وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصادر تمويل تنظيم الدولة الإسلامية

تمويل تنظيم الدولة الإسلامية
مجوهرات نهبت من مواقع أثرية في دير الزور وتعرض للبيع من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. Photo AP

المقدمة

ذهل تنظيم “ الدولة الإسلامية ” العالم عندما استطاع احتلال ثاني أكبر المدن العراقية الموصل عام 2014 ومناطق واسعة من العراق بعذ ذلك، واحكام سيطرته على مساحات شاسعة في العراق،، بل والحفاظ على هذه السيطرة في سوريا لفتراتٍ طويلة. فقد استطاع التنظيم بعد ذلك خلق منطقة تعمل بشكلٍ شبه مستقل والتي كانت عنصر جذبٍ للآلاف من الجهاديين من حول العالم، وأصبحت مركز العالم والمكان الآمن نسبيا لإرهابيين العالم.

انشغل العالم لاحقاً بمحاولة رصد وتحديد الثروات الهائلة التي يسيطر عليها التنظيم، ويمول من خلالها سيطرته على الأرض والعمليات القتالية. حتى أن ديفيد كوهين، وكيل وزارة الخزانة لشؤون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية، كان قد صرح في عام 2014 “إنه التنظيم الإرهابي الأفضل تمويلاً في العالم.” وبهدف مكافحة وتقنين مصادر التمويل للتنظيم وتحت بند مكافحة الإرهاب، قدمت مشاريع متعددة في الأمم المتحدة، ومنهم تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 2199 لسنة 2015 المقدم من روسيا والذي ينص على تجفيف مصادر تمويل تنظيم الدولة الإسلامية، ومن ثم لحقه القرار رقم 2253 لسنة 2015 المقدم من الولايات المتحدة وروسيا وانبثق عن وزراء المالية في الدول الأعضاء، والذي يهدف بالأساس إلى تجفيف مصادر تمويل داعش و جبهة النصرة.

ميزانية الدولة

لطالما بحث التنظيم، حتى قبل انفصاله عن تنظيم القاعدة ، عن مصادر تمويل مختلفة غير التبرعات التي يتحصل عليها. فمن عام 2004 اعتمد التنظيم على نظام الأتاوات بالقوة وخاصة في مدينة الموصل بجانب التبرعات التي يحصل عليها. ونقلت جريدة الحياة اللندنية في عام 2012 عن زهير الجلبي، مستشار وزير المصالحة الوطنية، أن حجم المبالغ التي يحصل عليها التنظيم يقرب من حاجز الخمسة ملايين دولار شهرياً. ونقلت نفس الصحيفة عن سليم الحسيني، الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، أن التنظيم يعمل “وفق مؤسسات متكاملة تشمل معظم مجالات الحياة، وتفرض نفسها كسلطة دولة مقابل «ضعف أداء سلطة الدولة الرسمية». ولاحقاً، وقبل سقوط الموصل ذكرت تقارير صحفية على ان تمويل التنظيم وصل الى 8 ملايين دولار شهرياً من مدينة الموصل فقط.

وفي حالة نادرة قام خطيب الجمعة في الموصل، الشيخ أبو سعد الأنصاري، بتقديم أول ميزانية سنوية لتنظيم “الدولة الإسلامية” لعام 2015، حيث قدرها بـ2 مليار دولار. علماً أن موفق الربيعي، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي ومستشار الأمن الوطني السابق، قام بالتقليل من هذه الميزانية واعتبرها مبالغ فيها. بينما أكد ديفيد كوهين، نائب وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، أرقام هذه الميزانية.

اتفقت الكثير من الدراسات والتقارير على أن التنظيم يقوم بعمليات تمويل ذاتية تعتمد على استراتيجيات تمويل متنوعة ومتطورة. ففي تقرير “ مؤشر الإرهاب السنوي ،” و بحث “تمويل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا 2015” لمركز CAT لتحليل الإرهاب، تطابقت الرؤى حول كيفية ومصادر تمويل التنظيم؛ فمنها الاستفادة من المصادر الطبيعية، والنفط والغاز، وفرض الضرائب والزكاة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، بالإضافة إلى ذلك، العمليات الإجرامية ومنها الابتزاز، والخطف بهدف الفدية، والاتجار في البشر، والمتاجرة في الآثار المنتشرة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.

الذهب الأسود

سيطر التنظيم على عدد كبير من حقول النفط في سوريا و العراق. وكانت، وما تزال، تجارة النفط تعتبر من المصادر المهمة لتمويل التنظيم، والتي يعتمد عليها في إبقاء التنظيم معتمداً على التمويل الذاتي؛ إذ تباع براميل النفط الى التجار المحليين والذين بدورهم يقومون بتوزيعها وبيعها في العراق وسوريا أو نقلها إلى دول الجوار. كما ان سعر البرميل يختلف من مكان الى آخر بالاعتماد على عدة معايير، فقد يختلف سعر البرميل الواحد من 15 دولار أمريكي إلى 45 دولار.

فقد وصل إنتاج التنظيم في بعض الأشهر في عام 2015، حسب بعض التقارير ، إلى 40 ألف برميل يومياً. وأسس التنظيم امبراطورية للتهريب عن طريق الصادرات غير القانونية وذلك بالاعتماد بشكلٍ كبير على الشبكات نفسها التي كانت تهرب النفط وتنقله خلال الحصار الاقتصادي المفروض على العراق قبل 2003 والذي سهل بشكل كبير حركة التجارة النفطية غير القانونية للتنظيم. ورغم غارات التحالف و روسيا لمحاولة الحد من سيطرة التنظيم على حقول النفط، قدر مدخول التنظيم من النفط في عام 2015 بحوالي 600 مليون دولار.

الموارد الطبيعية

لم يكن النفط هو المصدر الوحيد للدخل والتمويل من الموارد الطبيعية، فقد اعتمد التنظيم على كل شيء يسيطر عليه. فبحسب تقرير CAT، سيطر التنظيم أيضاً على بعض حقول الغاز الطبيعي في سوريا والعراق، بشكلٍ أساسي، وقدر التقرير دخل التنظيم من الغاز الطبيعي في عام 2014 و 2015 بـ489 مليون دولار و450 مليون دولار على التوالي.

الفوسفات والاسمنت كانوا أيضاً من الموارد التي أمنت مدخول اضافي للتنظيم، فقد سيطر التنظيم على الشركات المنتجة والمناجم أيضاً. وقدرت القيمة المالية لإنتاج الفوسفات في عام 2015 بـ250 مليون دولار، وبالنسبة للاسمنت حوالي 100 مليون دولار. ويتوقع أن تقل المدخولات من الفوسفات والاسمنت للتنظيم بسبب عدم توفر تقنيات الإنتاج والنقل – مثل المتوفرة للنفط – وبسبب خسائر التنظيم لمساحات واسعة خلال الفترة الماضية.

فرض الضرائب

مع ازدياد الهجمات من التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في محاولة من التحالف لزيادة الحصار المالي وتقليص الموارد المالية على التنظيم وذلك من خلال ضرب آبار النفط ومخابئ الاحتياطي النقدي، تناقصت الموارد المالية بشكل كبير منذ أن بدأ التحالف في شن هجماته في 2014. ويعمل التنظيم على تعويض الخسائر المادية من خلال فرض المزيد من الضرائب بأشكال مختلفة في المناطق التي يسيطر عليها.

مما يميز تنظيم “الدولة الإسلامية” هو اعتماده لما يمكن تسميته ب”السياسات الضريبية،” ففي تقريرٍ صادرٍ عن مؤسسة توماس رويترز في 2014، أظهر أن الضرائب فرضت على مجموعة متنوعة من الأنشطة التجارية، بما في ذلك جميع السلع؛ وشركات الاتصالات؛ والسحوبات النقدية من البنوك؛ وضريبة 5% يتم جمعها للرعاية الاجتماعية وأغراض عامة أخرى على جميع الرواتب؛ ورسوم الطرق؛ وضرائب على الشاحنات التي تدخل العراق؛ وضرائب على نهب المواقع الأثرية؛ وضريبة حماية المجتمعات غير المسلمة وهي ما تعرف بالجزية. وقدر التقرير ان التنظيم يُحصّل الضرائب بما يقدر بـ360 مليون دولار بالسنة. علماً أنه في تقريرٍ لصحيفة النيويورك تايمز لعام 2015، قدر مسؤولون مدخول التنظيم من النظام الضريبي بين 800 إلى 900 مليون دولار.

عمليات إجرامية 

وإلى جانب اعتماد التنظيم على الموارد الطبيعية، يعمل التنظيم على تنويع مصادر الدخل، فتتنوع المصادر من فرض الضرائب والزكاة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد التنظيم على العمليات

الإجرامية ومنها الابتزاز والضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم الجمركية على حركة البضائع والتي تم تقدير القيمة الإجمالية لها بـ360 مليون سنوياً. وتتضمن مصادر الدخل الأخرى من العمليات الإجرامية الاتجار في البشر، والمتاجرة في الآثار المنتشرة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، والخطف بهدف الفدية والتي تعتبر مصدر مهم للتنظيم وللتنظيم الأم منذ عام 2004. وكانت عدة مصادر نقلت أرقاماً مختلفة عن مدخول التنظيم من عمليات الخطف، ولكن تبقى الأرقام كبيرة بالمجمل، حيث تراوحت القيمة حسب الامم المتحدة لعام 2014 على سبيل المثال بين 35 و45 مليون دولار.

وعلاوة على ما سبق، فقد استطاع التنظيم في بداية احتلاله لأجزاء واسعة من العراق في عام 2014 من الوصول إلى البنوك العراقية في محافظات نينوى، والانبار، وصلاح الدين، وكركوك واختلاس على أقل تقدير ما يقارب النصف مليار دولار أمريكي.

التبرعات الخارجية

لم يكن للتبرعات الخارجية التأثير الكبير على ثروة التنظيم، حيث حافظ التنظيم على استقلاليته المالية من خلال تنويع مصادر الدخل والاعتماد على الذات في جمع الأموال. وذلك لم يكن بالمفاجأة حيث أن التنظيم ومن قبل دخوله الموصل، ومنذ كان جزءاً من تنظيم القاعدة في عام 2005، كان قد طور آلياتٍ للاعتماد الذاتي بما يخص التمويل. ولذلك فإن التمويل الخارجي كان وما يزال قليلاً مقارنةً بالموارد الأخرى؛ حيث أكد جان شارل بريسارد، المستشار الدولي والخبير في المنظمات الإرهابية أن “تنظيم الدولة الإسلامية لا يتلقى سوى نسبة هامشية من التبرعات الخارجية والتي لا تمثل سوى 2% من إيراداته السنوية، وفي أحسن التقديرات 5%.”

كما ذكرت تقارير عدّة أن مصادر التمويل الخارجي بالأساس تأتي من أغنياء دول الخليج العربي بالدرجة الأولى والشخصيات الدينية والمؤسسات (المنظمات غير الحكومية في المقام الأول) في دول الخليج، ومن المقاتلين الأجانب الذين انضموا للتنظيم من خلال تمويل رحلاتهم وإحضار الأموال معهم لتمويل التنظيم. ووفقاً للتقديرات، فإن التنظيم حصل على 50 مليون دولار من التمويل الخارجي في عام 2015.

ولكن مع تراجع التنظيم وخسارته للكثير من المساحات الشاسعة في العراق وسوريا، واستهداف التحالف الدولي وروسيا مصادر تمويل التنظيم، يُعتقد أن التنظيم سوف يحاول رفع نسبة التمويل الخارجي، بالإضافة لرفع الضرائب، لسد العجز الناتج عن ذلك.

إكتفاء ذاتي لمنظمة تصنف ارهابياً

لم تكن السيطرة على الأراضي الشاسعة التي ضُمت لدولة “الخلافة” هي فقط تطبيقاً لشعار التنظيم “باقية وتمدد،” وإنما كان الهدف الاستراتيجي هو توفير الاكتفاء الذاتي المالي والموارد المتنوعة؛ حيث استطاع التنظيم خلق نظام اقتصادي نوعي بالاعتماد على مصادر دخل مختلفة، كما ذكرنا آنفاً، مما أدى إلى التقليل، وبشكلٍ كبير، من الاعتماد على التبرعات الخارجية والتي كان يعتمد عليها التنظيم الأم، تنظيم القاعدة. فقد شكل ذلك تحدياً نوعياً للمجتمع الدولي في خطته فيما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب، وخفف الضغط على التنظيم من ناحية توجهات المتبرعين وأهدافهم المختلفة.

ولكن، ومع خسارة التنظيم لمساحاتٍ كبيرة في العراق وسوريا، والحملة الأخيرة التي أعلنها رئيس الوزراء العراقي في أكتوبر 2016 لتحرير الموصل، سيؤدي ذلك الى تناقص الموارد المالية بشكلٍ كبير، وخاصة فيما يتعلق بالموارد الطبيعية من النفط والغاز الطبيعي وخلافه. ومع ذلك، ومع اعتماد التنظيم على الأعمال الاجرامية المختلفة من خلال الشبكات المعقدة التي يعمل من خلالها التنظيم، فلن يكون من السهل على المجتمع الدولي محاصرة التنظيم مادياً بشكل نهائي.

Advertisement
Fanack Water Palestine