وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اليمن: العودة إلى أحضان الرئيس صالح

yemen-public-support-for-prsident-saleh
أنصار المتمردين الشيعة يحتفلون بالإتفاق الذي تم التوصل إليه بين صالح و الحوثيين لتشكيل مجلسٍ سياسي في مدينة صنعاء، اليمن، في الأول من أغسطس 2016. Photo Hani Mohammed

“لا تسألونا لمَ نحن في اليمن نُقاتل ضد السعودية. بدلاً من ذلك، اسألوا لمَ لا تحاربون أنتم أيضاً ضد السعودية،” هذا ما كتبه المحامي المُقيم في اليمن والمدون المندفع، هيكل بافنع، على صفحته على موقع فايسبوك.

كان هذا قبل أيامٍ فحسب من الغارة الجوية التي شنتها قوات التحالف بقيادة السعودية في الثامن من أكتوبر 2016 على جنازةٍ في العاصمة صنعاء، مما أسفر عن مقتل مئات المعزين وإصابة مئات آخرين. وتعتبر هذه أحدث الفظائع فحسب في الحرب التي اندلعت منذ مارس 2015.

أجج هذا الهجوم الغضب، داخل وخارج اليمن، ضد التحالف والقوات الغربية التي تدعمه. فقد كانت رسالة العديد من النقاد منذ أشهرٍ واضحةً الآن، وستصبح أصواتهم اليوم أعلى: ينبغي على الحكومات الغربية وقف دعمهم، سواء كان سياسياً أو عسكرياً، للتحالف الذي يسعى لمطاردة المتمردين الحوثيين من صنعاء، وإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المعترف بها دولياً.

ففي 30 أغسطس 2016 ، أفادت الأمم المتحدة أنه خلال أشهر الحرب الثماني عشر، قُتل على الأقل 10 آلاف شخص؛ منهم 4 آلاف مدني. كما ذكرت الأمم المتحدة في وقتٍ سابق أن أكثر من نصف الضحايا المدنيين قتلوا بسبب الغارات الجوية التي تقودها السعودية، فضلاً عن نزوح أكثر من 3 ملايين يمني. ومع ذلك، حتى الآن، لم تظهر الحكومات الغربية حماساً يُذكر لسحب الدعم مما يُنظر إليه عموماً باعتباره “الحكومة الشرعية في اليمن.” فهذا هو الموقف الذي اتخذوه منذ البداية، والذي يبدو أنهم يتشبثون به، على الرغم من عدم رضاهم عنه.

ويعود هذا إلى نحو خمس سنوات، عندما سحب مجلس التعاون الخليجي والغرب دعمهم للرئيس علي عبد الله صالح، عندما تحولت الانتفاضة اليمنية التي اندلعت في مارس 2011، من انتفاضةٍ سلمية نسبياً إلى انتفاضةٍ دموية بعد أن قتلت قوات صالح أكثر من 50 متظاهراً. ما تبع ذلك كان محاولاتٍ امتدت لمدة عامٍ لإزالة صالح من السُلطة، مما أسفر في النهاية عن حلٍ اعتباطي أدى إلى تنحي صالح مقابل حصوله على الحصانة والحق في البقاء في اليمن.

جزءٌ آخر من الصفقة تمثل في أن يصبح عبد ربه منصور هادي، نائب الرئيس صالح آنذاك، المرشح الوحيد في انتخابات الرجل الواحد، التي من الواضح أنه فاز بها. كما تم الاتفاق على بقائه في السُلطة لعامين، بينما يلتمس حوارٌ وطني إيجاد حلٍ لمشاكل البلاد الكثيرة.

لم يُسفر الحوار عن شيء، ما عدا إغضاب حركة التمرد الحوثية الشيعية، التي شعرت باستبعادها من المحادثات. وعلاوة على ذلك، تجاوز هادي وحكومته ولايته المحددة للبقاء عامين في منصبه. استقال في نهاية المطاف عام 2015، بعد طرده من العاصمة من قِبل الحوثيين، الذين تحالفوا في الوقت نفسه مع صالح، ليعود بعد ستة أشهرٍ فحسب.

وبالتالي، فإن مدى شرعية حكومة هادي في الحقيقة أمرٌ مثيرٌ للجدل. ولكن، أيّد الغرب خطة “الإطاحة بصالح وتسليم السلطة لهادي،” لذا تمسكوا بها. ويمكن أن يضاف إلى هذا المصالح السياسية- البترولية ضمن علاقة عملٍ مع المملكة العربية السعودية، دون أي تعاطفٍ شخصي مع تحالف الحوثيين/ صالح المزعوم بدعمه من قِبل إيران.

وبالتالي، لم يكن هناك أي دعمٍ من القوى الغربية لدعوات إجراء تحقيقٍ دولي في جرائم الحرب في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. كما أن قرار مجلس الأمن بإنهاء الحرب يتضمن مطالب غير واقعية. فقبل الهجوم على بيت العزاء، كان السياسيون لا يزالون ينكرون وجود أسبابٍ وجيهة لوقف شحنات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.

وفي الوقت نفسه، يواصل الشعب اليمني معاناته (لم يستمر وقف إطلاق النار قط لفترة أطول مما تطلبه إعلان وقف إطلاق النار)، ويشعر أنه تم التخلي عنه فضلاً عن تعرضه للخيانة من المجتمع الدولي، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي يُنظر إليها باعتبارها القوة المحركة للمملكة العربية السعودية.

العواقب متوقعة بقدر ما هي مثيرة للقلق. فقد كتب هيكل بافنع مجدداً على صفحته على موقع فايسبوك: “توّلد كل غارة سعودية جديدة على أهداف مدنية في اليمن موجة جديدة وكبيرة من المجندين الحوثيين المتطوعين […]. ومن ثم يتساءل السعوديون في حيرة، لمَ يمتلك الحوثيون إمدادات لا تنتهي من المقاتلين اليمنيين المتعطشين للقتال […].”

هذا ليس مبالغةً على الإطلاق، فقد يكون الطعام نادراً في البلاد، أما الحافز فلا. فاليمنيون شعبٌ سريع التغلب على المشاكل، مع شعورٍ قبليّ قوي بالفخر والإرادة للقتال من أجل بلدهم. والأهم من ذلك، أنهم مدججون بالسلاح.

ولذا، ليس من المستغرب أن الرئيس المخلوع وحليف الحوثيين صالح، تمكن من اجتذاب حشودٍ ضخمة للخروج في مسيراتٍ في صنعاء (الجنوب قصة مختلف وأكثر تعقيداً). وكأنه تقريباً لم ينقطع عن الرئاسة.

وهناك أيضاً مشكلةٌ أخرى بالنسبة للغرب، إذ يُصّر الدبلوماسيون على هامش محادثات السلام المختلفة (الفاشلة حتى الآن)، باستمرار وبوضوح، على إجراء انتخاباتٍ حرة في إطار اتفاق السلام. ومع ذلك، في حال تحققت هذه الانتخابات في نهاية المطاف على أرض الواقع، قد يفوز بها صالح أو ابنه أحمد.

نتيجة منطقية أخرى لموقف مجلس التعاون الخليجي/ الغرب هي استفادة روسيا من هذا الفراغ، بدعمٍ سياسي لتحالف الحوثيين/ صالح. وتماماً كما هو الحال في سوريا، يعتقد بوتين أن دعم “الجانب الآخر،” السبيل الوحيد للحفاظ على الاستقرار في المنطقة.

وهكذا، في أقل من ست سنوات، عادت البلاد عشر سنواتٍ إلى الخلف، مع احتمالية عودة عهد صالح مجدداً، إلى جانب حربٍ باردةٍ جديدة، وكلاهما من الأمور المألوفة في تاريخ اليمن. نتيجةٌ من الصعب أن يأمل بتحقيقها الغرب أو حتى مجلس التعاون الخليجي، إنما هذا ما أدت له هذه الحرب.