وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بعد خمس سنوات، ذكرى الثورة المصرية تتحول إلى شبحٍ مخيف

egypt-past-to-present-anniversry-of-2011-revolution-fanack-hollandse-hoogte 1024px
قوات الأمن المصرية تتدخل في احتجاج مناهض لنظام السيسي العسكري. Photo: Anadolu Agency

في 22 ديسمبر 2011، وفي إطار التحضيرات للذكرى الأولى للثورة الشعبية ضد الرئيس المصري حسني مبارك، والتي أنهت حكمه الذي استمر على مدى 30 عاماً، عنونت صحيفة الأهرام المصرية اليومية صفحتها الأولى “مؤامرة فاشلة للقيام بأعمال تدمير وحرق في الذكرى الأولى المُقبلة لثورة يناير.” كما نشرت صحيفة الشروق الخاصة ذات الرواية، نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط المملوكة للدولة بعنوان “جهات أمنية سيادية: مخطط لإشعال البلاد يوم 25 يناير وإسقاط الدولة.” ففي ضوء ذلك، وخلال السنوات الطويلة لحكم مبارك، كان المصطلح المُبهم “جهات أمنية سيادية” يستخدم للإشارة إلى رئيس الجمهورية أو لجهاز المخابرات العامة.

وفي الفترة التي تولى فيها المشير محمد حسين الطنطاوي القيادة، بصفته رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن مصادر أمنية رفيعة عن “رصد الأجهزة الأمنية اتصالات وتحركات لعناصر داخلية مع جهات أجنبية خارجية لتنفيذ سيناريو مخطط يوم 25 يناير المقبل، من خلال قيام ثورة أخرى جديدة هدفها فقط الدخول في اشتباكات دامية مع عناصر القوات المسلحة.” ووفقاً لنفس المصادر الأمنية، فإن مخطط “الثورة الأخرى” الذي تم إحباطه، يهدف إلى “إشعال حرب أهلية بين الشعب والقوات المسلحة، تمهيداً لصدور قرارات بتدخل قوات أجنبية للفصل بين الشعب والقوات المسلحة.”

وعلى الرغم من التقلبات الكثيرة، بما في ذلك توليّ أربعة رؤساء سدة الحكم في غضون خمس سنوات، إلا أن ذكرى ثورة 25 يناير لم تكن قط موضع ترحيبٍ من قِبل الحكومة، وليس من قِبل المجلس العسكري أو حتى من قِبل محمد مرسي، رئيس الجمهورية السابق والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين، كما لم تكن بالتأكيد موضع ترحيب من قِبل النظام الذي تولى القيادة بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بمرسي في 3 يوليو 2013. ويقول النشطاء الذين شاركوا في الثورة التي استمرت لـ18 يوماً ضد مبارك، ويواصلون إلى الآن الدفاع عنها باعتبارها أحد أهم الأحداث في تاريخ مصر الحديث، أنّ الاحتفال بذكرى ثورة يناير بات أكثر صعوبة كل عام، وذلك مع مواصلة الأجهزة الأمنية إصدار تحذيراتٍ بمنع المظاهرات في الشوارع.

والأسوأ من ذلك، يبدو أن معارضي الثورة أصبحوا يملكون السطوة الآن، إذ يطبقون بيدٍ من حديد على وسائل الإعلام وبخاصة قنوات التلفزيون الخاصة التي تكرر باستمرار نفس ادعاءات أنصار مبارك ووصفهم ثورة 25 ينايربأنها “مؤامرة أجنبية” تهدف إلى تقسيم مصر والعالم العربي وتسليم السلطة لجماعة الإخوان المسلمين.

ازدياد قمع المتظاهرين

لم تحدث أي اشتباكات بين الجيش وآلاف المتظاهرين السلميين الذين خرجوا احتفالاً بالذكرى الأولى للثورة، ولم يكن هناك أي إطلاقٍ للنار، ولم يتم نشر أي قوات أجنبية في مصر. ومع ذلك، في أوائل عام 2012، عارضت جماعة الإخوان المسلمين، التي بدأت آنذاك باكتساب المزيد من السُلطة تدريجياً، المظاهرات وقالت أن مهمة تلبية مطالب الثورة باتت الآن في أيدي البرلمان المنتخب حديثاً، الذي أحرزت فيه فوزاً ساحقاً.

ومع وجود مرسي في منصبه خلال الذكرى الثانية للثورة، خرج البعض للاحتفال بالشوارع إلا أنها شهدت إطلاقاً للنار وانتشر الغاز المسيل للدموع بعد حدوث اشتباك بين معارضي جماعة الإخوان المسلمين والشرطة احتجاجاً على سياسات مرسي والإعلان الدستوري أحادي الجانب الذي صدر في 22 نوفمبر 2012 والذي منحه صلاحيات مطلقة. أدت الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق ضد الإخوان المسلمين في 30 يونيو 2013 إلى انقلاب عسكري أدى للإطاحة بمرسي بعد أربعة أيام فقط.

ومع تزايد خطر الإرهاب، سواء في القاهرة أو في سيناء، الذي تلى الإطاحة بمرسي، أصبح منع الاحتجاجات في الشوارع أولوية بالنسبة للأجهزة الأمنية، بل فيالحقيقة، أصبح من المحرمات الدينية بعد أن أصدر مختار جمعة، وزير الأوقاف، فتوى بتحريمها. تمت الموافقة على قانون التظاهر الجديد في أواخر 2013، حيث تم بموجبه فرض عقوبات قاسية تصل إلى السجن لمدة خمس سنوات لأولئك الذين يشاركون في احتجاجات غير مصرّح بها من قِبل وزارة الداخلية. كما اتهم الأشخاص الذين أصروا على حقهم بالاحتجاج السلمي “بخدمة مصالح الإخوان المسلمين،” وعدم إدراكهم المخاطر الجدية التي تواجه أمن البلاد.

وفي 25 يناير 2014، طاردت شرطة مكافحة الشغب بضع مئات من المحتجين في وسط مدينة القاهرة بعربات مدرعة والغاز المسيل للدموع، بعد أن تظاهروا لفترة وجيزة أمام نقابة الصحفيين بمناسبة الذكرى الثالثة للثورة. قتل سيد عبد الله، وهو أحد الأعضاء الشباب في حركة 6 أبريل، والتي لعبت دوراً رئيسياً في الثورة ضد مبارك، برصاص شرطة مكافحة الشغب، وفقاً لرواية أصدقائه وعائلته.

لم يتواجد أي من الصحفيين على مقربة من المكان الذي قُتل فيه عبدالله، ولم توجه أي تهمة لأي ضابط شرطة. ولكن لم تجري الأمور على هذا النحو في 24 يناير 2015، عندما قتلت شيماء الصباغ، وهي أم تبلغ من العمر 30 عاماً، برصاص أحد أفراد مكافحة الشغب في ميدان طلعت حرب في وسط القاهرة. فقد تواجد العديد من الصحفيين والكاميرات لتغطية التجمع الصغير الذي شاركت به الصباغ كعضو في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، احتفالاً بذكرى الثورة عن طريق وضع الزهور في ميدان التحرير قبل يومٍ من ذلك، وذلك بشكلٍ أساسي لتجنب الاتهامات بتعاونهم مع المتظاهرين من الإخوان المسلمين الذين خططوا للخروج في مظاهرات غير سلمية في ذلك اليوم. تم الحكم على أحد الضباط بالسجن لمدة 15 عاماً بتهمة الضرب المفضي إلى الموت مما تسبب بمقتل الصباغ، وتمت إحالة القضية إلى محكمة الاستئناف.

ومرةً أخرى، دعت جماعة الإخوان المسلمين إلى التظاهر في جميع أنحاء مصر، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة لثورة 25 يناير، محذرين، وفقاً للمتحدث باسم الجماعة محمد منتصر، من “مفاجآت مذهلة” بانتظار “سلطات الانقلاب العسكري” والرئيس عبد الفتاح السيسي. اعتبر غالبية الخبراء هذه التهديدات فارغة، وبخاصة بعد أن سبق وصدرت تهديدات مماثلة على ألسنة قادة الإخوان المسلمين، دون تطبيقها على أرض الواقع.

في الواقع، لم تتحقق سوى بعض التظاهرات على نطاق ضيق جداً، ولم يكن ذلك فقط بسبب كون تهديدات الإخوان المسلمين فارغة، بل أيضاً بسبب استمرار الحملات الأمنية، التي أسفرت عن القبض على المزيد من أعضاء حركة 6 أبريل وغيرهم من النشطاء الشباب، الذين كانوا ينون تنظيم احتجاجاتٍ في الذكرى السنوية الخامسة، بصرف النظر عن أنصار الإخوان المسلمين الذين تجمهروا بشكلٍ يومي. وتضمنت قائمة أحدث المعتقلين، الطبيب طاهر مختار واثنين من أصدقائه، الذين اتهموا بحيازة منشورات تدعو إلى اسقاط النظام. فضلاً عن ذلك، تم أيضاً القاء القبض على عشرات الشبان الآخرين، على الأقل، ووجهت إليهم تهم الانضمام إلى تنظيم غير قانوني، ألا وهو حركة شباب 25 يناير.

وفي حين ينكر النشطاء الشباب وجود مثل هذا التنظيم “السري،” يجده العديد أمراً يبعث على السخرية والحزن في آنٍ واحد، ذلك أن الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة للثورة، أكان ذلك في مصر أو في جميع أنحاء العالم، أصبح الآن جريمة. وزير الأوقاف، جمعة، جعل الأمور أكثر سوءاً بإصداره فتوى تفيد أن التظاهر في الشوارع “مخالفٌ للدين،” لأنه يضر بمصالح الشعب. كما هاجم مذيعو البرامج الحوارية أي محاولةٍ للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة للثورة، مدّعين أن “المواطنين في الشوارع سيضربونكم بأحذيتهم قبل أن تواجهوا الشرطة،” وفقاً لتصريحات عزمي مجاهد على قناة العاصمة.

واقترح هاني شكر الله، وهو كاتب عمود بارز، بما أنه من الواضح أن الأجهزة الأمنية لديها حساسية تجاه هذا اليوم بالتحديد، أي 25 يناير، إجراء بعض التغييرات. وقال أن على المصريين استخدام اسم مختلف لشهر يناير في العربية، ربما كانون الأول، كما هو معروف في لبنان وفلسطين. وفي حال كان الرقم 25 يؤذي مسامعهم، يمكن معاملته معاملة الرقم 13، الذي يعتقد العديد من الأشخاص أنه يجلب الحظ السيء، ففي بعض المصاعد على سبيل المثال، لا يوجد سوى الطابق 12، 14، 15، دون ذكر الرقم 13. “يمكننا تعديل شهر يناير ليصبح 32 يوماً، لنتجنب ذكر اليوم 25،” أضاف في تعليقه على صفحته على الفيسبوك.

وقال أحد النشطاء الشباب، الذي لم يرغب في ذكر اسمه خوفاً من الاعتقال “نضحك جميعنا على هذه الهستيريا. نحن لا نريد الخروج في مظاهرات في 25 يناير، ليس من الضروري أن نخرج في 25 يناير أو 11 فبراير،” اليوم الذي أعلن فيه حسني مبارك تنحيه عن السُلطة قبل خمس سنوات. وأضاف “ليس بالضرورة أن يكرر “التاريخ نفسه بنفس الطريقة.