بينما كان يحتفل الرئيس عبد الفتاح السيسي بعامه الثاني على ولايته في يونيو 2016، بعد أن أطاح بسلفه محمد مرسي في انقلابٍ عسكري مدعومٍ من الشعب، كان الجو العام في مصر يزداد مرارة، حيث فقد الكثير من الناس ثقتهم بالزعيم الذي رُحب به قبل وقتٍ قصير فحسب كمنقذٍ للبلاد.
عندما تولى السيسي السُلطة في مايو 2014، تركت الاضطرابات السياسية وسوء إدارة حكم الإخوان المسلمين الاقتصاد في حالٍ يرثى لها. وعد السيسي بإنشاء مشاريع عملاقة، بدءاً من التوسع الكبير لقناة السويس وإصلاح البُنية التحتية، ومع ذلك، فشلت هذه المشاريع في تحقيق النمو الاقتصادي الموعود. بل على العكس من ذلك، تسببت الهجمات الإرهابية التي ضربت القطاع السياحي، الذي يعدّ أحد المصادر الرئيسية للدخل في البلاد، بتعطله تقريباً.
الاقتصاد المتداعي، وارتفاع التضخم، والإنخفاض الحاد في سعر صرف الجنيه المصري، تسبب بارتفاع الأسعار بسرعةٍ كبيرة، حيث تفاقمت أوضاع الطبقة الفقيرة سوءاً، إذ باتت العديد من الأسر اليوم تكافح لتغطية نفقاتهم، كما أن انخفاض احتياطي العملات الأجنبية يعمل على تباطأ النمو الاقتصادي بدرجةٍ أكبر. فضلاً عن ذلك، تعاني العديد من الشركات للعثور على العملة الأجنبية لإتمام صفقاتها الدولية، مما يخلق سوقاً سوداء مزدهرة للدولار الأمريكي.
وعلى صعيدٍ آخر، فقد بلغ معدل البطالة في بداية عام 2016 ما نسبته 12,7%، وارتفع إلى أكثر من 25% بين الشباب. وأصبحت دعوات السيسي إلى التقشف، وهو ما يكرره تقريباً في معظم خطاباته، تُثير الغضب اليوم. فقد أخبرنا أحد المهندسين الشباب في مقابلةٍ مع Fanack شريطة عدم الكشف عن هويته “يواصل التحدث بأنه سيجعل البلاد دولةً عظيمة إلا أنّ شيئاً لم يتغير، لا أمل في هذا البلد والخيار الوحيد اليوم هو مغادرتها.” ومن الجدير بالذكر أنّ هذا الشعور شائعٌ على نطاقٍ واسع. ويُضيف مهندسٌ شابٌ آخر يعمل كمدير مشروعٍ في شركة متعددة الجنسيات بينما يرتشف الشاي الأخضر في أحد المقاهي المنتشرة في القاهرة “كنت أصدقه عندما قال أنّ الأمور ستتحسن بعد حكم الإخوان. واليوم، أصاب بالجنون عندما تقول والدتي أنها لا تزال معجبةً به عندما يتحدث وأنها تؤمن بمقدرته على إصلاح الأمور.”
العديد من الشباب الآخرين كانوا أكثر صراحةً في انتقاداتهم وسخروا من الرئيس علناً على وسائل التواصل الاجتماعي. يتناقض هذا بشكلٍ صارخ مع صورته المبجلةٍ فوق النقد قبل عامٍ واحدٍ فقط. فعلى سبيل المثال، عندما حضر افتتاح أحد مشاريع التنمية في إحدى ضواحي القاهرة في فبراير 2016، سار موكبه على سجادةٍ حمراء لعدة كيلومترات، فرشت خصيصاً له، مما أثار موجة من الإنتقادات من قِبل النشطاء على موقعي فيبسوك وتويتر. وعندما حث في إحدى المقابلات المتلفزة الشباب المصري على التبرع بالمال “لمساعدة مصر،” وقال أنه مستعدٌ لبيع نفسه من إجل مصر إذا ما اقتضت الضرورة ذلك، عرض شابٌ مصري مُقيم في الولايات المتحدة السيسي للبيع على موقع إيباي الشهير في محاكاةٍ ساخرة للوضع.
ومع ذلك، جاء أكبر تحدٍ لصورة السيسي خلال زيارة الملك السعودي سلمان لمصر في أبريل 2016، عندما أعلنت الحكومة المصرية نقل سيادتها للجزيرتين المتنازع عليهما في البحر الأحمر إلى الدولة الخليجية. هذا القرار، والسرية التي أحاطت به، أثار غضب الشباب المصري الذي اتهم السيسي “ببيع الأرضي المصرية للحصول على أموال المساعدات،” ووصفوه بشتى النعوت من عميل إلى خائن.
وعندما دافعت الحكومة عن موقفها- الإصرار على أن الجزيرتين غير المأهولتين بالسكان، تيران وصنافير، سعوديتان منذ الأزل- سيلٌ من مشاراكات وسائل التواصل الاجتماعي شبّهت السيسي بـ”عوّاد،” فلاحٌ مصري باع أرضه ليأكل، مما جلب العار له ولعائلته.
وفي نفس الشهر، خرج الآلاف إلى الشوارع في أول تظاهرةٍ واسعة النطاق دون قيادة الإخوان المسلمين منذ أكثر من عام. وما أن رددوا شعار الانتفاضة الشعبية لعام 2011 “الشعب يريد إسقاط النظام،” اعتقلت قوات الأمن أكثر من 200 منهم، إلا أنهم فشلوا في منع الحركة من وضع الرئيس على مفترق طرقٍ لأول مرة في تاريخه.
وفي يناير الماضي، أي قبل الذكرى السنوية الخامسة لثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس المستبد منذ فترة طويلة، حسني مبارك، شددت الحكومة إجراءاتها الأمنية لإحباط أي احتجاجات. فقد شنت قوات الشرطة حملةً على النشطاء، واعتقلت العديد منهم بينما كانوا يحتشدون في مقاهي وسط البلد، وأغلقت قوات مكافحة الشغب غالبية نقاط التجمع.
وعلاوة على ذلك، ألقي القبض على مجموعة من فناني الشوارع الذين نشروا أشرطة فيديو على يوتيوب يسخرون فيها من السيسي في أوائل شهر مايو، بتهمة محاولة إسقاط الدولة، مما يدل على مدى التعصب الذي أصبح ينتهجه النظام الحاكم تجاه أي معارضة. وفي يوليو، أكد تقرير جديد صادر عن منظمة العفو الدولية تزايد أعداد حالات الاختفاء القسري لترهيب المعارضين.
وقبل الذكرى الثانية لولاية السيسي، أجرى المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة)، وهو مركزٌ خاصٌ مستقل غير حزبي، استطلاعاً للرأي لقياس الشعور العام تجاه الرجل الذي كانت صوره في الماضي تُزين الكعك والمجوهرات.
ووفقا للنتائج، فقد انخفضت النسبة المئوية للأشخاص الراضين عن أداء الرئيس من بين أكثر من 90% في الذكرى السنوية الأولى له إلى 79%. وعلاوة على ذلك، فإن النسبة أقل بين الشباب وخريجي الجامعات، حيث تتراوح ما بين 71% و73% على التوالي.
وعلى الرغم من الإنخفاض الكبير في النسب، إلا أنها غير كافية لتشكل أي تهديدٍ حقيقي للسيسي، الذي لا يزال يمتلك قبضةً قويةً على البلاد. ومع ذلك، فمن الواضح أنّ شهر عسل الرئيس في البلاد قد شارف على نهايته.