وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

كلمة عباس أمام الأمم المتحدة: ما لها وما عليها

كلمة عباس أمام الأمم المتحدة
صورة تم التقاطها يوم ٢٣ سبتمبر ٢٠٢٢ للرئيس الفلسطيني محمود عباس أثناء إلقائه لكلمة على هامش فعاليات الجلسة السابعة والسبعين للجمعية العمومية بالأمم المتحدة، وذلك في مقر المنظمة الدولية الموجود بمدينة نيويورك. المصدر: Bryan R. Smith / AFP.

ماجد كيالي

صعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس السلم إلى آخره بتهديده إسرائيل في الكلمة التي ألقاها يوم 23 سبتمبر 2022 أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة. الرئيس الفلسطيني جاء بخيارات بديلة، تتركّز في الآتي:

أولا، عاد عبّاس إلى قراري المجتمع الدولي 181 و194. ويقضي القرار الأول بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية. وكما هو معروف، فإنّ الدولة الأولى موجودة، أما الثانية فلا بسبب إسرائيل وسياساتها. أما القرار الثاني، فيقضي بعودة حوالي مليون لاجئ فلسطيني إلى بيته وأرضه ووطنه.

وكان القراران شرط اعتراف المجتمع الدولي بإسرائيل بموجب القرار 273 الصادر عام 1949. ومعلومٌ أنّ إسرائيل لم تلتزم أو تنفذ أياً من القرارين اللذين كانا شرط الاعتراف بها عضواً في المنظمة الدولية. واستمر موقف إسرائيل الرافض نتيجة ما تحظى به هذه الدولة من دعم وتغطية أمريكية وغربية.

ثانيا، أعلن عباس عن عزمه نقل المسألة الفلسطينية للجمعية العمومية للأمم المتحدة. ويسعى الرئيس الفلسطيني بذلك لدفع الجمعية العمومية نحو الاعتراف بفلسطين عبر ترقية عضويتها من عضو مراقب إلى دولة كاملة العضوية، مع تأكيد انضمام دولة فلسطين إلى مجمل الهيئات الدولية.

ثالثا، ألقى عبّاس اللوم والمسؤولية صراحة على الولايات المتحدة. ولام الرئيس الفلسطيني أمريكا على سياساتها التي تغطي إسرائيل وتدعمها، سيّما وأن تلك الدولة تحتل أراضي الفلسطينيين وتمارس التمييز العنصري ضدهم. وفي هذا السياق، طالب عبّاس الولايات المتحدة وبريطانيا بالاعتذار عن المظالم التي وقعت على الفلسطينيين منذ إنشاء إسرائيل. وفي الوقت الذي دعا فيه إلى تعويض الفلسطينيين، فإنه طالب بإتاحة المجال أمام الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة في الأراضي المحتلة.

محمود عباس استعرض في خطابه الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين، كشعب وكأفراد. كما استعرض محاولات إسرائيل الأحادية لتغيير الواقع بالاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي وقمع الشعب الفلسطيني، والتسبب بمعاناته وآلامه منذ 47 عاما. وأكد على الرواية الفلسطينية المؤسِّسة للهوية الوطنية الفلسطينية. وتستند هذه الرواية في أساسها على النكبة كحدثٍ مؤسس. ونجم عن النكبة إقامة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، وولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى انزياح الأدبيات والخطابات الرسمية الفلسطينية منذ زمن عن هذه الرواية.

رابعا، أكد عبّاس في خطابه أن القيادة الفلسطينية نحت نحو المفاوضات والسلام، وأن إسرائيل عملت كلّ شيء لدفن اتفاق أوسلو، والحؤول دون إقامة دولة فلسطينية. وشدّد الرئيس الفلسطيني على أن إسرائيل ليست شريكا للسلام، مطالباً بتضافر جهود المجتمع الدولي لتطبيق القرارات التي اتخذها في الشأن الفلسطيني. كما طالب بوصم إسرائيل كدولة احتلال وأبارتهايد.

باختصار، كانت كلمة الرئيس الفلسطيني جامعة، وشاملة، سيّما وأنها عرضت مجمل آلام الفلسطينيين في مناطق 48 والضفة وغزة والقدس واللاجئين. وأكدت الكلمة على مكانة منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. ويمكن القول إن خطاب الرئيس الفلسطيني هو ما كان يفترض عليه قوله في ظروفه، أي وفقا لاعتقاده بجدوى عملية التسوية، ومن على منبر الأمم المتحدة.

مع ذلك، ثمة عديد من المسائل يمكن إثارتها في هذا المجال.

أولا، إن الرهان مجددا على المفاوضات لن يجدي نفعا، لأنّ إسرائيل لا تبالي البتّة، وهي في مركز قوة، ولا أحد يضغط عليها. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى انزياح إسرائيل نحو اليمين واليمين المتطرف فيها. وفي هذا السياق، نلاحظ مرور عشرة رؤساء حكومات على إسرائيل منذ عقد اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين دون أن يقوم أيٌّ منهم بتنفيذ الاستحقاقات المطلوبة في عملية التسوية ولو بالحدود الدنيا.

ثانيا، للأسف لا يوجد لدى محمود عبّاس أوراق قوة كي يستخدمها للضغط على إسرائيل. فعلى الصعيدين العربي والدولي، ثمّة تراجع في مكانة القضية الفلسطينية لصالح الاهتمام بقضايا أخرى. أما على الصعيد الفلسطيني، فإنّ عبّاس لم يراكم أوراق قوّة في يديه. ففي عهده، تم تهميش منظمة التحرير لصالح سلطة تحت الاحتلال.

كما تم إضعاف مكانة اللاجئين في العملية الوطنية الفلسطينية. يضاف إلى ذلك مشكلات الانقسام والاختلاف وتآكل الشرعية، ناهيك عن الفجوة الحاصلة بين مجتمعات الفلسطينيين وقيادتهم السياسية. ويأتي ضمن ذلك ضعف المجتمع المدني الفلسطيني في الداخل، في الضفة وغزة.

ثالثا، ليست تلك هي المرة الأولى التي يذهب فيها الرئيس محمود عباس للتهديد بإمكان الذهاب إلى خيارات أخرى، فهو يقوم بذلك منذ ما يزيد عن عشرة سنوات. وشملت تلك التهديدات سحب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، وخفض الالتزام ببروتوكول باريس الاقتصادي (الملحق باتفاق أوسلو).

ومع ذلك، فقد سارع الرئيس الفلسطيني على الدوام بالتراجع عن تهديداته. ويعود السبب في التراجعات السابقة إلى المصاعب والأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجهها السلطة، فضلاً عن الفجوة التي باتت تتوسّع بين السلطة وشعبها نتيجة استمرار العلاقات مع الاحتلال واستمرار الارتهان لقيود اتفاق أوسلو.

كما قد يعود تراجع عبّاس المعتاد إلى عدم رغبة الطبقة السياسية السائدة بالذهاب نحو خيارات راديكالية تهدّد مكانتها في السلطة. ووصل الأمر إلى تجاهل قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير في هذا الشأن منذ العام 2015.

رابعا، إن الحديث عن اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين، على أهميته المعنوية، يشيع وهماً جديداً. وحتى لو تمّ الاعتراف بدولة فلسطين في الجمعية العامة، فإن هذا الاعتراف سيبقى دون ترجمة عملية، لأن إقامة هكذا دولة، حتى لو في حدود الأرض المحتلة عام 67، والاعتراف بها يحتاجان إلى معطيات دولية وإقليمية وعربية مواتية. كما أنه يتطلب وضعاً فلسطينياً مواتياً، فضلاً عن وجود حالة من الضغط على إسرائيل. وكلّ ذلك غير متوفر، والشعب الفلسطيني ليس بحاجة إلى وهم آخر.

يستنتج من ذلك أن مصير التهديد الحالي لن يكون أفضل ممّا سبقه من تهديدات. وبصرف النظر عن رغبة القيادة الفلسطينية أو جدّيتها في تهديدها الأخير من عدمها، فإن هذا التهديد سيصل بدوره إلى طريق مسدود، ولن يجري الحسم بشأنه. ودون التقليل من أهمية رغبة وجدّية القيادة الفلسطينية في توجهها، فإن الأمر منوط بالقدرة على اتخاذ القرارات وبتوفّر الإمكانيات اللازمة لوضعها في حيّز التطبيق.

وبصراحة، فقد فات الوقت الذي يمكن فيه لهذه القيادة أن تغيّر خياراتها، أو السياسات التي تنتهجها. والسبب في ذلك بسيط، إذ يرتهن وجود هذه القيادة – أي شرعيتها ومكانتها السلطوية وامتيازاتها – بالعملية التفاوضية الجارية مع إسرائيل. وبكلماتٍ أخرى، تستند القيادة الفلسطينية الراهنة في وجودها إلى منظومة العلاقات الناشئة عن اتفاق أوسلو. وهذا التقدير يتأسس على المعطيات والظروف والارتهانات التي باتت تشتغل في إطارها تلك السلطة والطبقة السياسية التي تتشكل منها.

وباختصار، فإنّ انتهاج خيارات سياسية وطنية بديلة ومغايرة، في مواجهة إسرائيل الاستعمارية والعنصرية، يتطلب إحداث تغييرات في بنية الطبقة السياسية المتحكمة بالكيانات الفلسطينية السائدة. وكلامي هنا يشمل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والفصائل. الوضع يتطلب تجديد القيادة الفلسطينية على أسس نضالية وتمثيلية وديمقراطية.
وكلّ ذلك يستند للعودة إلى الرواية المؤسسة للهوية والوطنيّة الفلسطينية التي تطابق بين الشعب والأرض والقضية. ودون هذه المقاربة، لا قيمة لأية تهديدات أو سياسات.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.

user placeholder
written by
Kawthar Metwalli
المزيد Kawthar Metwalli articles