وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مبادرة الصين، حزام واحد، طريق واحد ستشمل بشكلٍ شبه مؤكد إيران

China Belt and Road Initiative
مسؤولون إيرانيون يصفقون على الرصيف مع وصول أول قطار يربط بين الصين وإيران إلى محطة سكة حديد طهران في 15 فبراير 2016. Photo: STRINGER / AFP

منذ أن تم الإعلان عنها رسمياً في عام 2013، جذبت المبادرة الصينية حزام واحد، طريق واحد اهتماماً عالمياً، حيث أثيرت العديد من الأسئلة فيما يتعلق بنطاقها وأهدافها وجدواها. والآن، وبعد مرور خمس سنوات على اختتام اجتماعين رئيسيين (كان الثاني بحجم الجمعية العامة للأمم المتحدة)، بدأت هذه الأسئلة بالتلاشي.

اقتصادياً – واستناداً إلى خطط الصين المعلنة- تعد مبادرة حزام واحد، طريق واحد جذابة للعديد من البلدان التي تشملها المبادرة. فإلى جانب دعم تطوير البنية التحتية للنقل، وهو الهدف الرئيسي للمبادرة، تستثمر الصين مبالغ ضخمة لربط البنية التحتية لأكثر من 60 دولة في آسيا وأوروبا وإفريقيا. الهدف، حسب الصينيين، هو تعزيز التجارة وتسهيل تدفق البضائع ورأس المال بين هذه الدول. ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن الآثار الجيوسياسية طويلة الأجل لمثل هذا المشروع. في حين ذهب بعض النقاد إلى أبعد من ذلك، واصفين المبادرة بالنسخة الصينية للعولمة.

بالنسبة لإيران، تمثل مبادرة حزام واحد، طريق واحد، فرصةً في الوقت الذي تحجب فيه القوى الغربية الاستثمار والتكنولوجيا المتقدمة التي تشتد الحاجة إليها لتطوير البنية التحتية للنفط والنقل. فقد تنبأت الإدارات الإيرانية المتعاقبة بأن تصبح إيران مركزاً للنقل في الشرق الأوسط وخارجه، وشرعت في تنفيذ العديد من المشاريع الوطنية لتحقيق هذه الغاية، حيث تم بناء خط سكة حديد بندر عباس-سرخس، الذي يربط الخليج العربي بشمال إيران ومن هناك إلى آسيا الوسطى، وخط سكة حديد سرخس-رازي، الذي يربط الحدود الشمالية الغربية لإيران مع تركيا بحدودها الشمالية الشرقية مع تركمانستان، ضمن هذه الخطط. كما إن تركيز إيران في وقتٍ لاحق على تطوير ميناء چابهار المجاور للمحيط الهندي في الجنوب الشرقي هو أيضاً جزءٌ من نفس الاستراتيجية. يهدف الميناء إلى الدوران حول باكستان من خلال ربط الهند، التي لطالما توترت علاقاتها مع إسلام أباد حول كشمير، بأفغانستان. يعدّ هذا جزءاً من السبب الذي جعل من الهنود مستثمرين رئيسيين في المشروع.

هناك العديد من المشاريع الأخرى المشابهة المخطط لها، رغم أن جميعها لم يصل بعد إلى مرحلة التنفيذ. في الواقع، فإن الوضع السياسي بين إيران والغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، أعاق جهود إيران للتنافس مع مراكز العبور والنقل الأخرى الناشئة. ينطبق هذا بشكلٍ خاص خلال فترة العقوبات السابقة (2011-2015) وبعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، والمعروفة باسم الإتفاق النووي الإيراني، في عام 2017، الذي وجه مرةً أخرى ضربة قاسية لمشاريع التنمية الإيرانية.

منذ أن تم الإعلان عنها ومتابعتها من قبل الصين، يُنظر إلى مبادرة حزام واحد، طريق واحد على أنها فرصة لتعويض، على الأقل بعض، التأخير في تطوير البنية التحتية للنقل في إيران. وعلى هذا النحو، رحبت إيران بكونها جزءاً من المبادرة وشرعت في إجراء العديد من المفاوضات مع الصين في هذا الشأن. تبع ذلك زيارات رسمية عديدة بين البلدين وتم توقيع اتفاقيات متعددة تتعلق بكل من المبادرة وغيرها. ومع ذلك، وكما ذكرنا سابقاً، فإن الوضع السياسي بين إيران والولايات المتحدة قد أثر على رغبة الشركات الصينية وقدرتها على الانخراط في الاقتصاد الإيراني كما تأمل.

BRI china
المصدر: “The Belt and Road Initiative creates a global infrastructure”, Mercator Institute for China Studies. @Fanack

بموجب عقوبات الولايات المتحدة والأمم المتحدة التي سبقت خطة العمل الشاملة المشتركة، حافظت الصين، على الرغم من تأثرها، على تدفق وارداتها التجارية والنفطية من إيران، مما أدى إلى معاقبة العديد من شركاتها ومصارفها. ورغم أن إيران كانت الطريق المركزي الطبيعي للمبادرة، فقد وضعت الصين خططها للمشروع الضخم الذي يدور حول إيران حتى لا تتعرض للعقوبات. وبعد بدء العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة في يوليو 2015، غيرت الصين مسارها، لتعديد تخطيط مسارات مبادرة حزام واحد، طريق واحد الأولية. وكما هو متوقع، كانت الطرق البرية والبحرية المركزية تعبر الأراضي الإيرانية، مما يعني الاعتراف بموقع إيران الرئيسي بين آسيا من جهة وأوروبا وأفريقيا من جهة أخرى.

بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، كانت العديد من الشركات الدولية، بما في ذلك الصينية، حذرة بشأن الانخراط في الاقتصاد الإيراني إلى أن أصبحت تداعيات ذلك واضحة. ومع ذلك، وقعت الحكومة الصينية وحتى بعض شركاتها الخاصة والعامة الرئيسية عقوداً بقيمة مليارات الدولارات مع نظرائهم الإيرانيين. في الواقع، إن الأعمال التجارية الصينية الإيرانية، مقارنة بالأعمال التجارية لإيران مع أوروبا، تزدهر، إذ يتم استشعار ذلك على وجه الخصوص في صناعات النفط والغاز والسيارات. ومع انتخاب ترمب وإعلانه أن خطة العمل الشاملة المشتركة كانت “أسوأ صفقة على الإطلاق،” توقفت الشركات الدولية عن الدخول إلى السوق الإيراني وبدأت العديد منها – بما في ذلك بعض الشركات الصينية- بالخروج منه. إن انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرض عقوبات صارمة على إيران قد فاقم هذا الاتجاه.

ومع ذلك، لم يتغير الموقف الرسمي للصين، حيث انتقدت بكين مراراً وتكراراً العقوبات الأمريكية أحادية الجانب واقتراح واشنطن أن تتوقف عن التعاون مع إيران وشراء نفطها. لكن السؤال الحقيقي هو ما إذا كان الصينيون سيواصلون الاعتماد على موقع إيران في تطوير المبادرة. هناك دلائل متناقضة في هذا الصدد. ففي حين أن الصين انتقلت إلى فترة ما قبل خطة العمل الشاملة المشتركة من حيث التجارة والأعمال المعلن عنها رسمياً مع طهران، يعتقد الكثيرون أن أعمالها التجارية غير الرسمية أكبر بكثير.

هناك ثلاثة أسباب للاعتقاد بأن الصين ستواصل ضم إيران إلى مبادرة حزام واحد، طريق واحد. فأولاً، إن حقيقة أن الشركات الصينية مثل هواوي هي أيضاً هدف للعقوبات الأمريكية، الأمر الذي ينبع من وضع واشنطن للصين على سلم أولوياتها في تقييماتها للتهديدات، يضع إيران في موقف مميز للغاية. وعليه، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن إيران والصين تؤيدان التعددية في الشؤون العالمية، لكن ذلك عرضة للهجوم الآن أكثر من أي وقتٍ مضى.

إن الوضع فيما يتعلق بالولايات المتحدة يعزز القيمة الإستراتيجية لإيران بالنسبة للصين لمواجهة الولايات المتحدة. من ناحية أخرى، فإن استمرار إدراج إيران في المبادرة من شأنه أن يقلل الضغط الاقتصادي الأمريكي على إيران ويفتح بدائل لرأس المال الغربي والتكنولوجيا. بعبارةٍ أخرى، إن كلاً من إيران والصين يخرقان سياسات الولايات المتحدة أحادية الجانب، ومن المتوقع أن يشجعهما هذا الموقف المشترك على العمل معاً ضد “عدو” مشترك.

ثانياً، قام خبراء من الصين وإيران وكذلك البنك الدولي بتقييم إيران باعتبارها واحدة من أكثر المواقع الجغرافية ملاءمة وجدوى للربط بين الأجزاء الشرقية والغربية من المبادرة. وعلى الرغم من أنه يتوجب على الصين إجراء حسابات التكلفة والعوائد، إلا أن الوضع السياسي المذكور أعلاه بشأن الولايات المتحدة سيؤخذ بعين الاعتبار، وبالتأكيد أكثر مما كان عليه قبل خطة العمل الشاملة المشتركة وترمب. وعلى هذا النحو، فإن الجغرافيا السياسية لمبادرة حزام واحد، طريق واحد تشجع الصين على الالتزام بخطتها الأصلية المتمثلة في إدراج إيران.

ثالثاً، يمكن للصين- ويعتقد الكثيرون التزامها بذلك، محاولة ربط الاقتصاد الإيراني باقتصادها في أوقات التوتر من أجل تعزيز قدرته التنافسية الاقتصادية مقابل الأعمال التجارية الغربية خلال الأوقات العادية. بمعنى آخر، في حين أن الشركات الغربية تخطط لمغادرة إيران- إن لم تكن قد غادرت بالفعل- تعزز الصين علاقاتها الاقتصادية مع إيران. والهدف من ذلك هو الحفاظ على هذه الروابط وتعزيزها في بعض المناطق بطريقة يتم فيها تفضيل الشركات الصينية كشركاء بعد تجاوز الوضع الحالي.

أخيراً، تعتبر التجارة مع إيران مربحة للصين في أوقات التوتر. مثال ذلك هو خصم يتراوح ما بين 20-30% تحصل عليه الصين من واردات النفط الإيراني. بعبارةٍ أخرى، فإن استبعاد إيران من مبادرة حزام واحد، طريق واحد لا معنى له من الناحية الاقتصادية، وهذا هو السبب المحتمل وراء تعهد الصين بمواصلة تطوير مشاريع السكك الحديدية الإيرانية، وهو ما وافقت على القيام به قبل إعادة فرض العقوبات الأمريكية. تتماشى هذه المشروعات مع منطقة المبادرة في إيران، التي تربط حدودها الشرقية والغربية وتعمل على تسريع وقت النقل بين المنطقتين.

Advertisement
Fanack Water Palestine