وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لبنان بحاجة إلى دولةٍ جديدة لا لزيارات أخرى من ماكرون

Macron lebanon
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعانق أحد ضحايا الانفجار أثناء حضوره حفل لإحياء الذكرى المئوية للبنان في محمية جاج الأرز ، شمال شرق العاصمة بيروت ، في 1 سبتمبر 2020. Photo: GONZALO FUENTES / POOL / AFP

نشر موقع “The Globalist” مقالةً للكاتب بنجامين ماكشين، الباحث والكاتب المختص في سياسة الشرق الأوسط والسياسة العربية، يتناول فيه موقف الرئيس الفرنسي ماكرون من تداعيات انفجار مرفأ بيروت. ويطرح ماكشين في مقالته بعض التساؤلات حول نوايا ماكرون ورغباته، بالتزامن مع تسليط الضوء على ما يعتمده الرئيس الفرنسي من نهج لتحقيق ما يصبو إليه. ويرى ماكشين أن كل ما قدّمه ماكرون حتى هذه اللحظة لا يعدو عن كونه استعراضاً سياسياً بلا نتائج تُذكر، متوقعاً في الوقت نفسه ألّا تحقق سياسات الرئيس الفرنسي أهدافها لاعتماده على طريقة بالية أثبتت فشلها مراراً وتكراراً.

ويبدأ ماكشين مقالته بالإشارة إلى أن وقوع الكوارث الدولية الكبرى بصفةٍ عامة لا يدفع القادة السياسيون من جميع أنحاء العالم للتعبير عن تضامنهم ودعمهم للضحايا فحسب، بل أنه يدفع هؤلاء القادة للمسارعة أحياناً لالتقاط الصور في موقع الحدث وهم يعدون بتقديم المساعدة. وبعد هذا، يعود هؤلاء القادة إلى بلدانهم، وتستمر دورة الأخبار.

لكن الرئيس الفرنسي ماكرون يحاول كسر هذه القاعدة بزيارة ثانية رفيعة المستوى إلى لبنان مطلع سبتمبر الجاري.

وسبق لماكرون زيارة لبنان في السادس من أغسطس الماضي، وكان ذلك بعد يومين من وقوع انفجار كبير خلّف حفرة عمقها 45 متراً ودمّر كل منازل حي مرفأ بيروت المزدحم.

زيارة مُرحّب بها

يرى صاحب المقالة أن الصور التي تم التقاطها لماكرون محاطاً بمؤيدين لبنانيين كانت على غير ما اعتاد عليه الرئيس الفرنسي.

وفي بداية عهده، شهد الرئيس الفرنسي في بلده أولاً موجة طويلة من احتجاجات السترات الصفراء، ثم اضطُر هذا العام إلى التعامل مع تفشي فيروس كوفيد-19.

وهنا يطرح ماكشين التساؤل الرئيس في مقالته ويقول: “لكن هل سيدفع تدخل ماكرون حقاً نحو تغييرٍ يتوافق مع مطالب الاحتجاجات المناهضة للحكومة في لبنان عام 2019، أم أنه ليس سوى إشارة إلى عودة فرنسا الحريصة على حماية تراثها الاستعماري من خلال وجودها في الشرق الأوسط؟”.

نية مخلصة في سياق استعماري

يرى ماكشين أن الإجابة الأرجح على التساؤل السابق تمكن في الاقتراحين اللذين تضمنهما. إذ كان لخطاب ماكرون الحماسي الداعي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية صدى مطمئن في آذان النخب اللبنانية.

ويعرف كلّ من في لبنان أن أي حكومة ستُشكّل وفقاً للتقسيم العرقي الديني والسياسي بالغ التعقيد من شأنها أن ترسّخ الخلل الوظيفي التام الذي يشلّ لبنان اليوم. كما أنّ هذه الحكومة ستعجز تماماً عن إصلاح البلد بالطريقة التي هو بأمس الحاجة إليها.

ولا يرى الكاتب خيراً في اختيار مصطفى أديب، سفير لبنان السابق إلى ألمانيا، رئيساً للوزراء. فهو موظف تكنوقراطي لم يُشهد له بالبراعة والكفاءة، وقد جيء به من الأروقة السياسية التي تم تجريبها من قبل بلا جدوى.

ماكرون: رجل أفعال جيوسياسية؟

في الزيارة التي أجراها إلى لبنان في بداية شهر سبتمبر الجاري، حاول ماكرون مرةً أخرى تصوير نفسه على أنه رجل الأفعال الجيوسياسية. لكن في الوقت الذي كان فيه ماكرون منشغلاً بجولة مليئة بالرمزية، فإن وسط بيروت عجّ بالمحتجين الغاضبين من تعيين أديب.

ورغم صدق ماكرون في دفع لبنان نحو الإصلاح، إلا أن الحقيقة تمكن في عدم قدرة فرنسا، وهي قوة استعمارية سابقة، على ممارسة سلطة “الإقناع” القسرية التي دأبت على استعمالها.

عالقة في وحل السياسة اللبنانية؟

وتمكن الحقيقة المحزنة في أن موجة الإجماع الأولية التي عمّت الشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي لدعم دعوة ماكرون إلى إجراء تحقيق دولي مستقل حول الانفجار قد قوبلت بالعوائق والأعذار المعتادة.

ورفض الرئيس عون هذه المطالب في نهاية المطاف. وسيُجرى بدلاً منها تحقيق بقيادة القضاء اللبناني غير الفعال.

ومن المرجح أن تصل جهود التحقيقات إلى نفس النتيجة المنحازة وغير الكفؤة ولا المُرضية كما كان عليه الحال مع نتيجة التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

فعلى الرغم من وقوع اغتيال الحريري في عام 2005، إلا أن نتيجة المحاكمة التي تم التوصّل إليها في أغسطس 2020 تشير إلى إدانة شخص واحد وتبرئة ثلاثة آخرين. وقد استغرقت تلك النتيجة الهزيلة وغير المرضية خمسة عشر عاماً.

ترقّب لزيارة ماكرون الثالثة

بحلول موعد الزيارة الثالثة لماكرون إلى بيروت، المقرر إجراؤها في ديسمبر المقبل، سيكون من الصعب تجنّب استحضار مشهد ناظر المدرسة الصارم وهو يوبّخ التلاميذ الأشقياء لأنهم لم يؤدّوا واجباتهم المدرسية.

وبطبيعة الحال، فإن دستور لبنان تمت صياغته بطريقةٍ تخدم المصالح السياسية والاقتصادية لزمرة النخبة في هذا البلد بصفةٍ حصرية.

وهذا العامل يحتّم استحالة تمرير الإصلاح الشامل الذي يُعدّ أدنى مطالب المتظاهرين في لبنان، وخاصةً جيل الشباب منهم.

وبحسب ماكشين، فإن تحقيق ذلك يستلزم استبدالاً كلياً للنظام السياسي القائم منذ ثلاثين عاماً. فلبنان بحاجة إلى دولة جديدة، وليس إلى زيارات جديدة متكررة من الرئيس الفرنسي.

سياسة الجزرة والعصا

استعمل ماكرون نهج الجزرة والعصا في محاولة منه لإقناع اللبنانيين بالإصلاح والعمل. ويعني هذا الأمر أن تقديم الدعم المالي برعاية دولية يتوقف على إجراء إصلاح جوهري.
ويرى ماكشين أن إشكالية هذا النهج تكمن في تجريبه من قبل، لدرجة أن هذا النهج يكاد يكون مطابقاً لما حدث في الفترة التي سبقت تنظيم مؤتمر سيدر (المؤتمر الاقتصادي للتنمية من خلال الإصلاحات ومع الشركات) عام 2018. ففي ذلك الحين، وافق المجتمع الدولي على منح قرض كبير يستند مرة أخرى على الإصلاحات السياسية. غير أن الإصلاحات لم تحدث قط، وهو ما أدى إلى حرمان لبنان من أموال مؤتمر سيدر.

استعراض جيوسياسي؟

يرى ماكشين أن تلميح ماكرون بفرض عقوباتٍ محتملة على الطبقة الحاكمة في لبنان من زاوية السعي للخروج بنتيجة مختلفة هذه المرة. ولا يبدو واضحاً كيف يمكن أن يُطبق ذلك بالضبط، أو ما إذا كان سيدفع ذلك نحو الإصلاح.

وفي خضم ما يعتبره البعض استعراضاً جيوسياسياً، فإن الشعب اللبناني هو من يعاني بصفةٍ يومية من استمرار تدهور الاقتصاد ومن ارتفاع التضخم.

ورغم القيود المفروضة على الهجرة الدولية أثناء تفشي الوباء، إلا أننا قد نشهد فيما بعد هجرة خِيرة العقول اللبنانية وألمعها ممن ليس لهم مصلحة تُذكر في الكفاح من أجل مستقبل أفضل للوطن.

استنتاجات

يختم ماكشين مقالته بالتالي: “قد تكون نوايا ماكرون صادقة. وعلى الرغم مما أبداه الرئيس الفرنسي من التزام وما اتخذه من خطوات، فإن مبادرته لا تمثّل نهجاً جديداً أو جذرياً على الإطلاق. ويبدو في واقع الأمر أن أخطاء الماضي تتكرر. إذ أن مطالبة غير القابل للإصلاح بالإصلاح لن يجني شيئاً يُذكر، حتى وإن كان ذلك تحت بند فرض العقوبات، لأنّ لبنان سقط في مستنقع بعد أن كان مزدهراً ذات يوم”.

“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.