وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اليمن: هل تشهد عودة حقبة صالح أم المزيد من التعثر (2015)؟

مؤيدونجل الرئيس السابق علي عبد الله صالح, أحمد علي صالح, يتظاهرون للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة
مؤيدونجل الرئيس السابق علي عبد الله صالح, أحمد علي صالح, يتظاهرون للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة, صنعاء, 13 مارس/آذار 2015 Photo Mohammed Hamoud / Anadolu Agency

أغلقت معظم السفارات في اليمن أبوابها في فبراير 2015، كما غادر الرئيس المختلف عليه عبد ربه منصور هادي إلى عدن بعد هروبه أو إطلاق سراحه من قِبل جماعة الحوثي التي أجبرته على الإقامة الجبرية في صنعاء. وبالتالي، أصبحت المدينة الفقيرة في الجنوب موطن بديل ومؤقت لحكومة موازية، في حين تُركت صنعاء لجماعة الحوثي وحكومتهم.

إلا أنها ليست حكراً على الحوثيين فقط، فقد ظهرت صور أحمد علي صالح، نجل الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في جميع أرجاء المدينة. الرسالة واضحة: هو الوحيد القادر على إنقاذ البلاد من الفوضى التي تعم البلاد مؤخراً. وقد تصل هذه الرسالة إلى الهدف المرجو فعلاً. وبالنسبة لكارهي جماعة الحوثي، قد يكون نجل صالح البديل الوحيد.

لطالما اتهم صالح بدعم استيلاء الحوثيين على صنعاء في سبتمبر 2014، ليس حباً بالحوثيين، فقد سبق وحاربهم بكل ما أوتي من قوة بشكلٍ متقطع على مدار ست سنوات، ولكن كاستراتيجية للعودة الى السلطة. قد يعني هذا تآمراً ذكياً، إلا أنه ليس بالمُستغرب من رجل تخصص بالتآمر لمدة 33 عاماً.

تتمثل الفكرة في ترك الحوثيين يتولون المسؤولية. فهم مقاتلون وليسوا سياسيين ولن يتمكنوا من إدارة البلاد. وقد سبق ورددت جماعة الحوثي مراراً وتكراراً أنها لا تسعى خلف السلطة. وبغض النظر عن ذلك، فهناك العديد من المواطنين وبخاصة من السُنة، الذين يعتبرون أن جماعة الحوثي الزيدية (الصحوة الشيعية) غير مقبولة كحاكم للبلاد، ومن هنا ينبثق دور نجل صالح.

ولربما يكون هذا سبب الارتياح الكبير في الرياض، إذ تراقب المملكة العربية السعودية وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي (التي يحكمها السُنة) اليمن عن كثب. فهم يؤمنون أن جماعة الحوثي تدعمها إيران وأنّ استيلاء الحوثيين على البلاد يعني أن إيران باتت قاب قوسين أو أدنى من المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يُعتبر بكل تأكيد سيناريو مروّع.

لكن اليمن ليست البحرين، تلك الجزيرة الصغيرة حرفياً التي يربطها بالمملكة جسر، والتي يتظاهر بها مجموعة من المتظاهرين السلميين. من جهة أخرى فإن جماعة الحوثي ليست كذلك أيضاً، بل هم جماعة مسلحة تعتبر جبال اليمن الوعرة موطناً لها. ولهذا السبب من المرجح أن يكون تدخل مجلس التعاون الخليجي لفظي فقط.

رهن الصراع على السلطة

بالنسبة لإيران التي تفوقها دهاءً وحيلة، يقول البعض أنّ من الأفضل في الواقع منح اليمن العضوية في مجلس التعاون الخليجي. تدور المحادثات حول انضمام اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي منذ فترة طويلة، ولكن لم يتم البت في الأمر إلى الآن. ولا ترغب دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بانضمام جارتهم الفقيرة، خوفاً من تدفق ملايين اليمنيين إلى بلادهم بحثاً عن وظائف.

ومع ذلك، فإن عضوية اليمن في مجلس التعاون الخليجي ستغضب طهران. وبالتالي سيكون هذا الوقت المثالي لتسرع الحكومة اليمنية وتيرة انضمامها إلى المجلس. ولكن تكمن في المشكلة هنا عن أي حكومة يمنية نتحدث؟ فبعد فراره من صنعاء، أعلن هادي أنه لا يزال رئيساً للبلاد، مصرحاً أن استقالته القسرية غير شرعية. وعلى ما يبدو فإن كل من الغرب ودول مجلس التعاون الخليجي تدعم ادعائه.

وفي الوقت عينه، تعمل إيران (التي لطالما نفت تورطها بانقلاب الحوثيين) وجماعة الحوثي على تقوية العلاقة بينهما. وفي الأول من مارس 2015، هبطت أولى الطائرات الإيرانية في صنعاء. وأعلنت سابا، وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، التي يُسيطر عليها الآن الحوثيين، عن تسيير 14 رحلة أسبوعياً بين صنعاء وطهران.

ولا يقتصر الأمر فقط على تسيير هذه الرحلات الجوية إلى اليمن؛ إذ تعهدت إيران مؤخراً أيضاً بتقديم النفط مجاناً لليمن لمدة عام. “لا يمكن شراء اليمنيين، ولكن يمكنك استئجارنا لهذا اليوم” كتب المدون المعروف ورجل الأعمال هيكل بافانا. وأضاف “ولكن أجد من الصعب تشويه صورة إيران، الإيرانيون لا يقتلون المدنيين اليمنيين بطائرات بدون طيار أو يرحلون مئات الآلاف من العمال الفقراء” في اشارة إلى كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على التوالي.

ويدل هذا على أنه يتوجب على المملكة العربية السعودية وشركائها في مجلس التعاون الخليجي محاولة الفوز بقلوب وعقول الشعب اليمني. ولن يكون الرئيس (السابق) هادي قادراً على القيام بذلك، ذلك أنه فقد مصداقيته أمام غالبية اليمنيين، حيث يُدرك السعوديون هذه الحقيقة. وفي واقع الأمر، قد يكون أحمد علي صالح خياراً أفضل، كما تعلم تماماً كل من السعودية (والغرب) أيضاً. ولكن تكمن المشكلة في: كيف يمكن للشعب اليمني دعم نجل الرئيس الذي استقال من منصبه عام 2011 بضغوطاتٍ من الشعب نفسه؟

قد يكون السبيل الوحيد بالضغط لإجراء إنتخاباتٍ يتوجب أن يحقق فيها أحمد علي صالح الفوز. ويمكن تحقيق ذلك. ووفقاً للأمم المتحدة، يُقال أن صالح جمع ما يصل إلى 60 مليار دولار. وحتى وإن كان المبلغ مبالغاً فيه، إلا أنه لا بد يملك المال الكافي لشراء الدعم اللازم. وإن لم يكن كذلك، لا يتوجب عليه سوى الاتصال بالرياض. ومن المضحك المبكي أن هذا السيناريو يشابه إلى حد كبير الوضع في اليمن قبل عام 2011، وقد يكون أيضاً الطريق الذي تسلكه اليمن في الوقت الحالي.

أو غير ذلك، إذ من المستحيل التنبؤ بمستقبل اليمن، ولكن من الأفضل القول أن البلاد لن تشهد أياماً أفضل في القريب العاجل. تعمّ الفوضى البلاد بأكملها، وليس فقط بسبب الصراعات الداخلية، بل لأنها أيضاً رهن الصراع على السلطة في الخليج بين المملكة العربية السعودية وإيران.

تخطط دول مجلس التعاون الخليجي حالياً لإجراء محادثات بين أطراف النزاع في الأزمة اليمنية، ولكن قد تُمنى هذه الجهود بالفشل قبل الشروع بها. يُدرك الرئيس هادي أن جماعة الحوثي لن تصل إلى عدن واقترح الذهاب إلى الرياض لإجراء المحادثات، حيث يتم في الواقع إدراج الحوثيين على لائحة المنظمات الإرهابية. رفض الحوثيون الاقتراح وأصروا على اللقاء في صنعاء، وكذلك فعل أنصار صالح. إذا ما كان مجرد الاتفاق على مكان للحوار قضية شائكة إلى هذا الحدّ، فمن الصعب استشراف الانسجام في القضايا الأكثر أهمية.