكون مهلكة، بما في ذلك الهجمات عبر الحدود على السعودية.”

وأضاف “يجب عليهم [الحوثيين] الالتزام بالمشاركة البناءة في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، والمشاركة بجدية في الجهود الدبلوماسية التي يقودها المبعوث الأميركي الخاص لليمن، تيم ليندركينغ. الوقت قد حان لإنهاء الصراع الآن. لن يكون هناك أي حلٍ عسكري.”

وبالرغم من أن الإدارة الأمريكية الجديدة قد أظهرت دعماً أكبر لجماعة الحوثيين مقارنةً بدونالد ترمب، ما يزال هناك بعض الشكوك حول اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة أو السلام الذي سيرحب به الحوثيون.

وفي حين قالت الولايات المتحدة إنها ستسحب دعمها للتحالف الذي تقوده السعودية، هناك شعورٌ بأن هذه الخطوة رمزية إلى حدٍ كبير حيث إن الدعم الأمريكي محدود ويتمثل في تبادل المعلومات الاستخباراتية ومبيعات الأسلحة، والتي يجادل البعض بأنها ستُطلب من وسطاء آخرين مثل الصين أو روسيا.

ومع ذلك، لا يُعتقد أن القرار سيسبب شرخاً في العلاقات الأمريكية السعودية، إذ كان هناك إشاراتٌ في بيان السياسة الخارجية لبايدن أنه يمكن للسعودية الاعتماد على الولايات المتحدة للمساعدة في الدفاع عن سيادتها، والتي قد تشمل الهجمات على أراضيها. وبحسب البيان، فإن مثل هذه الهجمات شنّها الحوثيون و”قواتٌ مدعومة من إيران” من دولٍ متعددة.

وفي تقرير صادر عن ديفينس نيوز، كرر قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال كينيث ماكينزي أن الدعم الأمريكي سيظل متاحاً لمساندة القدرات الدفاعية للمملكة العربية السعودية. وعليه، في حين سيتم تجميد الأسلحة الهجومية المستخدمة في الحرب على اليمن، سيتم منح استثناءاتٍ للأنظمة الدفاعية.

وفي هذا الصدد، قال ماكينزي: “على مدى الأسابيع العديدة الماضية، تم شن عددٍ من الهجمات من اليمن ضد المملكة العربية السعودية. سنساعد السعوديين في الدفاع ضد تلك الهجمات من خلال تزويدهم بمعلومات استخبارية أينما استطعنا بشأن تلك الهجمات. لكن ما لن نفعله هو مساعدتهم في ضرب أهدافٍ ومواصلة شن عملياتٍ هجومية في اليمن.”

إن الإشارة إلى إيران، التي تعتبر تهديداً مشتركاً لكلٍ من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، السبب وراء عدم احتمالية فصل التعاون السعودي الأمريكي، وفقاً لما قالته بيكا واسر، الخبيرة الإقليمية في مركز الأمن الأمريكي الجديد.

بيد أن من المرجح أن تثير هذه السياسة استياء الرياض، بحسب واسر، وقد يكون لها آثار غير مباشرة على مجالات أخرى ضمن قائمة أولويات بايدن، مشيرةً هنا إلى الاتفاق النووي الإيراني.

وفي الوقت نفسه، مع تسمية بايدن لندركينغ المبعوث الأمريكي الخاص لليمن، وهو دبلوماسي محترف متخصص في الشرق الأوسط، فإن ذلك يسلط الضوء على موقف الولايات المتحدة تجاه إيجاد حلٍ دبلوماسي للصراع.

أما في أوساط اليمنيين، فهناك توقعاتٌ بأن تساعد الولايات المتحدة في إنهاء الحرب والسعي للمساءلة عن الجرائم خلال الصراع المستمر منذ ست سنوات. فقد كان الضرر الذي لحق بالمدنيين وخيماً، وقد يؤدي القتال في مأرب إلى قطع الاتصال بين المدينة والمناطق الأخرى التي تسيطر عليها الحكومة، مما يترك طريقاً واحداً فقط لفرار المدنيين. وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وصل عدد النازحين في مأرب قبل التصعيد إلى حوالي مليون نسمة.

من جهتها، قالت مجموعة الأزمات الدولية إن استمرار القتال من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم أزمة الغذاء في بلدٍ قاب قوسين أو أدنى من المجاعة، وقد يؤدي إلى نقصٍ في الوقود وبدء سلسلة من ردود الفعل على القتال المكثف في أماكن أخرى مما يؤدي إلى تصدع اتفاق تقاسم السلطة الجديد بين هادي والانفصاليين الجنوبيين.

يعد الطريق الدبلوماسي لجلوس هادي والحوثيين على طاولة المفاوضات طريقٌ طويل يزخر بالتحديات، ومع ذلك، يمكن أن يساعد الضغط الدولي في تحقيق وقف إطلاق النار في أقرب وقتٍ ممكن وردع تصعيد الهجوم على مأرب.