
في مقطع فيديو حصل على ما يقرب من عشرة ملايين مشاهدة على موقع يوتيوب، يُظهر إعلان موسيقي ترويجي لمسلسل تلفزيوني عراقي يُحاكي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” الجماعة المسلحة وهي تخرج إلى العلن نتيجة تزاوج الشيطان وعروس إسرائيلية، ويظهر في المشهد أحد رعاة البقر الأمريكيين يحتسي الويسكي.
يعتبر مسلسل دولة الخرافة، الذي تكلف إنتاجه 600 ألف دولار وعرض على قناة العراقية التي تمولها الدولة، واحداً من العديد من المسلسلات التهكمية التي تسخر من تنظيم داعش، الذي ظهر في العالم العربي في السنوات الأخيرة. وأشار هذا المقطع، على وجه الخصوص، إلى نظرية المؤامرة المنتشرة في الشرق الأوسط إلى حدٍ كبير، والتي تقول أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وقطر وراء ظهور داعش، بالرغم من أنّ منتجي البرنامج نفوا في وقتٍ لاحق هذه الفرضية في أعقاب تشكيل التحالف الدولي لمحاربة الجماعة المتطرفة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
تُنتج بعض المقاطع الكوميدية باحترافية من قِبل شبكات التلفزيون الرئيسية، إلا أنّ البعض الآخر ينتجه نشطاء بميزانيةٍ متواضعة. وغالباً ما يصورون مقاتلي داعش وقيادتهم كمنافقين أو أغبياء متلعثمين أو كليهما، كما يصوّر الكثير منهم العلاقة الودية للتنظيم باسرائيل. (أنتجت إسرائيل المقاطع الخاصة التي تسخر من “داعش“).
وفي مشهدٍ من البرنامج الكوميدي اللبناني بس مات وطن (تلاعب على الكلمات إما يعني ابتسمات وطن أو عندما مات الوطن)، يُظهر زوجان مسيحيان يتمكنان من الفرار من نقطة تفتيش لداعش دون التعرض لأي أذى بعد أن يتلو الزوج آياتٍ من الإنجيل ويخدع الجهاديين بظنهم أنها آيات من القرآن الكريم. وعندما تسأله زوجته كيف عرف أن الخدعة ستنجح، يُجيبها الرجل بأنّ أي شخصٍ يرتكب مثل هذه الأعمال التي يرتكبها داعش، لا يعرف الكثير عن القرآن.
وبالمثل، تُظهر إحدى الحلقات الرائجة من المسلسل الفلسطيني الكوميدي وطن ع وتر، نقطة تفتيش لداعش يعدم المسلحون فيها مسلماً بسبب مخالفاتٍ بسيطة، فيما يتجادلون بينهم من سيقتل مسيحي إلى أن يموت بنوبة قلبية، وثم يرحبون بابتهاج بإسرائيلي يهودي يتكلم الانجليزية.
وفي مشهد مصور لمجموعة من النشطاء السوريين الذين يعيشون في تركيا يظهر زعيم داعش، أبو بكر البغدادي وهو يحتسي الكحول ويدخن السجائر ويرسل صور “سيلفي” إلى إحدى الفتيات عبر تطبيق وآتساب ويستمع إلى موسيقى البوب، قبل أن يرسل مجنداً مغربياً متحمساً للشهادة في مهمةٍ إنتحارية ضد وحدةٍ للجيش السوري الحر بإخباره أن الجنود هم في الواقع اسرائيليون. فقد خاطر النشطاء بحياتهم لإنتاج هذا المشهد المصور، واضطروا إلى الانتقال من مكان إقامتهم بعد تلقيهم تهديداتٍ بالقتل من أنصار داعش في تركيا.
وقال أحد أعضاء الفرقة الكوميدية، وهو مؤيدٌ سابق لجماعة إسلامية أخرى في سوريا، لقناة الجزيرة أن العديد من أصدقائه انضموا إلى داعش، ورأى أن التهكم هو الوسيلة الأمثل لإقناعهم بإعادة النظر في انخراطهم في صفوف التنظيم. وقال “يمكن انقاذهم.” وأضاف “علينا أن نمنحهم الوقت للاختيار وللفهم. علينا أن نستمع لبعضنا البعض، نحن بحاجة إلى الكتب، وبحاجة إلى التلفزيون، نحتاج إلى المزاح.”
كما تلقى الكوميدي السعودي ناصر القصبي أيضاً تهديداتٍ بالقتل بسبب مسلسله المناهض لداعش عام 2015، والذي حمل عنوان سيلفي، الذي عرض في شهر رمضان وحظي بمتابعة كبيرة.
وكان قد صرح لقناة العربية الإخبارية أنّ التهديدات لن تردعه. وأضاف “الله هو الحامي، أنا فنان، ومهمة الفنان الرئيسية الكشف عن التحديات التي تواجه المجتمع حتى وإن دفع الثمن.” وتابع، “تحذير الناس من [داعش] هو الجهاد الحقيقي، لأننا نقاتلهم بالفن وليس الحرب.” ويقول العديد من الكوميدين الذين يسخرون من داعش أنّ لديهم مهمة سياسية تتمثل في محاربة رسالة التنظيم من خلال الإشارة إلى التناقضات في أيديولوجيتهم وإظهار سخافة مؤيديهم.
كما أيد البعض خارج الشرق الأوسط هذا النهج. ففي جلسة استماع في الكونغرس عام 1916 في الولايات المتحدة، اقترح بونو، المغني الرئيسي لفرقة U2 للروك، بأن ترسل أمريكا الكوميدين لمحاربة داعش. وقال “أول من طرد أدولف هتلر من ألمانيا كان الدادائية والسرياليون.” وأضاف “يشبه هذا تحدثك بلغة العنف، تتحدث بلغتهم. ولكنك تضحك عليهم بمشيتهم العسكرية بخطوة واحدة في الشارع وهذا يسلبهم قوتهم. لذا أنا أقترح أن يرسل مجلس الشيوخ إيمي شومر وكريس روك وساشا بارون كوهين، شكراً لكم.”
ومن المؤكد أن بعض المقاطع الكوميدية التي تسخر وتتهكم على داعش حظيت بنجاح تجاري في الشرق الأوسط، إلا أن من غير الواضح مدى تأثيرها على جهود تجنيد التنظيم. فقد كانت هناك بحوث محدودة حول آثار الرسائل المضادة للإعلام في منع الناس من الانضمام إلى الجماعات المتطرفة.
ووجدت دراسة حديثة أجرتها “شراكة من أجل الصراع والجريمة وبحوث الأمن في باث” في المملكة المتحدة أن “النظرية القائلة بأن الرسائل والأساطير والوعود والأهداف والفتن والإغراءات الأخرى التي يتم نشرها عن طريق سرد [المتطرفين العنيفين] يمكن استبدالها أو تفكيكها، بواسطة مجموعة بديلة من الاتصالات، هي افتراضٌ لا يزال غير مؤكد… وعلاوة على ذلك، فإن الأدلة المتاحة للجمهور، بخلاف دراسات الحالة المعزولة، غير قادرة حالياً على إثبات ما إذا كان السرد المضاد يؤثر تأثيراً إيجابياً على الجمهور المستهدف.”
ولكن أشارت الدراسة أيضاً إلى وجود أدلة على وجود برامج تلفزيونية ساعدت في تعزيز التغيير الاجتماعي. ففي أحد الأمثلة على ذلك، تم تصنيف مسلسل درامي أنتج عام 1995 من قبل المؤسسة الدولية الخيرية للتنمية، البحث عن أرضية مشتركة، عن قبيلتي الهوتو والتوتسي المتجاورتين، بما نسبة 82% من المستطلعين الذين شملتهم الدراسة، بأنه ساهم في عملية المصالحة بعد أعمال الإبادة الجماعية في رواندا.
وقال دانيال ألدريتش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة نورث إيسترن في بوسطن في الولايات المتحدة، الذي قيّم مشروعاً للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) يهدف إلى منع التطرف العنيف في مالي عبر البرامج الإذاعية، أنه لم يكن على علمٍ بأي بحثٍ تجريبي حول مدى فعالية الكوميديا في مكافحة الرسائل المتطرفة. بيد أنه قال أنه يعتقد أن هذا النهج قد يكون ناجحاً.
وقال “يمكنني أن أرى قيمة في الكوميديا، لأنها تتناول رسالة خاطئة موجهة من الكراهية والعنف وتعكسها لتصبح ساخرة وتهكمية.” وأضاف “تمتلك الفكاهة قوة خاصة لتقويض الأيديولوجيات مثل الفاشية والكراهية، كما رأينا عبر الأعمال الثقافية الشعبية جداً مثل هجوم تشارلي شابلن على أدولف هتلر في الدكتاتور. فالأدب والمسرحيات والفكاهة، جميعها طرق فعالة لمواجهة الرسائل، نحن بحاجة فقط إلى إجراء المزيد من البحوث حولها.”