وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التطرف

ISIS military parade in al-Raqqa, Syria, using US vehicles and weaponry seized from the Iraqi army
عرض عسكري لداعش في الرقة,سوريا, تظهر فيه مركبات وأسلحة أمريكية استولت عليها داعش من الجيش العراقي

بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على هجمات تنظيم القاعدة على نيويورك وواشنطن في 11سبتمبر 2001، وعولمة سياسات “الحرب على الإرهاب”، من أجل القضاء على تنظيم القاعدة والمنظمات الجهادية السُنيَّة متعددة الجنسيات التي تُساند القاعدة، لا تبدو نتائج الحرب على الإرهاب ناجحة عملياً. لم تسفر هذه “الحرب” التي أطلقها جورش دبليو بوش كرد فعلٍ لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، عن حرمان الإرهابيين المفترضين من ملاذات آمنة وحصارهم وتجفيف مصادر تمويلهم وتدمير إيديولوجيتهم الخطابية ودعايتهم الإلكترونية. ومع قرب انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان نهاية العام الحالي والذي دخلته نهاية 2001، تبدو عودة حركة طالبان وحلفائها من التنظيمات الجهادية والقاعدة مسألة وقت لا أكثر، كما أن نتائج غزو العراق عام 2003، تحت ذريعة “الحرب على الإرهاب”، ثم الانسحاب عام 2011، تبدو كارثية، إذ يُسيطر اليوم تنظيم “الدولة الإسلامية” وحلفائه من الجهاديين حول العالم على مساحات واسعة من العراق وسوريا.

وفي أماكن أخرى، تُصارع السلطات المصرية المتطرفين في سيناء، بينما أصبحت ليبيا، التي تعمها الفوضى، ملاذاً آمناً للمتطرفين، وبالتالي أدى هذا إلى زعزعة استقرار الدول المجاورة. ترّقب بعض الأفراد زوال تنظيم القاعدة بسبب الثورات العربية السلمية “الربيع العربي” التي انطلقت في الأشهر الأولى من عام 2011، والتي تزامنت مع مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن على يد القوات الأمريكية في 2 أيار2011. إلا أن تنظيم القاعدة خيّب آمال الحالمين بالاستقرار والديمقراطية، إذ سرعان ما استعاد الخطاب الجهادي الذي يدعو إلى إنشاء دولة إسلامية مثالية، أياً كانت طبيعتها، جاذبيته مع عسكرة الثورات العربية، والانقلابات على مسارات العملية الديمقراطية، وإحياء الأنظمة السلطوية القمعية. عمل تنظيم القاعدة على تطوير استراتيجيات جديدة للتمدد والانتشار، وإعادة التموضع في العالمين العربي والإسلامي تقوم على دعامتين أساسيتين. أولاً، بناء شبكات شعبية محلية تحت مسمى “أنصار الشريعة” تمهد لبناء منظومة إقليمية موحدة وتناهض الهيمنة الغربية. كما تم صياغة النظام الجديد لجذب أعضاء جدد لتنظيم لقاعدة. ثانياً، المزاوجة بين قتال “العدو القريب” (الإقليمي) و”العدو البعيد” (الغرب) من خلال دمج نهج القاعدة العالمي والمحلي. وعلى هذا النحو، لم تعد الأجندة الجهادية تقتصر على الأذى والنكاية بل أصبحت تسعى إلى السيطرة والتمكين.

إحياء علوم الدين

قب مرور ثلاثة عشر عاماً على أحداث سبتمبر، وثلاث أعوام على “الربيع العربي” باتت القاعدة وخصومها الآن أشد خطراً وأوسع انتشاراً. بعد أن كان تنظيم القاعدة عموماً والفرع العراقي خصوصاً، يشهد في فترة من الفترات تراجعاً واضحاً، ويعاني حالة من العزلة والضعف والضمور، ويفتقد إلى الجاذبية الإيديولوجية الضرورية للحشد والتعبئة والتجنيد، إلى جانب افتقاده إلى الموارد البشرية والمالية اللازمة للصمود. كما يفتقر تنظيم القاعدة إلى الحاضنة الاجتماعية الأساسية للازدهار والنمو، ولا يمتلك العمق الجغرافي الاستراتيجي لإسناد حروب الاستنزاف، إلا أن إصرار الأنظمة الإستبدادية على قطع مسار الثورات السلمية بالعسكرة والانقلابات، وتعثر العملية السياسية الانتقالية، وإحياء الهويات الطائفية، عمل على تدشين ولادة جديدة لتنظيم القاعده وفروعه الإقليمية.

أصبح تنظيم القاعدة لاعباً أساسياً في المنطقة، في حين أصبح الفرع السابق للتنظيم في العراق منافساً قوياً الآن، حيث أُعلنت “الخلافة” في الأراضي التي يُسيطر عليها في كل من سوريا والعراق في 29 يونيو 2014 وتم تنصيب أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين. أسفرت الثورات العربية عن إنهيار بعض الأنظمة السلطوية وإضعاف أخرى معادية للسلفية الجهادية والقاعدة. وعلاوة على ذلك، ساهم غياب بن لادن بتفكك القيادة المركزية والتخطيط العملياتي العالمي إلى جانب بروز نهج جديد للقاعدة يناهض الغرب وعلى وجه الخصوص، الولايات المتحدة بطرق عديدة. تمكنت سياسات “الحرب على الإرهاب” على مدى سنوات من تحقيق نجاحات محدودة من خلال اعتقال عدد من قيادات القاعدة أمثال: خالد شيخ محمد، وأبو زبيدة، ورمزي بن الشيبة، وسليمان أبو غيث، وغيرهم، واصطياد رؤوس قيادات هامة تنتمي لتنظيم القاعدة؛ أمثال: أبومصعب الزرقاوي، وأبو اليزيد المصري، وأبو حفص المصري، وأبو الليث الليبي، وأنور العولقي، وأبو يحيى الليبي، وعطية عبد الرحمن، وسفيان الشهري، ومختار أبو الزبير. ومع ذلك، أثبتت “الحرب على الإرهاب” فشلها بالقضاء على تنظيم القاعدة.

جماعات جديدة

الفروع الجهادية الإقليمية للقاعدة، التي تطورت تاريخيا من حركات جهادية محلية أصبحت أكثر تحرراً من اشتراطات المركزية للقاعدة. وظهرت جماعات جديدة تشارك القاعدة، بشكلٍ أو بآخر، في انتمائها الإيديولوجي السلفي الجهادي وأهدافها البعيدة بإقامة الخلافة الإسلامية، إلى جانب رفع الهيمنة الغربية ومواجهة إسرائيل. وباتت الجهادية العالمية أشد قوة وأكثر جاذبية وأوسع انتشاراً.

العراق

تنامت قدرات الجماعات المتطرفة نتيجة تهميش الأقلية السُنية العراقية وعسكرة الثورة السورية. أسفر هذا عن ولادة تنظيم “الدولة الإسلامية” عقب تمرد الفرع العراقي للقاعدة على القيادة المركزية للتنظيم التي يزعمها حالياً أيمن الظواهري. وقد جاء إعلان أبو بكر البغدادي أمير “الدولة الإسلامية في العراق” ضم “جبهة النصرة” في سوريا إلى دولته، خلافاً لرغبة الظواهري، تتويجا حتميا للخلافات التاريخية بين الفرع والمركز والتي تم احتوائها إبان زعامة بن لادن. ونتيجةً لذلك، تسيطر اليوم “الدولة الإسلامية”، أو ما كان يُعرف سابقاً بـ”الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)” أو “الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام” على مساحات شاسعة غرب العراق وخصوصاً محافظة الأنبار، وشرق سوريا خصوصا محافظة الرقة التي أصبحت عاصمة دولة البغدادي. يبلغ عدد أعضاء التنظيم حوالي 50 ألف مقاتل، إذ يستقطب النسبة الأكبر من المقاتلين الأجانب، ويتوافر على موارد مالية كبيرة.

سوريا

أسفرت عملية عسكرة الثورة السورية عن ولادة ثالثة لتنظيم القاعدة، منذ الإعلان رسمياً عن تأسيس “جبهة النصرة لأهل الشام” في سوريا بتاريخ 24 يناير2012، بزعامة أبو محمد الفاتح الجولاني، الذي يرتبط بشكل مباشر بتنظيم القاعدة المركزي. وفي عام 2013، رفض الجولاني إدراج “الجبهة” تحت جناح “تنظيم الدولة” بقيادة البغدادي، حيث أثنى الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، على مثل هذا القرار. ولأنّ “جبهة النصرة” أقل عنفاً من “تنظيم الدولة”، تعدّ فرعاً “معتدلاً” من فروع تنظيم القاعدة

اليمن

اثبت الفرع الإقليمي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب منذ تأسيسه بأنه الفرع الأشد مرونة وليونة بين الفروع الإقليمية للقاعدة، والأقدر على التكيف والتطور. منذ الإعلان عن اندماج الفرعين اليمني والسعودي في يناير 2009، لتشكيل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بزعامة اليمني أبو بصير ناصر الوحيشي، أظهر التنظيم قدرات فائقة على ابتكار وسائل إرهاب مختلفة لاستخدامها ضد أهدافٍ غربية (على الرغم من أنّ جميعها أثبتت فشلها حتى الآن)، إلى جانب تطوير أساليب وأدوات قتالية جديدة. وتمكن التنظيم من السيطرة على مناطق عديدة في محافظة أبين في اليمن ثم طُرد منها في وقتٍ لاحق. وعلى الرغم من الهجمات التي تشنها، بلا هوادة، القوات الأمريكية بطائرات بدون طيران، إلاّ أنّ التنظيم لا زال ينبض بالحياة.

شمال افريقيا

برز تنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي” بإمارة أبو مصعب عبد الودود. أعلن عن تأسيسه في يناير عام 2007، وهو سليل “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”. ساهم سقوط نظام القذافي وليبيا الغارقة حتى أذنيها بالفوضى، بتطور القاعدة في بلاد المغرب وانتشار فرعه في جمع أرجاء المنطقة. في أغسطس 2013، أعلنت جماعة “التوحيد والجهاد في غرب افريقيا” عن اندماجها مع “جماعة المرابطون”، وهي جماعة منشقة عن تنظيم القاعدة بزعامة مختار بلمختار. تنشط هذه الجماعة في شمال مالي والنيجر وتتخذ حالياً من جنوب ليبيا مركزاً لأنشطتها. جدد مختار بلمختار، الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم على منشأة الغاز الطبيعي جنوب الجزائر في يناير 2013 حيث قتل على الأقل 39 عاملاً أجنبياً، في بيان الاندماج التأكيد على أن التنظيم الناتج عن اتحاد الجماعتين سيتمسك بالولاء لقادة القاعدة في أفغانستان.

ليبيا

تعود جذور السلفية الجهادية في ليبيا إلى “الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة” التي أجرت مراجعات فقهية لنهجها العنفي قبل سقوط النظام. وقد ظهرت جماعات سلفية جهادية عديدة عقب سقوط نظام القذافي، وبرزت جماعتان رئيسيتان تستخدم كلاهما اسم “أنصار الشريعة”، الأولى تنشط في بنغازي بقيادة محمد علي الزهاوي التي يُنظر إليها على أنها المشتبه بها الرئيسي في الهجوم الأخير على القنصلية الأمريكية في بنغازي، التي أسفرت عن مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز وثلاثة أفراد دبلوماسيين آخرين في 11 سبتمبر 2012. أما الجماعة الثانية “لأنصار الشريعة” تتواجد في درنة، بقيادة سفيان بن قمو. وتخوض السلفية الجهادية معركة مع أنصار اللواء حفتر، وتسيطر على مساحات واسعة بما في ذلك بنغازي وطرابلس.

تونس

نشطت الجماعات الجهادية السفلية في تونس بعد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في يناير2011. الأكثر نشاطاً من بينها “أنصار الشريعة” بزعامة سيف الله بن حسين، الذي شارك سابقاً في تأسيس الجماعة التونسية المقاتلة في أفغانستان. تتضمن هذه الجماعة قرابة الألف عضو وتعدّ هذه الجماعة مسؤولة عن تزايد أعمال العنف في تونس. في فبراير 2013 ظهرت جماعة جهادية مسلحة تتحصن بجبال الشعانبي غرب البلاد على الحدود مع الجزائر، أطلقت على نفسها “كتيبة عقبة بن نافع”.

مصر

ظهر تنظيم “مجلس شورى المجاهدين” في 18 يونيو 2012، وهو عبارة عن ائتلاف يضمّ العديد من التنظيمات الجهادية التي ظهرت منذ سيطرة حماس على غزة في عام 2007، ثم انتشرت في سيناء. من أهم مكونات المجلس: “جيش الإسلام” و”جيش الأمة” و”جماعة التوحيد والجهاد” و”جند أنصار الله”. وقبل ذلك، ظهرت جماعة “أنصار بيت المقدس” إلى العلن في فبراير 2005، والتي تعدّ الأكثر دموية من بين الجماعات، وهي جماعة جهادية عالمية نفذت عدة عمليات ضد مصر وإسرائيل. وبالإضافة إلى المنظمتين السابقتين هناك “لواء التوحيد” التي تنامت بشكل لافت وأظهرت قدرتها على التكيّف والتطور وتنفيذ عمليات مركبة ومعقدة. ومنذ الانقلاب في 3 يوليو 2013 تمكنت الجماعة من تنفيذ أكثر من (300) هجوم مسلح على أهداف مختلفة وبأساليب متنوعة، وقد ادرجتها الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية.

الإنتشار الواسع

إن الجهادية العالمية اليوم أشد خطراً وأوسع انتشاراً مما كانت عليه منذ أحداث 11 سبتمبر 2001. وفي أغسطس 2014، شكّلت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً جديداً للقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا، إلا أن استراتيجية الحرب على الإرهاب لا تزال تستند إلى المعالجة العسكرية الأمنية الصلبة، لقمع الإرهاب دون التعامل مع الأسباب الجذرية. وعادت الأنظمة السلطوية إلى الشرق الأوسط بصورة أكثر قمعاً، وتنامت الصراعات الطائفية بشكل حاد، وأصبحت الديمقراطية والحرية والعدالة بعيدة المنال، الأمر الذي استثمرته الجهادية العالمية بالتدليل على صواب نهجها العنيف لإحداث التغيير. وبات خطابها المتطرف أكثر جاذبية للأجيال الشابة في المنطقة، كما طورت استراتيجياتها ونوعت من تكتيكاتها القتالية.

لقد تطورت الجهادية العالمية وأصبحت القاعدة والمنظمات المنافسة تسيطر على مساحات واسعة في أماكن عديدة، في العراق وسوريا وليبيا والصومال واليمن وسيناء وفي دول جنوب الصحراء والساحل. شهدت الجهادية انشطاراً إلى نهجين خطرين، أحدهما لا زال يتمسك بأجندة القاعدة التقليدية بزعامة أيمن الظواهري، والتي تهدف منذ الإعلان عن تأسيس “الجبهة الإسلامية العالمية” إلى قتال الغرب عموماً والولايات المتحدة وإسرائيل خصوصاً، باعتبار أنّ الولايات المتحدة حامية للأنظمة العربية الاستبدادية وراعية لحليفتها الإستراتيجية إسرائيل من جهة، والسعي لتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الخلافة من جهة أخرى. أما النهج الآخر فيقوده الفرع العراقي المعروف بــ “الدولة الإسلامية ــ داعش” بزعامة أبوبكر البغدادي، وأجندته ترتكز على أولوية مواجهة النفوذ والتوسع الإيراني في المنطقة ومحاربة “المشروع الصفوي” كما تصفه؛ فالأساس الهوياتي (السني ـــ الشيعي) والصراع بينهما أصبح المحرّك الرئيس لسلوك الفرع العراقي.

Advertisement
Fanack Water Palestine