نشر الكاتب جيمس دورسي، وهو باحثٌ بارز في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية بسنغافورة، مقالةً على مدونته سلط فيها الضوء على الأسباب الكامنة وراء نأي الصين عن توطيد علاقاتها بإيران. فعلى الرغم مما تبديه من الصين من اهتمام بتعزيز شراكتها مع الجمهورية الإسلامية، إلا أن دورسي على قناعة بأن بكين تتجنب المضي قدماً في هذا المسار كيلا تزيد من حدّة التوتر القائم بينها وبين الولايات المتحدة. ويعرّج دورسي في مقالته على العلاقة التي تجمع بين صراعات الشرق الأوسط وتوترات جنوب شرق آسيا، موضحاً في الوقت نفسه كيفية تأثر المصالح الصينية بكل هذه العوامل.
ويبدأ دورسي مقالته بالإشارة إلى وجود مؤشرين محتملين على اهتمام الصين بالمضي قدماً في توقيع اتفاقية تعاون عسكري واقتصادي مع إيران بقيمة 400 مليار دولار. ويتمثل المؤشر الأول في دفع الصين لإيران باتجاه الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، أما المؤشر الثاني فيكمن في تجديد الاهتمام بإنشاء خط أنابيب الطاقة الواصل بين الصين وباكستان وإيران وتركيا. ورغم وجود هذين المؤشرين، فإن الصين لم تمضي قدماً في أيٍّ منهما.
وفي الوقت الذي يشير فيه تحويل صفة إيران من مراقب إلى عضو في منظمة شنغهاي للتعاون إلى اهتمام الصين بالدرجة الأولى بتعزيز ترابطها بصفةٍ جوهرية مع الجمهورية الإسلامية، فإن بناء خط الأنابيب كفيلٌ بتغيير قواعد اللعبة الدولية جيوسياسياً.
ويرى دورسي أن رفض الصين إبداء الاهتمام بتعزيز شراكتها مع إيران في أعقاب تسريب اتفاقية موسّعة مزعومة بين البلدين، يشير إلى عدم رغبة الجمهورية الشعبية في زيادة حالة التوتر القائمة مع الولايات المتحدة بانتهاكها الصارخ للعقوبات الأمريكية القاسية على الجمهورية الإسلامية. كما أنّ الصين لا تريد الإخلال بتوازن العلاقات القائم مع السعودية، خصم إيران الإقليمي.
أما خط الأنابيب الذي سيلبي احتياجات الطاقة والاقتصاد والأمن لجميع المشاركين فيه فقد يُؤجل حالياً، إلا أن التغيرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا قد تجدد عزم باكستان وإيران وتركيا على معاودة المشروع.
وبحسب دورسي، فإن هذا العزم تقوده تقلباتٍ تظهر هاجس إعادة ترتيب الجغرافيا السياسية بالمنطقة. ومن العوامل الهامة في هذا الجانب الخلاف القائم بين باكستان والسعودية بسبب غياب الدعم الخليجي لإسلام أباد في صراعها مع الهند حول كشمير، بالإضافة إلى دعوات الهند للانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات ضد تركيا وقطر وإيران. ويضاف إلى ذلك طموحات تركيا التي ورطتها في العديد من النزاعات في البحر المتوسط لتؤكد موقعها كمحور لنقل الطاقة.
وظهرت أول الأنباء المرتبطة بخط الأنابيب عام 2015، وكان ذلك على إثر التوقعات برفع العقوبات الأمريكية عن إيران أو تخفيفها نتيجةً للاتفاق الدولي الذي حدّ من برنامجها النووي.
وكان من المقرر أن تنفّذ شركة تابعة لشركة البترول الوطنية الصينية المملوكة للدولة أعمال البناء باستكمال تشييد وصلة مبنية جزئياً بين إيران وباكستان بتمويل من الصين.
بيد أن المشروع توقّف نتيجة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض العقوبات على إيران. وجاء ذلك وسط عدم رغبة الصين أو باكستان في خرق القانون الأمريكي.
لكن في أولى خطواتهما لإحياء المشروع، اتفقت إيران وباكستان العام الماضي على انسحاب إيران من إجراءات التحكيم التي قد تقضي بتغريم باكستان لأنها لم تنجز المتفق عليه بينما أكملت إيران بناء جزئها من الوصلة بين البلدين. وبموجب هذا الاتفاق، يتوجب على باكستان أن تنتهي من البناء بحلول عام 2024.
ويخلص الباحثون الصينيون فاي فاي غو وشينغ فينغ هوانغ وشياو لينغ وا في دراسةٍ مفصّلة أجروها إلى أن “الصين بحاجة إلى فتح قنوات طاقة جديدة للحد من اعتمادها على مضيق ملقا، وهو ممرٌّ ضيق في جنوب شرق آسيا تخشى الصين أن تستخدمه الولايات المتحدة لتضييق الخناق عليها في حال وقوع مواجهة مع هذه الأخيرة”.
كما لاحظ الباحثون أن “ممر الطاقة يتماشى مع أهداف استراتيجية الطاقة الخاصّة بكلٍّ من الصين وباكستان وإيران وتركيا”، لكنهم حذروا من تهديد نشوء صراعاتٍ إقليمية في إقليم بلوشستان الباكستاني وفي جنوب شرقي تركيا وإيران.
وفي تعليق نادر على تعزيز العلاقات المحتمل مع إيران، نشرت جريدة موالية للحزب الشيوعي الصيني مقال رأي في يوليو لفان هونغدا، الباحث المختص في شؤون الشرق الأوسط، رأى فيه أن التدهور المتواصل على مستوى العلاقات الصينية الأمريكية قد يصل إلى نقطة لن تأبه عندها الصين بتكلفة خرق العقوبات الأمريكية.
ويضيف هونغدا أن “العامل الذي لا يمكن تجاهله في تحسّن العلاقات الصينية الإيرانية هو أن الصين باتت أقل تقيداً بالعوامل الأمريكية في علاقتها الدبلوماسية مع إيران”.
ويشير دورسي هنا إلى أن الصين لم تصل بعد إلى هذه النقطة، إلا أن التقلبات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا قد تجعل مشروع خط الأنابيب أمراً ملحّاً من منظور تركيا وباكستان وإيران.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى تلميح باكستان في ديسمبر الماضي لاهتمامها بالانحياز في البداية إلى جانب تركيا وقطر وإيران عندما قبلت المشاركة في القمة الإسلامية في العاصمة الماليزية كوالالمبور، علماً بأنّ هذه القمّة عٌقدت لتحدي زعامة السعودية للعالم الإسلامي.
وتحت تأثير الضغط السعودي، انسحب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان من القمّة في اللحظات الأخيرة. لكن بعد مرور ثمانية أشهر، عادت باكستان لتحدي الزعامة السعودية.
فقد أعرب وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي عن استيائه من غياب دعم منظمة التعاون الإسلامي، التي تجمع 57 دولة ذات أغلبية مسلمة وتهيمن عليها السعودية، لباكستان في صراعها مع الهند حول كشمير. ولفت الوزير الباكستاني إلى أن بلاده قد تبحث عن الدعم بعيداً عن نطاق سيطرة المملكة.
هذا الخلاف وبجانبه الدعم التركي لكشمير الذي أثار استياء الهند، فتح الباب أمام دول جنوب آسيا للاصطفاف وفق مواقف مختلفة من خطوط الصراعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط، وجاء هذا في الوقت الذي تقف فيه الصين والهند على طرفي نقيض من بعضهما البعض.
وبحسب دورسي، فإن الاصطفافات المحتملة والتوترات الصينية الهندية لا تبدو كافية لإثناء بكين عن عزمها في الوقت الراهن لإيجاد التوازن على مستوى التعامل مع السعودية وإيران.
لكن في النهاية فإن هذا الوضع يبقي مشروع الممر بين الصين وباكستان وتركيا وإيران متوقفاً، لكنه يظل على الطاولة.
بيد أن المزيد من التحالف بين دول جنوب آسيا ودول الشرق الأوسط المتنافسة يمثّل دافعاً آخر للصين كي تكثّف جهودها الدقيقة لإقناع دول الشرق الأوسط، وخصوصاً السعودية وإيران، بتخفيف التوتر والوصول إلى السبل الكفيلة بإدارة خلافاتها بشكل يجنّبها الخروج عن السيطرة.
المخاطر عالية على الصين، فهي تستثمر ما يقارب 62 مليار دولار في باكستان، وهو أكبر استثمار تضعه الجمهورية الشعبية في دولة أخرى في إطار مبادرة الحزام والطريق الرامية لربط أوراسيا ببكين من خلال بنية تحتية للاتصالات والنقل والطاقة.
ومع ذلك، ينبّه دانييل ماركي مؤلف كتاب “الأفق الغربي للصين” الذي صدر حديثاً إلى “أننا لا يجب أن نقلل من مدى محافظة الصين، ونفورها من الصراع، ونأيها بنفسها عن المواقف المكلفة…”.
ويختم دورسي مقالته بالتالي: “بالمعدّل الذي تتحرك به رمال الشرق الأوسط وجنوب آسيا، فإن صعوبة المضي قدماً في هذا التوجّه ستزداد بصورةٍ متنامية”.
“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.