وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سباق الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط: صندوق الشرور أم طريقٌ إلى السلام؟

Specials- Benjamin Netanyahu
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (وسط) يستضيف رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس (إلى اليسار) والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس خلال اجتماع ثلاثي في القدس لمناقشة النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في 8 ديسمبر 2016. Photo AFP

مع تضاؤل احتياطيات الغاز في بحر الشمال، وقلق أوروبا بشأن اعتمادها على موارد الطاقة الروسية، أصبحت المصادر البديلة للطاقة والتي يسهل الوصول إليها، جذابة بشكلٍ متزايد. وفي حال لم تقف الجغرافيا السياسية الإقليمية والاضطرابات عقبةً في الطريق، يمكن أن تشكل منطقة شرق البحر المتوسط مفتاح مخاوف الطاقة في أوروبا.

تمتلك المنطقة ما يُقدر بـ122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي غير المكتشف والقابل للاسترداد من الناحية التقنية. بل إن قرب المنطقة من أسواق الغاز الرئيسية يجعلها مصدراً مثالياً لتلبية احتياجات أوروبا والشرق الأوسط من الطاقة. ومع ذلك، ومع تزايد التوترات الإقليمية القائمة بالفعل حول هذه الغنيمة المربحة، فإن إمكانية قلب هذه الطاقة لحال اقتصادات بلاد الشام ليس أمراً مضموناً بأي حال من الأحوال.

حقول الذهب الأسود

عندما بدأ الغاز بالتدفق من حقل ظهر المصري في أواخر عام 2017، وضع شرق البحر الأبيض المتوسط على الخارطة فيما يتعلق بإنتاج الغاز العالمي. ومن المرجح أن يؤدي البدء في الإنتاج إلى تحويل مصر من مستوردٍ للطاقة إلى مُصدّر. وبخلاف دولٍ أخرى في المنطقة، جعل السوق المحلي المصري الضخم جذب الاستثمارات الأجنبية أمراً أكثر سهولة. كما أن بيع الهيدروكربونات داخل البلاد يحمل في طياته مخاطر أقل بكثير من الحفاظ على العلاقات الإقليمية اللازمة لإيجاد أسواقٍ وضمان نقل الغاز.

وفي حين يُعتبر حقل ظهر أكبر اكتشافٍ حتى الآن في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، كانت بلدانٌ أخرى تأمل أيضاً بجني الذهب. بيد أنه وبالرغم من أن مصر بدأت في شق طريق هذه الإكتشافات، إلا أنها تحمل أيضاً دروساً لبارونات الطاقة المحتملين الآخرين. فقد سبق وصدرت مصر الغاز إلى كلٍ من الأردن وإسرائيل، إلا أن الإضطرابات السياسية التي أعقبت عام 2011 أعاقت صادرات البلاد وأخافت المستثمرين الرئيسيين. وفي عام 2014، تخلّت مصر عن تصدير الغاز مقابل معانتها لتلبية الطلب المحلي. فلم تكن احتياطات الطاقة ما حددت ازدهار القطاع في مصر، بل عددٌ لا يُحصى من المصائب السياسية.

كما استحوذ الحماس على الحكومة اللبنانية أيضاً مع توقع اكتشاف حقولٍ للنفط قبالة الساحل. البيانات المؤكدة لن يعبقها سوى المزيد من عمليات الحفر، إلا أن التقديرات تضع الاحتياطات المحتملة للبنان عند حاجز 25 تريليون قدم مكعب من الغاز أسفل مياهها الإقليمية، وهو حجمٌ بالكاد يتفوق على الرقم القياسي إلا أنه دون شكل سيُغير قواعد اللعبة للبلد العربي الصغير.

فقد وقعت بيروت أول عقدين لها لاستكشاف حقول النفط في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، إلا أن الجغرافيا السياسية أعاقت الآمال في الحصول على أموالٍ سهلة لبيروت. ويغطي أحد العقود الحدود البحرية الجنوبية المتنازع عليها منذ فترةٍ طويلة، وهو نزاع ازداد ضراوةً منذ اكتشاف الهيدروكربونات. ويعتبر كل كيلومتر مربع من قاع البحر في المنطقة التي لا تبعد كثيراً عن أكبر الاكتشافات في شرق البحر الأبيض المتوسط، ذو قيمة، وفي حين أن الحفر اللبناني لن يقترب مبدئياً من الحدود المتنازع عليها، إلا أن تفجر الغضب أمرٌ لا مفر منه تقريباً.

كما رافقت الاكتشافات مخاوف من احتمالات فسادٍ، حيث ناشدت بعض منظمات المجتمع المدني اللبنانية بكل صراحة رفع سقف الشفافية في هذا القطاع الجديد. وبالنظر إلى تصنيف البلاد المؤسف على مؤشر الفساد، تبدو هذه المخاوف مبررة. بل إن أزمة قيادة البلاد في لبنان، والتي زادت الأمور صعوبةً طوال العقد الماضي، حيث شهدت البلاد فراغاً رئاسياً لعامين منه، تجعل من احتمالات استغلال الهيدروكربونات في لبنان على نحو سريعٍ ومفيدٍ على الصعيد الوطني أمراً مستبعداً.

عُقدة غوردية

تعتبر تركيا جزءاً لا يتجزأ من عالم الطاقة في البحر الأبيض المتوسط، إلا أنه في السنوات الأخيرة أصبحت أنقرة مركزاً للصراع على الطاقة.

فقد هاجمت تركيا استكشاف قبرص للغاز واقترحت أن استغلال حقول الغاز يعدّ انتهاكاً لحقوق الجزء القبرصي من البلاد الذي تعترف به أنقرة والناطق باللغة التركية. وفي فبراير 2018، حذرت مصر أنقرة من انتهاك الاتفاقية المصرية مع قبرص حول حقوق الحفر.

وضعت تركيا إحدى سفنها البحثية المضطلعة بالأنشطة المختصة بالاهتزازات الأرضية قبالة شمال قبرص في أكتوبر الماضي، موضحةً طموحاتها ورهاناتها في السباق على الموارد الإقليمية، وتحديداً في المياه التي تعتبرها قبرص ملكها. وفي الوقت نفسه، كان التعاون في مجال الطاقة هو القوة الدافعة وراء الشراكة اليونانية- الإسرائيلية- القبرصية الناشئة، مما أدى بدوره إلى التعاون في مجال الدفاع، وهي نتيجة لا يمكنها طمأنة الصقور الأتراك.

وعلى عكس جيرانها، واجهت إسرائيل القليل من العقبات في تحويل مواردها الجديدة إلى نقود، حيث جذبت الاستثمار الأجنبي المهيأ وانتقلت بسرعة من الاسكتشاف إلى الاستغلال. فقد بدأ العمل في العام الماضي لتطوير حقل غاز ليفياثان الذي طال انتظاره في مشروع تبلغ تكلفته 3,75 مليار دولار تحت قيادة شركة نوبل انرجي الأمريكية. وعليه، إذا ما كان هناك فائزٌ في سباق الموارد، فمن المحتمل أنها إسرائيل.

إن اكتشاف حقل تمار للغاز الطبيعي في عام 2009، وحقل الغاز الطبيعي ليفياثان في عام 2010 داخل المناطق الاقتصادية الحصرية لإسرائيل، قد وفر حلاً للمخاوف الإسرائيلية بشأن اعتمادها في إمداداتها من الطاقة على مصر. فبعد سقوط نظام مبارك في عام 2011، أصبحت الهجمات على خطوط أنابيب النفط والغاز أكثر تكراراً، مما أثار قلق تل أبيب. وعلاوةً على ذلك، أدت درجة أعلى من الاكتفاء الذاتي من الطاقة إلى تهدئة المخاوف الإسرائيلية بشأن الاستعانة بمصادر مختلفة لنفطها الخام من خارج العالم العربي، مما سيؤدي إلى خطوط إمداد أكثر طولاً وهشاشة.

وكما هو الحال بجميع الأسئلة التي تطرح حول الموارد في إسرائيل وفلسطين، ترك الاحتلال الإسرائيلي بصماته على تقسيم احتياطيات الطاقة أيضاً. وبموجب تقسيم الحدود الإسرائيلية لعام 1967، يمنح الشريط الساحلي الفلسطيني على طول قطاع غزة للفلسطينيين نسبةً من احتياطيات الطاقة في البحر المتوسط. إلا أنه من المؤكد أن الحصار المفروض على غزة لعب دوراً في ثني الاستثمارات (فقد انسحبت شركة شل من صفقة لاستغلال حقل الغاز الفلسطيني الرئيسي هذا العام)، كما اتهمت فلسطين تل أبيب بتحريك الجدار العازل لاحتكار موارد الطاقة في الضفة الغربية. ومع تضاؤل الأمل في التوصل إلى حلٍ للصراع الأكثر تجذراً في المنطقة، تنعدم الفرصة تقريباً أمام الفلسطينيين في تقاسم عائدات الاستغلال الإسرائيلي لهذه الموارد.

النفط يتفوق على التحالفات

بالنسبة لإسرائيل، يبدو أن أهمية أمن الطاقة يقوم مقام المواقف السياسية العلنية. فمنذ سنوات، كانت اسرائيل تشتري النفط العراقي الكردي بالرغم من احتمال أن يؤدي ذلك إلى إثارة غضبٍ عراقي.

وبصفتها مستورداً كبيراً للطاقة ومركزاً رئيسياً لتدفقات الغاز بين آسيا الوسطى وأوروبا، بدت تركيا دائماً خياراً منطقياً بالنسبة لصادرات الطاقة الإسرائيلية. ومع ذلك، حدّت العلاقات المتقلبة بين الدولتين من القدرة على تحقيق دخلٍ من احتياطيات الغاز الإسرائيلية في السنوات الأخيرة. فقد أدى الهجوم الذي وقع عام 2009 من قِبل الاسرائيليين على أسطولٍ من السفن التي حملت على متنها نشطاء أتراك يهدفون إلى تقديم المعونة الإنسانية في محاولةٍ لكسر الحصار الاسرائيلي على غزة، إلى تدهور العلاقات وأنهى عقوداً من التعاون الوثيق بينهما. وعلى الرغم من أن التوترات قد خفت حدتها نوعاً ما منذ ذلك الحين، إلا أن رئيس تركيا رجب طيب أردوغان ينتقد بشدة احتلال إسرائيل لفلسطين، ولا تزال التوترات تشتعل بين الحين والآخر بسهولة بين تركيا وإسرائيل.

نعمة ونقمة؟

إن اكتشاف الهيدروكربونات في المشرق يمنح حكومات المنطقة إمكانية الحصول على ثروةٍ كبيرة، إلا أنها قد تكون أيضاً كنزاً ملعوناً، ذلك أن الجشع يشعل التوترات الإقليمية. ولربما يأتي أفضل أملٍ بالتوصل إلى نتيجةٍ إيجابية من أكبر عملاء المنطقة مستقبلاً: أوروبا. فالاتحاد الأوروبي يمتلك جميع الأسباب التي تدفعه إلى الرغبة في استغلال احتياطي النفط والغاز في المشرق بنجاح، وبوجود كادرٍ من الدبلوماسيين المتمرسين، سيكون الاتحاد الأوروبي قوةً فعالة في تهدئة الخلافات حول ملكية الهيدروكربونات.

ولكن، مع وفرة الغاز الرخيص من الولايات المتحدة وروسيا، لا تعلق أوروبا آمالها على الطاقة من البحر المتوسط، وقد تكون العقبات التي تحول دون حصولها على الغاز تجارية بقدر ما هي سياسية. ففي النهاية، الوقت وحده كفيلٌ بالكشف ما إذا كانت الاحتياطيات أسفل البحر الأبيض المتوسط صندوق باندورا (صندوق الشرور) أم طريقٌ للسلام.