أعلنت نتائج الإنتخابات البرلمانية اللبنانية، وهي الأولى منذ تسع سنوات، في الثامن من مايو 2018، بعد يومين من إغلاق صناديق الإقتراع. وكما هو متوقع، كانت عملية التصويت والفرز بعيدة كل البعد عن السلاسة، في حين كانت النتائج ذات نفسها أقل توقعاً، والتي أظهرت انقلاباً واضاحاً في ميزان القوى.
فقد فاز حزب الله الشيعي، المؤيد لإيران والمناهض لإسرائيل، وحلفاؤه بأكثر من ثلث المقاعد البالغ عددها 128 مقعداً، مما يمنحهم حق النقض. بينما خسر حزب رئيس الوزراء سعد الحريري، حركة المستقبل، وهي جزءٌ من تحالف 14 آذار المناهض لسوريا والمناهض لإيران، ثلث مقاعده. ومع ذلك، من المرجح أن يبقى في منصبه كرئيسٍ للوزراء في ظل نظام توزيع السلطة الطائفي في لبنان.
وفي بيانٍ متلفز، اعترف الحريري، وهو سياسي سُنّي ذو علاقاتٍ وثيقة بالمملكة العربية السعودية، بأن كتلته خسرت المقاعد، وألقى باللوم على القانون الجديد الذي حوّل الانتخابات، جزئياً، إلى نظام التمثيل النسبي بدلاً من نظام “الفائز يحصل على كل شيء” السابق، والأداء الذي “لم يرتق إلى المستوى المطلوب.” وأضاف: “أمد يدي إلى كل لبناني ولبنانية شاركوا في الانتخابات للمحافظة على الاستقرار وإيجاد فرص عمل.”
في حين فاز التيار الوطني الحر، الذي ينتمي له الرئيس اللبناني ميشال عون، بـ28 مقعداً، مما يجعلها أكبر كتلة في البرلمان. وقال جبران باسيل، وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر للصحفيين إن الكتلة ستحافظ على “تحالفها الاستراتيجي” مع حزب الله.
كما فازت بولا يعقوبيان، وهي صحفية سابقة ترشحت ضمن قائمة ذات فرص ضئيلة بالنجاح حملت اسم كلنا وطني، بمقعدٍ في العاصمة بيروت. فقد تم انتخاب ما مجموعه ست نساء، الأمر الذي يعدّ سابقةً في لبنان. ومن الملحوظ أيضاً فوز العديد من أبناء الزعماء السياسيين السابقين أو الحاليين، بمن فيهم ميشيل معوض- نجل الرئيس السابق رينيه معوض، ونديم الجميل- نجل الرئيس السابق المنتخب بشير الجميل، وتيمور جنبلاط – ابن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
وقال زعيم حزب الله، حسن نصر الله، في خطابٍ تلفزيوني إن “المهمة قد أنجزت” بعد أسابيع من الحملات. ويعتبر حزب الله جماعةً إرهابية من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى في الغرب، إلا أنه لطالما ظفر جناحه السياسي بمقاعد في البرلمان اللبناني، فضلاً عن كونه جزء من الحكومة الائتلافية المنتهية ولايتها.
وسرعان ما هلّت التهاني من إيران، إذ قال علي أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الدولية للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، إن المكاسب شكلت “نصراً” لحزب الله “خلافاً لمزاعم الصهاينة ومؤامرات السعودية.” وأضاف أن “هذا الانتصار وتصويت الشعب اللبناني للائحة المقاومة هو ناتج عن تأثير السياسات اللبنانية الراهنة في الحفاظ على استقلال ودعم سوريا أمام الإرهابيين”.
في الواقع، يمكن أن يكون لموقف حزب الله الموطد تأثيٌر طويل المدى على السياسة والمجتمع في لبنان، لا سيما أنه سيتمتع بالقدرة على نقض القرارات المتخذة، وبخاصة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة. ولكونه مدرجٌ على قائمة المنظمات الإرهابية، فلربما سيؤثر أيضاً على حصول لبنان على القروض والمساعدات المالية من المجتمع الدولي، إلى جانب زعزعة استقرار العلاقات مع دول الخليج التي تعارض سوريا وإيران. ومن غير الواضح بعد ما إذا كان استقرار لبنان سيتأثر حقًا، لأن أوروبا على سبيل المثال، مهتمة باستمرار استقرار البلاد. ومع ذلك، حقق النفوذ الإيراني دون شك مكاسب كبيرة في الحياة السياسية لهذا البلد الصغير.
تم الإعلان عن نتائج الانتخابات بعد يومين من التصويت، مع نتائج غير مكتملة من 14 دائرة إنتخابية من أصل 15 دائرة متوفرة في يوم الانتخابات نفسه. وعلى الرغم من أن وزير الداخلية نهاد المشنوق قال إنه سيعلن عن النتائج فجر يوم السابع من مايو، إلا أنه أعلن أسماء النواب الجدد مساء ذلك اليوم، في حين أتيحت النتائج النهائية فقط في اليوم التالي، بعد أن تم إعادة فرز أوراق الإقتراع في محافظة عكار الشمالية.
فهذه ليست سوى واحدة من العديد من المشاكل والمخالفات التي لوحظت خلال الانتخابات. فأولاً، كانت إمكانية الوصول إلى مراكز الاقتراع صعبة بالنسبة لذوي الإعاقة والمسنين، وفقاً لبعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات. كما كانت نسبة المشاركة منخفضة أيضاً، حيث أدلى 49,2% فقط من الناخبين بأصواتهم، مقارنة بنسبة 54% في الانتخابات السابقة في عام 2009.
ووفقا للمعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي (NDI)، الذي راقب الانتخابات، “لم یبد أنّ أیاً من أوجه القصور المشار إليها قد خلّف تأثیراً كبیراً على محصّلة الیوم الانتخابي. لكن سجّل لدى الناخبین إحساس ملحوظ بعدم المبالاة، الأمر الذي قد یكون انعكس بنسبة مشاركة أدنى بالمقارنة بانتخابات عام 2009.” وعليه، فإن الإحباط من النخبة السياسية بالإضافة إلى الارتباك الذي دار حول القانون الانتخابي الجديد والحملة التي كانت تفتقر إلى المحتوى، من الأسباب الرئيسية وراء تصويت عدد أقل من الناس.
وعليه، اندلع العنف في جميع أنحاء بيروت يوم الانتخابات، حيث اشتبك موالون لحزب الله على دراجاتهم النارية وهم يلوحون بأعلام الحزب مع الموالين لحركة المستقبل. تم نشر الجيش لتهدئة الوضع وتم حظر الدراجات النارية في بيروت لمدة 72 ساعة.
كما تجمع أنصار جمانة حداد، الروائية والمرشحة عن قائمة كلنا وطني، خارج وزارة الداخلية للاحتجاج على ما زعموا أنه علامات واضحة على الاحتيال لإنكار فوزها. وتتمحور المشكلة، وفقاً لكلنا وطني، حول إخراج مندوبي الانتخابات من غرفةٍ تم فيها فرز الأصوات في قاعة منتدى بيروت، بسبب “خطأ تقني” غير معروف. فقد طالب المتظاهرون بإعادة فرز الأصوات، إلا أن وزارة الداخلية لم ترد حتى الآن على الطلب.