اهتزت منطقة الريف في شمال المغرب بسبب الاضطرابات الاجتماعية منذ مقتل محسن فكري في 26 أكتوبر 2016، بائع السمك الذي سحق في شاحنة القمامة في مدينة الحسيمة أثناء محاولته استعادة أسماك أبو سيف التي ضبطت بحوزته بصورة غير قانونية من قِبل شرطة.
فقد تطورت الدعوات بتحقيق العدالة للبائع إلى “حركة ساخطة” على مستوى القاعدة االشعبية. وتدعو الحركة التي يرأسها ناصر زفزافي (39 عاماً)، وهو ناشطٌ من منطقة الريف لم يكن معروفاً كثيراً آنذاك، إلى تطوير التعليم، وتوفير الوظائف، والتنمية الاقتصادية.
وكان من المقرر أن تجري مظاهرةٌ كبيرة في 5 فبراير 2017 في الساحة الرئيسية في الحسيمة، إلا أن السلطات المحلية منعتها من المضي قدماً. وقامت شرطة مكافحة الشغب بتفريق مظاهرة مماثلة في 4 يناير 2017.
وأدى بيانٌ صادرٌ عن عدة أحزاب سياسية اتهم فيها الريفيون “بتشجيع الأفكار المدمرة التي تزرع الفتنة” وبكونهم “انفصاليين” إلى إشعال السخط في المنطقة.
وبناءً على تعليمات من الملك محمد السادس، وصل وفدٌ وزاري إلى الحسيمة في 22 مايو 2017، ووعدوا بتخصيص 10 مليارات درهم من موارد الدولة لتمويل مشاريع التنمية في المنطقة. ومع ذلك، أظهر المتظاهرون القليل من الأمل بتنفيذ هذه الوعود. ردت السلطات بشن حملةٍ لفرض النظام على المتظاهرين، حيث تم اعتقال حوالى 20 شخصاً في الحسيمة في غضون يومين.
وبعد أيام، في 26 مايو 2017، طلبت وزارة الشؤون الإسلامية من الأئمة المحليين، وجميعهم موظفون في الوزارة، أن يذكروا في خطبة الجمعة أن المتظاهرين يروجون للفتنة في البلد. وقف زفزافي، الذي كان متواجداً في أحد المساجد، واتهم الإمام والمخزن (الطبقة الحاكمة المسيطرة في المغرب) بالتحريض على الفتن، إذ قال “هل المساجد لله أم للمخزن؟” ودعا إلى تنظيم المزيد من المظاهرات.
وقد أثار اعتقاله في 29 مايو 2017، بتهمة “عرقلة حرية العبادة،” مخاوف من احتمال تصعيد الاضطرابات.
وبالنسبة إلى الباحث حسن الزواوي، فإن الاحتجاجات في الريف توفر فرصة جيدة لدراسة تطور العلاقة بين الدولة والمجتمع في المغرب، وخاصة في منطقة امتاز تاريخها بنزاعٍ، لا يمكن فهم أهدافه وأبعاده.
وعلاوة على ذلك، عندما يظهر حراكٌ ما في الريف، فإنه عادةً ما يعزز الخصوصية الثقافية للمنطقة لكسب التأييد، وذلك باستخدام شعاراتٍ لها صدى محلي.
وبالتالي، في الحسيمة، يسهل سماع التذرع المستمر للمتظاهرين بالتهميش والاستبعاد التاريخي من قِبل السكان داخل وخارج المنطقة بسبب المعاني التي تحملها هذه الاحتجاجات. إن مطالب الحسيمة تصاغ بمصطلحاتٍ مثل التهميش والفخر… وضمن قالبٍ مفاهيمي ساهم في انتشار المظاهرات، وذلك وفقاً لهسبريس، أحد المواقع الإخبارية الرائدة في المغرب.
ووجه نداء مفتوح وجهه الصحفيون والمثقفون والفنانون إلى الملك في المقام الأول، إلى تهدئة الوضع في منطقة الريف. ودعا النداء، الذى تم تعميمه على الفيسبوك، الملك الى التدخل “بشكلٍ مباشر أو غير مباشر لطمأنة الرأى العام واستخدام لغة الحوار المثمر والتفاعل الايجابي وضمان الحفاظ على الوعود التى قطعت.”
ووفقاً للمفكر أحمد العصيد فإن استخدام خطبة الجمعة لإقحام الدين في الصراعات السياسية والاجتماعية لن يؤدي إلا إلى اضطراباتٍ أسوأ. فالدين يحتل مجال الاعتقاد الشخصي؛ ولا يعتبر آليةً لحل النزاعات بين السلطات والشعب.
وبالنسبة لعصيد، فإن المساجد هي أماكن للعبادة والوعظ والإرشاد، وإذا ما تحولت إلى منصاتٍ للهجوم على المعارضين السياسيين، ستصبح بمثابة مقراتٍ سياسية، أو قاعاتٍ عامة أو وسائل إعلامية. كما أن للمضررين الحق في الرد والدفاع عن أنفسهم. ومع ذلك، فإن هذا الحق غير متاح لهم، مما أدى إلى مواجهاتٍ ومزيدٍ من الظلم، كما حدث في الحسيمة. وقال ان استخدام اماكن العبادة فى النزاعات الايديولوجية والفكرية والسياسية هو مظهر من مظاهر الارتباك والضعف وعدم الاستقرار.
فقد أدت الأحداث في الحسيمة إلى إضعاف الثقة بين الدولة وشعبها وعرّضت شرعية المؤسسات المغربية للخطر.