وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

خبراء: “مجموعة مغريات” تدفع الإرهابيين للقيام بالهجمات الانتحارية

Suicide attacks, driven by a "cocktail of different motivations", have been on the rise in recent years, especially in the Middle East.
مجموعة من الأشخاص يساعدون احد ضحايا التفجير الانتحاري بالقرب من محطة القطار الرئيسية في انقرا، تركيا. PhotoTumay Berkin/ZUMA Press/Corbis

في تاريخ 29 أيلول من العام 2015 قام شاب يبلغ من العمر 23 عاما — وهو ابن لبرلماني أردني — بتفجير نفسه في هجوم بإحدى سيارات ملغمة على المشارف الشمالية لمدينة الرمادي في العراق. في ذلك الوقت، وصف والد الشاب إبنه بأنه كان “ذكيا” ويحظى “بكل شيء من عائلة ومال وأنه كان يدرس الطب.” لكن الشاب اختار أن يستخدم جسده كسلاح ضد قوات الأمن العراقية الذين اعتقد بأنهم كفار. هذا الحادث المأساوي ليس مجرد حالة فردية، فالعشرات من الشباب والشابات يلجأون إلى تكتيكات مماثلة في محاولة منهم للفت الانتباه لقضاياهم.

ومع تزايد أعداد الانتحاريين من الشباب، عاد الجدل للظهور من جديد بين علماء المسلمين حول مدى شرعية التفجيرات الانتحارية أو استخدام الجسد كسلاح من أسلحة الحرب. ومن بين المفكرين الغربيين، خاصة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن في عام 2001، بدأ العديد من علماء النفس وعلماء السياسة بدراسة ظاهرة الإرهاب بالعمليات الانتحارية في محاولة لخلق تصور قد يفسر الحالات النفسية للمفجرين الانتحاريين. وبالتالي، من أجل فهم حقيقة دوافع الانتحاريين، بات من الضروري – بل من الممكن الآن – تحليل البيانات التاريخية للأشخاص المقبلين على الهجمات الانتحارية.

ما المقصود بالهجوم الانتحاري؟

الهجوم الانتحاري هو الهجوم الذي يقتل فيه الجاني نفسه عامدا متعمدا. وبعبارة أخرى، فإنه الهجوم الذي يقرر فيه الشخص طوعا استخدام جسده كسلاح مع علمه انه سوف يموت كنتيجة لذلك العمل. ويستثنى من هذا المفهوم قطعيا الشخص الذي يتم إكراهه للقيام بهذا العمل أو الشخص غير العاقل أو الذي يتم خداعه للقيام بالعمليات الانتحارية.

والهجمات الانتحارية ليست ظاهرة جديدة أو ظاهرة برزت في الحروب المعاصرة فحسب. فوفقا للدكتور روبرت بيب، أستاذ العلوم السياسية ومؤسس مشروع شيكاغو للأمن والإرهاب (CPOST) الذي يحوي قاعدة بيانات حول العمليات الانتحارية، وهي قاعدة بيانات شاملة حول الإرهاب الانتحاري في جميع أنحاء العالم منذ عام 1982، حيث ارتكبت أولى الهجمات الانتحارية على يد متطرفين يهود في زكريف في القرن الأول للميلاد. حيث “سعى المتعصبون اليهود إلى إثارة حالة تمرد ضد الاحتلال الروماني بالسير على الأقدام نحو جندي روماني في إحدى الساحات وسحب سكين وقتله وتقطيع رقبته مرارا وتكرارا.” حدث ذلك رغم وجود جنود رومان آخرين كان بإمكانهم أن يوقفوا عملية إعدام أو قتل المتعصبين فورا.3

وخلال الحرب العالمية الثانية، قام المقاتلون الانتحاريون اليابانيون”الكاميكاز” بعمليات انتحارية جوية في محاولة لمنع الدول الحلفاء من التنسيق لغزو اليابان.4 وفي الوقت المعاصر، تزايد استخدام الهجمات الانتحارية منذ أن هاجمت جماعة الدعوة الشيعية اللبنانية السفارة العراقية في بيروت في عام 1981. كما قام حزب الله الشيعي أيضا بتفجير السفارة الأميركية في بيروت في أبريل من عام 1983، وفي شهر تشرين الأول من عام 1983 قاد اثنان من عناصر حزب الله شاحنتين مليئتين بالمتفجرات إلى داخل ثكنات عسكرية فرنسية وأمريكية، مما أسفر عن مقتل 241 من مشاة البحرية الامريكية و 58 من المظليين الفرنسيين. فكان الرد الأمريكي بسحب جميع القوات الأمريكية من لبنان، مما رسخ فكرة أن الهجمات الانتحارية تعتبر ورقة ضغط ناجحة.

ودخل تاريخ الهجمات الانتحارية منعطفا جديدا في ثمانينات القرن العشرين بسبب حركة نمور تحرير تاميل إيلام في سريلانكا، والمعروفة باسم نمور التاميل. فبعد تنفيذ الحركة لعدة تفجيرات باستخدام الشاحنات، قامت الحركة بتطوير حزام انتحاري ناسف خفيف الوزن يسهل اخفاؤه تحت الملابس الشخصية. حيث كان استخدم الحزام في اغتيال رئيس وزراء الهند راجيف غاندي في عام 1991، ومنذ ذلك الحين بدأ تقليد مثل تلك الهجمات الانتحارية في جميع أنحاء العالم، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط.

البيانات الجديدة تقدم رؤى مفاجئة

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، قامت جامعة فلندرز في استراليا بإنشاء قاعدة بيانات الإرهاب الانتحاري بتوضيح دوافع الانتحاريين. وقد قام الأستاذ رياض حسن، وهو الذي عمل على تحليل البيانات، بنشر استنتاجاته في وقت لاحق في جامعة ييل غلوبل، واصفا إياها بأنها “مثيرة للدهشة.” فالأدلة التي قدمها من قاعدة البيانات تلك تدحض إلى حد كبير المقولة الشائعة التي تدعي بأن شخصية الانتحاريين والتوجهات الدينية التي يتأثرون بها هي السبب الرئيسي وراء قيامهم بالهجمات الانتحارية. ويضيف قائلا: “على الرغم من أن الدين يمكن أن يلعب دورا هاما في تجنيد وتحفيز الانتحاريين المحتملين في المستقبل، فإن القوة الدافعة الرئيسية ليست الدين بل مزيج من الدوافع بما في ذلك السياسة والشعور بالإذلال والرغبة في الانتقام والثأر والإيثار.

هكذا، فإن الغياب شبه الكامل للإرهاب الانتحاري في البلدان الأكثر فقرا في العالم أو القادم من تلك الدول، مقابل النسبة العالية (76 في المائة) من الانتحاريين من ذوي الطبقة الوسطى والتعليم الثانوي فما فوق، ينسف نظرية أن الانتحاريين هم في الغالب من الشباب الذكور الفقراء ممن ليس لديهم ما يخسروه. ونجل النائب الأردني هو أقر مثال على ذلك، فهو شاب كان يدرس الطب. ووفقا للدكتور بيب فإن الانتحاريين هم “أعضاء منتجين في مجتمعاتهم ويتوقع لهم أن يعيشوا حياة منتجة للغاية لولا أنهم اختاروا القيام بهجمات انتحارية.”

وهناك أسطورة أخرى غير مدعمة بالبيانات وهي بأن الانتحاريين يعانون من الاضطراب الذهني وتدفعهم الايديولوجيات الدينية في المقام الأول للقيام بالهجمات الانتحارية. فقد أظهرت الأدلة عدم وجود مثل هذا العامل النفسي وأن 95 في المائة من جميع الهجمات الانتحارية هي سياسية في طابعها. وبعبارة أخرى، فالدين في حد ذاته ليس الدافع الرئيسي، فالإسلام على سبيل المثال ديانة موجودة منذ حوالي 1500 سنة، ومع ذلك لم يثبت وجود تقليد الهجمات الانتحارية بين المسلمين حتى الآونة الأخيرة. بل إن تلك الهجمات هي في الغالب بسبب ما ينظر إليه على أنه احتلال للدول الإسلامية (كالغزو الأميركي للعراق عام 2003 أو حكم سوريا من قبل بشار الأسد الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية، حيث لا يعتبر العلوي مسلما في نظر المتطرفين السنة كتنظيم الدولة الإسلامية).

الانتحاريات

لعبت المرأة دورا ضئيلا في مجال الإرهاب الانتحاري مقارنة بالرجال. فوفقا لبيانات البحث، لا يوجد سوى اثنين من الجماعات المعروفة التي يفوق فيها عدد الانتحاريات عدد الانتحاريين من الذكور: ففي حزب العمال الكردستاني (والمعروف بال PKK) 75 في المائة من المهاجمين هن من النساء، في حين تشكل الإناث نسبة 66 في المائة من الانفصاليين الشيشان، وتعتبر كلا المجموعتين علمانيتان. ووفقا لدراسة أجرتها ليندسي. آي. أورورك، وهي خريجة جامعة شيكاغو، فإن ما يقرب من 85 في المائة من الهجمات التي تقوم بها نساء تم تنفيذها باسم منظمات علمانية لا منظمات دينية. ومن المثير للاهتمام كذلك أن العديد من المنظمات الدينية لا تشجع استخدام الإناث في الإرهاب الانتحاري بحجة أن دور النساء يجب أن يقتصر على الدعم والاسناد لأنهن “يفتقرن إلى البراعة النفسية والجسدية التي يتمتع بها الرجال”.

وعلى الرغم من انخفاض أعداد النساء المشاركات في العمليات الانتحارية، فإن الهجمات الانتحارية التي تنفذها النساء تكون أكثر فتكا من تلك التي ينفذها نظراؤهن من الرجال، ربما لأن “النساء يثرن شبهة أقل وهن أقدر على إخفاء المتفجرات، ولأنهن أيضا لا يتعرضن لإجراءات أمنية مشددة كالرجال.” أما فيما يتعلق بدوافعهن، استنتج الدكتور بيب من خلال أبحاثه أن الانتحاريات عادة ما يدفعهن الحزن على فقدان أفراد الأسرة ورغبتهن في الانتقام إلى القيام بالعمليات الانتحارية. وكان هذا على وجه الخصوص هو الدافع الرئيسي الذي استخدم كأداة من قبل مجموعات مسلحة مختلفة لتجنيد الإناث. ومن الدوافع الأخرى هي عدم قدرتهن على إنجاب الأطفال، أو تعرضهن للاعتداءات الجنسية. وبعبارة أخرى، فإن الصدمات العاطفية تعمل كحوافز للنساء لارتكاب الهجمات.6

المصوغات الدينية

هناك إجماع بين العلماء المسلمين على أن الانتحار محرم في الإسلام تحت أي ظرف من الظروف. ولعل هذا هو السبب الذي يجعل كثيرا من العلماء يفضل استخدام مصطلح “العمليات الاستشهادية” للتمييز بين العمل الحربي والأعمال التي تكون بدافع اليأس. وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من علماء المسلمين يعتقدون أن العمليات الاستشهادية ليست من الإسلام، يعتقد العديد من العلماء الآخرين مثل الشيخ يوسف القرضاوي بأنه يمكن اللجوء للعمليات الاستشهادية في ظل الظروف الاستثنائية كعدم امتلاك المسلمين للأسلحة الضرورية لمواجهة أشكال الاحتلال العسكري. وحتى في ظل تلك الظروف، فإن قواعد الاشتباك في الدين الإسلامي تكون صارمة ويجب اتباعها، كما يرى المؤيدون للعمليات الاستشهادية بأنها أكثر أخلاقية بكثير من تلك التي تمارسها العديد من القوات المسلحة لأن تلك العمليات تسعى إلى تجنب استهداف الأبرياء خاصة النساء والأطفال والرجال العزل.

في المقابل، يقول عالم الدين السعودي الراحل الشيخ محمد بن صالح العثيمين في موضوع التفجيرات الانتحارية ما يلي:

“الجهاد في سبيل الله المقصودُ به حماية الإسلام والمسلمين، وهذا المنتَحر يُدمِّر نفسه وُيفقَد بانتحاره عضو من أعضاء المسلمين، ثمَّ إنَّه يتضمن ضررًا على الآخرين؛ لأنَّ العدو لن يقتصر على قتل واحد، بل يقتل به أُمماً إذا أمكن؛ ولأنه يحصل من التضييق على المسلمين بسبب هذا الانتحار الجزئي الذي قد يقتل عشرة أو عشرين أو ثلاثين، يحصل ضررٌ عظيم، كما هو الواقع الآن بالنسبة للفلسطينيين مع اليهود. وقولُ من يقول عن هذا جائز ليس مبنيًّا على أصل، إنما هو مبني على رأي فاسد في الواقع؛ لأنَّ النتيجة السيئة أضعاف أضعاف ما يحصل بهذا.”7

Advertisement
Fanack Water Palestine