وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إعادة إعمار غزة: تعهدات دولية و قيود

ىلى الرغم من الوعود الدولية بإعادة إعمار غزة، إلا إنه لا تزال هناك بعض التحديات التي يمكن أن تعيق عملية 2014 الاعمار والتي ظهرت في منتصف شهر أكتوبر

Shuja'iya neighbourhood east of Gaza City, October 2014 / Photo SIPA Press
حي الشجاعية شرق مدينة غزة, تشرين الأول/أكتوبر 2014 /Photo SIPA Press

انتهت عملية “الجرف الصامد” ضد حماس في قطاع غزة في 26 أغسطس 2014، ولكن بالرغم من مضيّ شهرين إلا أنّ أثارها لا تزال جلية، حيث تسببت آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية بخسائر بشرية واقتصادية ومادية جمة لسكان القطاع. ووفقاً لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الذي نُشر بتاريخ 4 سبتمبر 2014 بعنوان “أزمة غزة”، تم تدمير ما يقارب 18,000 منزل بشكلٍ كليّ أو جزئي مما أدى إلي تشريد نحو 108,000 فلسطيني. طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس من الدول المانحة التبرع بما لا يقل عن 4 مليار دولار لإعادة إعمار غزة.

“مؤتمر إعمار غزة” و التعهدات الدولية

في ضوء الحاجة الملحة لإنقاذ الوضع الإنساني في غزة، ناشدت السلطة الفلسطينية والمنظمات الدولية الأخرى، وعلى رأسها الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا“، مجتمع المانحين عبر “نداء استغاثة” تقديم مساعداتٍ عاجلة لغزة وإعادة إعمارها. وصرّح عدنان أبو حسنه، المتحدث الرسمي للأونروا أثناء مقابلته مع موقع فاناك، أن الوكالة ناشدت الدول المانحة تقديم مساعدات تصل قيمتها الإجمالية إلى 1,6 مليار دولار، وأضاف أن “الأونروا” لا تزال تقدم مساعدات لنحو 52,000 نازح تم تشريدهم من منازلهم ويُقيمون حالياً في المدارس التابعة للوكالة.

استضافت جمهورية مصر في 12 أكتوبر 2014 “مؤتمر إعادة إعمار غزة” بمشاركة وفود نحو خمسين دولة، وثلاثين وزير خارجية، وعشرين منظمة إقليمية ودولية، فضلاً عن حضور شخصيات دولية رفيعة مثل جون كيري وزيرالخارجية الامريكي، وكاثرين أشتون الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة المفوضية الأوروبية ، وبان كي مون الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة. وخلال المؤتمر، ألقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خطاباً شدد فيه أنه لا بديل عن التسوية الشاملة العادلة للقضية الفلسطينية واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني.

وفي نهاية المؤتمر حصل الفلسطينيون على تعهدات دولية بتمويل مشاريع اعمارية وإنسانية في القطاع، حيث بلغ إجمالي المساعدات التي تعهدت بها الدول المانحة نحو 5,4 مليار دولار.
وجاءت أبرز التبرعات المعلنة في المؤتمر من دول الخليج والدول الغربية، حيث تعهدت قطر على لسان وزير خارجيتها خالد العطية، تقديم مساعدات تقدر بمليار دولار، في حين تعهدت الكويت تقديم 200 مليون دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وأعلنت الإمارات العربية عن تقديمها 200 مليون دولار، أما المملكة العربية السعودية فتبرعت بنصف مليار دولار.

وفي نفس الاتجاه أعلن جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، أنّ بلاده ستقدم 212 مليون دولار كمساعدات إضافية للفلسطينيين. في حين أعلن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير تقديم ألمانيا 50 مليون يورو (ما يعادل 63 مليون دولار) كما صرّح “أن من غير المقبول التسليم بالوضع الراهن في غزة، إذ لا يرغب أحد في إعادة بناء بنية تحتية جديدة ليراها تتعرض للتدمير مجدداً بعد فترة قصيرة” وقال وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أن بلاده ستقدم 30 مليون يورو (37,8 مليون دولار) لتنفيذ مشاريع في القطاع حتى عام 2017، بينما أعلنت وزيرة خارجية إيطاليا فريدريكا موغيريني أن بلادها ستقدم 18,7مليون يورو (22,7 مليون دولار) على الفور لجهود إعادة إعمار غزة، بالإضافة إلى تخصيص 30 مليون يورو (37,8 مليون دولار) من أجل الهدف ذاته في وقت لاحق لم تحدده، وأخيراً قال ديزموند سوايني، وزير الدولة البريطاني للتنمية الدولية، أنّ حكومته ستقدم 32 مليون دولار كمساعدات لإعادة إعمار غزة.

معابر غزة وتسهيلات إسرائيلية جديدة

Madi Hasanein and his family are sitting in what remains of their house which was destroyed during the war, Gaza City, October 2014 / Photo Corbis

في ظل الجهود الدولية الرامية للإسراع في عملية إعادة إعمار غزة، تم التوصل إلى اتفاق ثلاثي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والأمم المتحدة للبدء في إدخال مواد البناء الضرورية إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، حيث اشترطت إسرائيل مراقبة تفاصيل إدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، واتفق الطرفان على خضوع جميع المواد التي سيتم إدخالها إلى القطاع لتفتيش دقيق.

على صعيد آخر، منحت إسرائيل خلال شهر أكتوبر 2014 بعض التسهيلات الجديدة للغزيين حيث سمحت لنحو 1500 غزي ممن تتعدى أعمارهم 60 عاماً السفر عبر معبر ايرز للصلاة بالمسجد الأقصى في القدس خلال عيد الأضحى. وحسب بيانٍ صحفي لحسين الشيخ، رئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، ذكر فيه أنّ إسرائيل أعطت موافقة مبدئية لإصدار5000 تصريح عمل للفلسطينيين في غزة. بالإضافة إلى ذلك، سمحت اسرائيل أيضاً لمزارعي غزة بتصدير بعض المنتجات الزراعية إلى الضفة الغربية. ومن الجدير بالذكر أنّ إسرائيل تتبع سياسة تخفيف القيود على غزة لتجنب تأزم الأوضاع الأمنية على الحدود الإسرائيلية مع القطاع، ومع ذلك، وفقاً لمسؤولين في غزة، منعت السلطات الاسرائيلية في 14 أكتوبر تصدير البطاطا الحلوة والتمور من غزة إلى الضفة الغربية.

القيود الدولية والصراع على السلطة

على الرغم من الوعود الدولية بإعادة إعمار غزة، إلا إنه لا تزال هناك بعض التحديات التي يمكن أن تعيق عملية الاعمار والتي ظهرت في منتصف شهر أكتوبر 2014. طالبت الدول المانحة كل من الفلسطينيين والإسرائيليين التوصل إلى هدنة دائمة وثابتة، وعودة السلطة الفلسطينية لتولي زمام الأمور في القطاع، وذلك لضمان ممارسة حكومة الوفاق الوطني أعمالها بحرية داخل القطاع وعلى جميع المعابر. إلى جانب ذلك، طلبت الجهات المانحة أيضاً إشراف الأمم المتحدة على صرف المنح، مما أثار مخاوف الفلسطينيين بعدم إيفاء بعض الجهات المانحة بتعهداتها، حيث لم تستلم السلطة الفلسطينية بعض المعابر الرئيسية للقطاع حتى تاريخ 20 أكتوبر 2014، ولا تزال هناك أيضاً بعض الخلافات العالقة بين السلطة الفلسطينية وحماس بشأن عودة السلطة إلى القطاع. وكان من المفترض أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة تلك المعابر منذ 12 أكتوبر 2014 بعد زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني إلى قطاع غزة، وكان ماهر أبو صبحة، مدير عام المعابر في قطاع غزة قال في تصريح سابق أن الأخبار التي يتم تداولها عن تسلم السلطة الفلسطينية بأجهزتها الأمنية للمعابر “لا تمت للواقع بصلة ولم يتم الاتفاق على هذا الأمر بتاتاً ولم يتم ابلاغنا بذلك”

وفي هذا الصدد دعت آمال حمد، عضو اللجنة المركزية بحركة فتح، حركة حماس تسليم السلطات والمهام إلى حكومة الوفاق الوطني وذلك من أجل عدم إعاقة مشاريع الاعمار في غزة. في المقابل، صرح القيادي في حركة حماس يحيى موسى عبر مقابلة له مع موقع فاناك أن حماس لا يوجد لديها أي مانع بالتعاون مع حكومة الوفاق الوطني من أجل إعادة إعمار غزة ولكنها ترفض أي شروط إسرائيلية ودولية تقيد حركة الفلسطينيين على المعابر. ومن الجدير بالذكر أنّ مصر ترفض فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين، إذ تصّر على تولي حرس الرئاسة الفلسطيني الأمن في المعبر، الأمر الذي يزال مصدراً للخلاف بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس.