صوفيا أكرم
اشتد القتال وتطور بين أذربيجان وأرمينيا في ظل تدخلِ من جيرانهما الإقليميين وسط تحذيراتٍ من إندلاعٍ حربٍ إقليمية أوسع نطاقاً. فقد أدلى الرئيس الإيراني، حسن روحاني، تصريحاتٍ للتلفزيون بهذا الصدد يوم الأربعاء الموافق 7 أكتوبر2020 ، إذ قال “يجب أن ننتبه كي لا تتحول الحرب بين أرمينيا وأذربيجان إلى حرب إقليمية. السلام أساس عملنا ونأمل في إعادة الاستقرار إلى المنطقة بطريقة سلمية.”
وتحدث روحاني بعد تقارير في وسائل الإعلام الإيرانية عن سقوط قذائف داخل البلاد، التي تحدّ أذربيجان، حيث قيل أنه أبلغ مجلس وزرائه أن من “غيرالمقبول على الإطلاق” سقوط أي قذائف داخل الأراضي الإيرانية، إذ قال “أولويتنا أمن مدننا وقرانا.”
جاءت تعليقات روحاني في اليوم الحادي عشر من الاقتتال على جيب ناغورني- قرة باغ الجبلي، وهي منطقةٌ تشهد حرباً متقطعة منذ حوالي ثلاثة عقود.
وبموجب القانون الدولي، تتبع المنطقة لأذربيجان، بيد أن سكانها وحكمها يقعان تحت سيطرة الأرمن.
هذا ويُعتقد أن جولة القتال الجديدة هي الأكثر دموية منذ أكثر من 25 عاماً والأخطر منذ عام 2016. فقد نجمت هذه الحرب عن أمور عالقة تتمحور حول السيطرة على منطقة ناغورني- قرة باغ في أعقاب حربٍ واسعة النطاق في الفترة ما بين 1992-1994 والتي نتج عنها إستقلالها بحكم الأمر الواقع.
من غير الواضح من أي الجانبين اندلعت التوترات مرةً أخرى، إلا أن الاشتباكات تحولت إلى هجومٍ للقوات الأذرية في نهاية الشهر الماضي.
ومنذ 27 سبتمبر2020، سقط ما يقرب من 300 ضحية بينما لا يزال آلاف المدنيين معرضين للخطر، بما في ذلك 55 ألف نسمة في العاصمة ستيباناكيرت، بينما نزح نصف سكان المنطقة. ومع تقدم القتال، قد يواجه آلاف آخرون خطراً كبيراً، بينما زعمت أذربيجان أن المدن الأذرية خارج الجيب قد تعرضت للهجوم.
ووفقاً لمجموعة الأزمات الدولية، فإن تمتع أرمينيا بميزة التضاريس المرتفعة قد يؤدي إلى سقوط المزيد من الضحايا الأذرية مع تقدم قواتها.
ومع ذلك، من المحتمل أن تحظى أذربيجان بدعمٍ من تركيا، التي دعت أرمينيا إلى “الإنسحاب من الأرض التي احتلتها.”
فقد أثار تورط تركيا على ما يبدو مخاوف بين الجهات الفاعلة الدولية من أن الأمر يتجاوز التصريحات فحسب لإشعال نيران الحرب بعد مزاعم بانتشار مقاتلين من الجيش الوطني السوري الحر المدعوم من تركيا.
من جهتها، تُنكر تركيا تورطها، إلا أن فرد عضلاتها في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط قد يُشير إلى استعدادها لذلك.
وبالإضافة إلى القوات بالوكالة من سوريا والتقارير التي تفيد بتزويد تركيا لباكو بطائراتٍ مسيّرة دون طيار، يقول رايان بول، محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ستراتفور، إن تركيا لديها على الأرجح قواتٍ على الأرض لتقديم المشورة ومراقبة الصراع.
وبحسب ما قاله لنا في فَنَك، “لا يزال هذا هو المسار الأكثر احتمالاً بالنسبة لهم ما لم يكن هناك نوع من الكارثة العسكرية التي تضع أذربيجان في موقفٍ ضعيف أمام أرمينيا أو ما لم ترسل قوة أخرى، مثل روسيا، قواتٍ كبيرة إلى أرمينيا بما يكفي لتهديد خط المواجهة.”
وأضاف “ستبقى القوات التركية في الظل لأطول فترةٍ ممكنة، لكن إذا استمرت التصعيد، فلا يمكننا استبعاد انتشارها المحدود.”
وتابع القول “رأيت اتهاماتٍ بمشاركة طائرات إف-16 التركية، لكن لا أعتقد أن هناك أدلة كافية لأجزم أن هذا حصل بالفعل؛ ومع ذلك، فإن الدعم الجوي من هذا القبيل ممكن، لكنه سيزيد من خطر استخدام روسيا لقواتها الجوية لمواجهة الاعتداء.”
من جهته قال جاليب دالاي، الزميل في أكاديمية روبرت بوش، لرويترز “في ناغورني- قرة باغ كان هناك صراع مجمد حظيت فيه أرمينيا باليد العُليا، إلا أن تركيا تريد تقويض هذه اللعبة حتى لو لم تستطع حسمها بالكامل.”
كما قال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان إن تورط تركيا يرقى إلى مستوى “الهجوم الإرهابي” وسياسة “مواصلة الإبادة الجماعية للأرمن وسياسة إعادة الإمبراطورية العثمانية،” في إشارة إلى المليون ونصف أرمني الذين قتلوا في ظل الحكم العثماني بين عامي 1915 و1923، على الرغم من أن تركيا ترفض عدد الضحايا المذكور خلال هذه الفترة فضلاً عن رفضها الاتهامات بكونها إبادةً جماعية.
ولربما يمكن ربط مصلحة أنقرة بوارداتها من الغاز من أذربيجان، حيث تمنحها خطوط أنابيب النفط والغاز التابعة لها، من بين عوامل أخرى، أهميةً إقليمية.
وبحسب ما قاله روبن فوريستير ووكر من قناة الجزيرة “إذا ما نظرت إلى أرمينيا وأذربيجان من على الخريطة، ستكتشف أهميتهما الإستراتيجية.”
ومع ذلك، في ظل دعم تركيا لأذربيجان، وردت تقارير بإجراء إيران محادثاتٍ مع كلا الطرفين.
وعلاوةً على ذلك، فقد أثار استخدام جهاتٍ فاعلة سورية حفيظة روسيا أيضاً، فقد حذر سيرجي ناريشكين، مدير الاستخبارات الخارجية الروسية، من أن المنطقة قد تصبح نقطة انطلاق للمتشددين الإسلاميين لدخول روسيا ودول أخرى في المنطقة.
ومع ذلك، يقول بول إنه في حين أن القتال يمكن أن يجلب لاعبين جدد، فمن غير المرجح أن يمتد خارج الحدود “ويرجع ذلك إلى حدٍ كبير لكون الصراع الأساسي مشكلة أرمينية – أذرية بحتة.”
وبحسب بول، “من المرجح أن تحاول الجهات الفاعلة الأخرى، مثل تركيا وروسيا وإيران، استخدام الصراع لصالحها لبناء نفوذٍ هناك، ومع أهداف متناقضة، لا سيما بين روسيا – التي تدعم أرمينيا – وتركيا – التي تدعم أذربيجان – فمن المحتمل أن ينتهي الأمر بتورط كليهما في صراعٍ آخر بالوكالة ومواجهةٍ ستختبر علاقتهما.”
وأوضح بول أن هذه الجهات الخارجية كانت موجودةً هنا بالفعل وأثبتت قدرتها على التغلغل كما حصل في ليبيا.
“ومع ذلك، يمكن أن تكون سلالم التصعيد متزعزعة: فكلما تدخلت المزيد من القوى الأجنبية، كلما زاد احتمال حدوث صراعٍ عرضي، تماماً كما ساورتنا المخاوف بشأن سوريا وليبيا،” على حد تعبيره.
وعلى صعيدٍ متصل، اقترح رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان أنه يمكن تقديم تنازلاتٍ في حال أبدت أذربيجان استعداداً لتقديمها.
من جهتها، قادت دول الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وكذلك الولايات المتحدة، دعواتٍ لوقف إطلاق النار على الرغم من أن تركيا قالت إن الدور الغربي في التوصل إلى اتفاق سلام في غير محله بسبب إهمال المنطقة على مدار الثلاثين عاماً الماضية.
ويقال إن الولايات المتحدة، التي ترأس مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تم تشكيلها للإشراف على مفاوضات السلام في ناغورني- قرة باغ، على وجه الخصوص، فقدت بريقها للمشاركة بأي تطوراتٍ في المنطقة. ويُعتقد أن روسيا هي المحاور الأكثر نجاحاً، حيث لعبت دوراً في وقف الأعمال العدائية عام 2016.
وفي حين أن موسكو حليفٌ لأرمينيا وسيتم استدعاؤها للدفاع عنها إذا تعمق الصراع وامتد إلى الأراضي الأرمنية، فمن غير المرجح أن ترغب في تعميق مشاركتها، وفقاً لمجموعة الأزمات الدولية.
وبحسب منظمة البحث والتحليل غير الهادفة للربح، ينبغي على الدبلوماسية الدولية اتخاذ خطواتٍ عاجلة، فقد كتبت مجموعة الأزمات الدولية، “يمكن للدول الأوروبية وموسكو معاً تطوير حزمةٍ من الحوافز – التي من المحتمل أن تشمل المساعدات الاقتصادية، ودعم مجتمعات النازحين ومجتمعات الخطوط الأمامية بمجرد تنفيذ وقف إطلاق النار، والاستئناف السريع للمحادثات حول تسويةٍ سياسية – التي قد تساعد في إقناع باكو و يريفان الجلوس على طاولة الحوار.”
من جهته يقول بول إن “رد الفعل الدولي، وخاصة الغرب، محدودٌ حتى الآن.”
وأضاف “الضغط الدبلوماسي من أوروبا والولايات المتحدة بدأ يكتسب زخماً، مما سيساعد في تخفيف التوترات إلى حدٍ ما،” وتابع “ولكن بدون استراتيجية أمريكية/ أوروبية قوية، ستكون تركيا وروسيا وإيران والجهات الفاعلة المحلية من يجب مراقبتها فيما يتعلق بخفض التصعيد.”
وعلى حد تعبيره، “هناك مخاوف إنسانية من أن الصراع قد يؤدي إلى أزمة لاجئين أخرى، مما يزيد من أعباء اللاجئين في تركيا وإيران، وأن القتال قد يقوض استجابة المنطقة لأزمة فيروس كورونا لبعض السكان حيث يستهلك القتال موارد المستشفيات.”
“وأخيراً، هناك قلقٌ من أن يؤدي التصعيد إلى إعادة تركيا وروسيا إلى مواجهةٍ أخرى قد تورط حلف شمال الأطلسي، على الرغم من أن هذا يبدو احتمالاً غير واردا، بأخذ سوريا بعين الإعتبار، نظراً لمصالح تركيا الأقل في أذربيجان التي لا تحدّها كحال سوريا.”