بالكاد شكل فوز جبهة التحرير الوطني الجزائرية بأكبر حصةٍ من المقاعد في الانتخابات التشريعية في مايو الجاري، مفاجأةً، وعلى أي حال، تعود هيمنة جبهة التحرير الوطني على الانتخابات إلى استقلال الجزائر عام 1962. فقد فازت جبهة التحرير الوطني بـ164 مقعد من أصل 462 مقعد من مقاعد البرلمان، مع فوز حليف الجبهة، التجمع الوطني الديمقراطي، بـ97 مقعد آخر، ليتمتع الطرفان بسيطرة الأغلبية.
غير أن هذا الانتصار قد طغى عليه حقيقة أنّ 38,5% من الناخبين الجزائريين شاركوا في الانتخابات. ويعكس انخفاض نسبة الإقبال على المشاركة، التي انخفضت من 43% عام 2012، تشاؤماً واسع النطاق بأن الأحزاب المهيمنة في الجزائر لا تقدم أي آمالٍ حقيقية في التقدم والإصلاح.
كما واجهت الانتخابات انتقاداتٍ سريعة من تحالفاتٍ سياسية أخرى بسبب مزاعم التزوير. فقد أكد عبد الرزاق مقري، زعيم حركة مجتمع السلم الإسلامية، أنه بدون تزوير، كان حزبه سيحصل على 120 مقعدا بدلاً من 33 مقعداً. كما وجهت أحزاب سياسية أصغر، بما فيها جبهة القوى الاشتراكية، اتهامات بالتزوير.
غير أن شكاوى التزوير لم تستطع أن تخفي حقيقة أن دعم الإسلاميين قد انخفض في الانتخابات منذ الحرب الأهلية التي هزت الجزائر في التسعينيات. فقد شكل حزب مقري ائتلافاً مع جبهة التغيير، ولكن جهود الإسلاميين للاستفادة من عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من انخفاض عائدات النفط للحصول على المزيد من الأصوات قد قوبل بالهزيمة.
كما أن خيبة الأمل بين الناخبين الجزائريين شديدة، سيما بين أولئك الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً والذين يشكلون الشريحة الأكبر من سكان الجزائر. فلا يؤمن الشباب الجزائري كثيراً بالسياسة، فضلاً عن شعورهم بالانعزال عن خطاب القادة الكبار في السن الذين يستمدون شرعيتهم من روابطهم بالحرب الاستعمارية في الفترة 1954-1962.
فقد جاءت انتخابات مايو في وقتٍ يتعاظم فيه الغضب في الجزائر، فاقتصادها يعتمد اعتماداً كبيراً على الدخل من مبيعات النفط التي لا يزال معظمها تحت سيطرة الحكومة. كما أدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط إلى تخفيضاتٍ كبيرة في الإنفاق العام. وعلاوة على ذلك، يُصارع قادة البلاد حول كيفية تحقيق التوازن بين التهديد الاقتصادي مقابل الدعم المقدم للغذاء والوقود والسكن، الذى ما زال جزءاً من دولة الرفاهية الممولة إلى حدٍ كبير من النفط.
والأكثر من هذا، أن واحد من كل ثلاثة شباب جزائريين عاطلين عن العمل. وعلى عكس المغرب وتونس المجاورتين، لم تستفد الجزائر بعد من صناعة السياحة. فالجزائر تتباهى بالمنتجعات الساحلية الجميلة وصحراء أدرار، التي تعتبر جزءاً من الصحراء الكبرى، لكن الحكومة والقطاع الخاص لم يستفيدان بعد من المستثمرين السياحيين لتعزيز الاقتصاد.
وربما من الأمور التي تعكس هذا الاستياء، خسارة جبهة التحرير الوطني هذا العام مقاعدها الـ220 التي اكتسبتها في انتخابات عام 2012. وعزا العالم السياسي رشيد غريم ذلك إلى “الفضائح التي هزت هذا الحزب.” فقد كان الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة غائباً في الغالب عن الجمهور منذ السكتة التي تعرض لها عام 2013، فضلاً عن تورط أفراد أسرته بقضايا الفساد.
فالأحزاب السياسية، بما في ذلك جبهة التحرير الوطني، تدافع عن نفوذها مع بوتفليقة البالغ من العمر 80 عاماً. ولم يظهر أي خليفة واضح للرئيس الذي يعتبره الجزائريون المقام الحقيقي للسلطة.
وعلى الرغم من تراجع الإسلاميين في صناديق الاقتراع، إلا أنهم يواصلون استخدام العلل الاجتماعية في محاولتهم للاستيلاء على السلطة في المستقبل. لكن من المحتمل أن يعوق الائتلاف الحاكم هذه الإمكانية التي يمكن أن تعزل الإسلاميين في الانتخابات الرئاسية لعام 2019.
تنتهي ولاية بوتفليقة الرابعة في عام 2019. ويبدو أن مستقبل الجزائر السياسي سيظل في حالة تغير حتى – أو ربما بعد ذلك. وفي محاولاته التأكيد على هذه النقطة، ذكر الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، في شهر أكتوبر الماضي خبراً مفاجئاً، مفاده أن بو تفليقة قد يترشح لولايةٍ أخرى “إذا ما أراد ذلك.”