مع تزايد العنف الإرهابي، لا يزال العالم منقسماً حول تعريفٍ قانونيٍ موّحد لما ينبغي اعتباره أعمالاً إرهابية. وفي حين أنّ هناك تعريفات متنوعة كما جاء في القوانين المحلية للدول المختلفة، وضعت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تعريفاً قانونياً دولياً فريداً من نوعه لهذا النوع من الجرائم.
الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة
على الرغم من عدة محاولاتٍ من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في العقود الأخيرة للتوصل إلى تعريفٍ نهائي موحدٍ ملزم لـ”الإرهاب،” إلا أنه لم يتم التوصل إلى إتفاقٍ بسبب إختلاف وجهات النظر، إلى حدٍ كبير، بين الدول الأعضاء. فعلى سبيل المثال، لم تلتقِ وجهات النظر بشأن ما إذا كان استخدام العنف من قبل الأنظمة لقمع حركات التمرد داخل أراضيها يمكن تعريفه بأنه “أعمالٌ إرهابية.”
ولم يسبق للأمم المتحدة ولا لمجلس الأمن قط توجيه اتهاماتٍ مباشرة ضد أيٍ من الدول الأعضاء لإرتكابها جرائم “إرهابية” ضد شعبها. فقد توصلت القوانين الدولية، وبخاصة اتفاقيات جنيف الأربع و نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلى تعريفاتٍ لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وجريمة “الاعتداء” (كما هو محدد من قِبل المحكمة الجنائية الدولية ).
ومع ذلك، فشلت هذه القوانين في معالجة تعريف الإرهاب كنوعٍ مختلفٍ من الجريمة التي لا تستهدف بالضرورة أعداداً كبيرة من الناس، على عكس الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية؛ وأنها لا ينبغي أن تندرج بالضرورة في إطار فئة الصراع المسلح، على عكس جرائم الحرب.
فقد مر ما يقرب من 80 عاماً منذ أول محاولةٍ للتوصل إلى تعريفٍ دولي لجرائم الإرهاب، عندما صاغت عصبة الأمم – المنظمة الدولية التي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وحتى قبل إنشاء الأمم المتحدة- اتفاقية عام 1937 لمنع الإرهاب والمعاقبة عليه. ومع ذلك، لم يتم المصادقة عليها أبداً ولم تدخل حيز التنفيذ قط، ويرجع ذلك جزئياً بسبب الخلافات بين الدول الأعضاء على المواد المتعلقة بتسليم المجرمين.
عرّفت الاتفاقية “الأعمال الإرهابية،” باعتبارها “الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولةٍ ما وتستهدف، أو يقصد بها، خلق حالة من الرعب في أذهان أشخاص معينين، أو مجموعة من الأشخاص، أو عامة الجمهور،” ويشتمل هذا على أي فعل متعمد يؤدي إلى أن يتوفى أو يصاب بأذى جسدي خطير أو يفقد حريته أي مــن رؤساء الدول أو الاشخاص الذين يتمتعون بامتيازات رؤساء الدول، أو ورثتهم، أو زوجاتهم أو أزواجهم، أو صنع أسلحة أو ذخائر أو متفجرات أو مواد ضارة، أو الحصول عليها أو حيازتها أو تزويدها، لغرض ارتكاب جريمة ضمن هذا النص وفي أي قطر.”
القرار رقم 210/51
في 17 ديسمبر 1996، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار رقم 210/51 لتشكيل لجنة خاصة لصياغة اتفاقية شاملة بشأن الإرهاب الدولي ، وفقاً لاقتراحٍ قدمته الهند. تم تجديد ولاية اللجنة ومراجعتها كل عام ولمدة 21 عاماً من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، طبقاً لأجندات محددة. وفي 14 ديسمبر 2015، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار رقم 70/120 ، والذي أوصى بإنشاء مجموعة عمل لصياغة اتفاقية شاملة بشأن الإرهاب الدولي.
ومع ذلك، وصلت النقاشات لطريقٍ مسدود، وذلك بسبب الخلافات المستمرة حول تعريف “الإرهاب” بين الدول الأعضاء التي انضمت إلى اللجنة وفريق العمل. فعلى سبيل المثال، لم تكن هذه المناقشات قادرةً حتى الآن على اتخاذ قرارٍ حول معايير مشتركة للتمييز بين “المنظمة الإرهابية” و”منظمة التحرير.” كما لم تكن المناقشات أيضاً قادرةً على التوافق على وجهة نظرٍ واحدة حول ما إذا كان ينبغي وصف الأفعال التي ترتكبها القوات العسكرية النظامية للدول ضد مواطنيها، بـ”الأعمال الإرهابية.” عوضاً على ذلك، وافقت المناقشات على الحدّ من التعريف المقترح للإرهاب بالأفعال المرتكبة من قِبل أفرادٍ يستهدفون الدولة، أو مؤسساتها، أو عامة الجمهور.
وعلى الرغم من هذه الإنقسامات بشأن تعريف الإرهاب، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1996 بأغلبية الأصوات على بيان إقرارٍ غير ملزمٍ للدول الأعضاء، بشأن “التدابير التي ينبغي اتخاذها للحدّ من أعمال الإرهاب الدولية،” معرفاً الأعمال الإرهابية باعتبارها تلك الأفعال التي “تهدف إلى نشر الذعر بين الناس ومجموعة معينة، وأفراد معينين لأغراض سياسية.”
وفي عام 2004، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار رقم (1566)، الذي أدان الأعمال الإرهابية وأشار إليها بوصفها أعمال إجرامية “بما في ذلك تلك التي ترتكب ضد المدنيين بقصد إلحاق الموت بهم أو إصابتهم بإصابات جسمانية خطيرة، أو أخذ الرهائن بغرض إشاعة حالة من الرعب بين عامة الجمهور أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين، أو لتخويف جماعة من السكان، أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو عدم القيام به، التي تشكل جرائم في نطاق الاتفاقيات والبرتوكولات الدولية ذات الصلة بالإرهاب.” ومع ذلك، لا يزال هذا الإعلان غير ملزمٍ للدول الأعضاء بسبب عدم وجود قرار واضح من شأنه أن يشمل آلية التنفيذ وذلك بهدف اختزال الأنواع الدولية والمحلية لأعمال الإرهاب.
المحكمة الدولية الخاصة بلبنان
وفقاً للموقع الرسمي لـ”المحكمة الدولية الخاصة بلبنان،” المحكمة التي أنشئت بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005، تعتبر المحكمة الأولى من نوعها التي تتعامل مع الإرهاب كنوعٍ مختلفٍ من الجرائم، والذي يصفه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأنه “تهديدٌ للسلم والأمن الدوليين.” تطبق المحكمة تعريف القانون اللبناني على الإرهاب ، باعتباره جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر، وترتكب بوسائل “كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو الحارقة والعوامل الوبائية أو الجرثومية، التي من شأنها أن تحدث خطراً عاماً.”
ووفقاً لقرار غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في 16 فبراير 2011، قُدمت قائمة الوسائل المستخدمة في حالة الأعمال الإرهابية بالتفصيل لأغراض التوضيح. قضت الغرفة أنّ “الوسائل المستخدمة في هجوم لم تكن إثباتية في تحديد ما إذا كان الهجوم إرهابياً أو ببساطة جريمة قتل”- ولكن عملاً بذلك، وبموجب هذا القرار، عرّفت غرفة الاستئناف للمرة الأولى الإرهاب باعتباره جريمةً دولية.
وبالإنتقال إلى القرار المذكور آنفاً، قالت الغرفة أنّ المحكمة الخاصة بلبنان، وعلى عكس المحاكم الدولية الأخرى، تقتصر [في تعريف الإرهاب] على القواعد الموضوعية المنصوص عليها في القانون اللبناني لتعريف الجرائم. و أضافت الغرفة أن المحكمة ستطبق القانون اللبناني كما تفسره وتطبقه المحاكم اللبنانية، “ما لم يتبين أنّ هذا التفسير أو التطبيق غير معقول، أو أنه يمكن أن يؤدي إلى ظلم مبين، أو أنه لا يتوافق مع المبادىء والقواعد الدولية الملزِمة للبنان.”
ووفقاً لذلك، جاء أول تعريف قانوني لعناصر الجريمة الصادر عن محكمة دولية فيما يتعلق بالجرائم الإرهابية كما يلي:
“[الجريمة الإرهابية هي (أ) فعلٌ يُرتكب بقصد نشر الذعر، سواء يعتبر هذا الفعل جريمةً وفقاً لأحكام قانون العقوبات أم لا؛
[وهي كل فعل ينطوي على (ب) استخدام الأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو الحارقة والعوامل الوبائية أو الجرثومية.”
في الختام، وسّع قرار غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تعريف جرائم الإرهاب، والوسائل التي يتم سردها على وجه الحصر في القانون اللبناني على الإرهاب الصادر في 11 يناير عام 1958. ومع ذلك، فإن القائمة لا تشمل الهجمات التي ترتكب باستخدام الرشاشات والأسلحة الكيميائية أو البيولوجية.
التعريف الأمريكي لـ”الإرهاب”
ميّزت قوانين الولايات المتحدة الأمريكية بين جرائم “الإرهاب الدولي،” و”جرائم الإرهاب المحلي،” في الفصل (113 ب) من قانون الولايات المتحدة على النحو التالي:
“(1) يعني مصطلح “الإرهاب الدولي” الأنشطة التي-
(أ) تنطوي على أعمال عنفٍ أو أعمالٍ تشكل خطراً على حياة الإنسان والتي تشكل انتهاكاً للقوانين الجنائية للولايات المتحدة أو لأي دولة
(ب) يبدو أنها تهدف لترهيب أو إكراه السكان المدنيين، والتأثير على سياسة حكومة عن طريق الترهيب أو الإكراه؛ أو التأثير على سلوك الحكومة من خلال الدمار الشامل أو الاغتيال أو الاختطاف؛ والتي تحدث في المقام الأول خارج الصلاحية القضائية الإقليمية للولايات المتحدة؛ أو تتجاوز الحدود الوطنية من حيث الوسائل التي يتم استخدامها لإنجازها، والأشخاص الذين يبدو أنهم يهدفون للإكراه أو الترهيب، أو المكان الذي يستخدمه مرتكبي هذه الجرائم أو يطلبون اللجوء إليه.
(2) يعني مصطلح “الإرهاب المحلي” الأنشطة التي
(أ) تنطوي على أعمالٍ تشكل خطراً على حياة والتي تشكل انتهاكاً للقوانين الجنائية للولايات المتحدة أو لأي دولة؛
(ب) يبدو أنها تهدف لترهيب أو إكراه السكان المدنيين؛ والتأثير على سياسة حكومة عن طريق الترهيب أو الإكراه؛ أو التأثير على سلوك الحكومة من خلال الدمار الشامل أو الاغتيال أو الاختطاف؛ والتي تحدث في المقام الأول ضمن نطاق الاختصاص القضائي للولايات المتحدة.”
الإتحاد الأوروبي
من جانبه، عرّف الإتحاد الأوربي الجرائم الإرهابية في المادة الأولى من “ قرار المجلس الإطاري بشأن مكافحة الإرهاب ،” في 13 يونيو 2002 بأنها الأفعال التي “قد تلحق ضرراً جسيماً ببلدٍ ما أو بمنظمةٍ دولية، حيث ترتكب هذه الأفعال بهدف: تخويف المدنيين، أو إرغام دولة أو منظمة دولية إما على القيام بعمل ما، أو الامتناع عنه، إضافة إلى أعمال تعرض حياة الناس للخطر، وكذلك أعمال تؤدي إلى زعزعة أو تدمير البنية الاساسية السياسية، أو الدستورية، أو الاقتصادية، او الاجتماعية لدولة من الدول أو لمنظمة من المنظمات الدولية.”
وفي العالم العربي، تعزز الدول، كلٌ على حدته، قوانين مكافحة الإرهاب مع تزايد العنف المتطرف. فقد أدت التدابير الفضفاضة أكثر من أي وقتٍ مضى، إلى توسيع سلطات الحكومة وحدت على نحوٍ متزايد من الحريات المدنية.
قوائم “الإرهاب”
على الرغم من الافتقار إلى وجود تعريفِ محدد للإرهاب الدولي، أعدّت الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من الدول، قائمةً بالمنظمات “الإرهابية ،” وفرضت عقوباتٍ إقتصادية وسياسية، فضلاً عن منعها المواطنين والمؤسسات في البلدان المعنية، وكذلك دول العالم الثالث، من التعامل الاقتصادي مع هذه المنظمات، عملاً بالاتفاقات الثنائية الأمنية والاقتصادية بين البلدين. كما اعتمد الإتحاد الأوروبي، إلى جانب بلدانٍ أخرى، قائمةً إضافية مستقلة عن قائمة الولايات المتحدة.
ومنذ عام 1997، ينشر مكتب مكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف العنيف ، التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، أسماء عشرات المنظمات التي توصف بـ”المنظمات الإرهابية،”.
صُنف تنظيمي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والقاعدة، بالإضافة إلى العديد من المنظمات الإقليمية المرتبطة بهما، كمنظمات إرهابية. وُضِعت جبهة النصرة، إحدى الفصائل المسلحة المقاتلة في سوريا، على القائمة في 15 مايو 2014. وتشمل القائمة أيضاً منظمات مثل حماس، وحزب الله، و حزب العمال الكردستاني ، المدرج في 8 أكتوبر 1997. ووضع فيلق الحرس الثوري الإسلامي ، وهو جزء من القوات المسلحة الإيرانية ، على القائمة في 15 أبريل 2019.
باختصار، يبدو أن العالم يتفق على أنّ الإرهاب جريمةٌ تتجاوز الأفراد وتهدف أساساً إلى نشر الذعر بين الناس وزعزعة استقرار الدول أو الأنظمة. كما أنّ هناك اتفاقاً عاماً بين البلدان بشأن حقيقة أنّ المنظمات الإرهابية تستخدم وسائل محددة تشكل خطراً على حياة الناس، بما في ذلك الخطف واستخدام أسلحةٍ غير مرخصة أو محظورة لارتكاب الجرائم أو لإحداث دمارٍ شامل. وفي الوقت نفسه، ينقسم العالم، وحكومات الدول على وجه الخصوص، حول الأطراف الذين ينبغي تحميلهم مسؤولية ارتكاب مثل هذه الجرائم، وعما إذا كان ينبغي تحميل رؤوساء الدول والحكام- وليس الأفراد فحسب- مسؤولية ارتكاب جرائم إرهابية في بلدانهم أو في الخارج.