القرار الصادر من قبل المحكمة الإدارية الأوروبية العليا بتاريخ 17 ديسمبر 2014، ومقرها لوكسمبورغ، برفع اسم حركة حماس من القائمة الأوروبية للمنظمات الإرهابية، أعتبر ليس فقط لدى العديد من صناع القرار السياسي في دول الغرب بالمفاجئ، وعليه تم إصدار مواقف سياسية عدة من قبل أمريكا وكندا وإسرائيل وغيرهم بالتراجع عن القرار، وأنما تم وصفه ايضاً من قبل الكثير من الصحفيين الغربيين بأنه “قرار استند على القانون وتناسى العقل”. قرار المحكمة استند على أن تصنيف حركة حماس على قائمة المنظمات الإرهابية (الذراع العسكري عام 2001، والذراع السياسي عام 2003) لم يكن قانونيا، وإنما تم إعتماداً على افتراضات ترددت في وسائل الإعلام، ولم تكن هناك أدلة وبراهين موثقة.
حركة حماس أثنت على القرار واعتبرته تصحيح لموقف تاريخي خاطئ من قبل الإتحاد الأوروبي كما جاء على لسان نائب رئيس الحركة في قطاع غزة السيد اسماعيل هنية. في حين أعرب عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق في بيان عن شكره للمحكمة الأوروبية على قرارها, واعتبره “انتصاراً لكل المؤيدين لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة، ولكل أنصار التحرر والخلاص من كل أشكال الاستعمار”.
من الواضح أن حركة حماس لم تفهم القرار بشكل كامل، حيث أن قرار المحكمة أعطى مهلة للإستئناف وتصححيح الخطوات الاجرائية بمدة لا تتجاوز الثلاث شهور، وهذا ما يفسر صيغة القرار بإبقاء الوضع على ما هو عليه بما فيها تجميد أموال الحركة، إلى حين البت في أي استئناف يقدم للمحكمة. في هذا السياق لم تنتظر مفوضة السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي، السيدة فيديريكا موغيريني، فترة الثلاث شهور اصدرت موقف واضح وصريح قبل انتهاء متصف المدة بأن المفوضية الأوروبية سوف تستأنف القرار وسوف تقدم الأدلة المطلوبة لذلك.
كان من الواضح للمتتبع للأمر بأن موقف قيادة حماس تجاه القرار الأوروبي ينم على عدم ادراك كامل لما تحمله هذه الفرصة الذهبية من ناحية، بالاضافة الى عدم فهم طبيعة السياسات الأوروبية تجاه المنطقة بشكل عام وخاصة إسرائيل، وماهية الموقف السياسي تجاه حركة حماس بشكل خاص.
تصنيف حركة حماس على قائمة المنظمات الإرهابية
في البداية يجب الإقرار بأن القرار الذي اتخذ منذ حوالي إثنا عشر عاماً تجاه الذراع السياسي لحركة حماس كان سياسياً بإمتياز، وتم تمريره أثناء رئاسة ولاية برلسكوني للترويوكا الأوروبية عام 2003، وكان السبب المباشر وراء هذا التصنيف هو إستمرار العمليات الإستشهادية لأفراد من الجناج العسكري لحركة حماس بعد إندلاع الانتفاضة الثانية.
من الجدير بالذكر هنا التنويه بأنه قبيل دخول حماس للعملية السياسية والانتخابات التشريعية الفلسطينية إتخذت حماس عام 2005 قرار إستراتيجي بوقف العمليات الإستشهادية ضد إسرائيل بعد تدخل قطر وسيطا في هذا الامر. وقف العمليات الإستشهداية في الداخل الإسرائيلي لم يكن كافيا لدى صناع القرار الأوروبي لرفع حركة حماس من قائمة المنظمات الإرهابية، حيث تم إقرار شروط ثلاث من قبل الرباعية الدولية ومنها الإتحاد الأوروبي، سميت فيما بعد بشروط الرباعية الثلاث، التي تم إقرارها بعد تشكيل حركة حماس الحكومة العاشرة بداية عام 2006.
الشروط الثلاث تحدثت عن الإعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ونبذ العنف، والإعتراف بالاتفاقيات السابقة مع إسرائيل كشروط مسبقة للتعامل مع حركة وحكومة حماس. من جانبها تعاملت حماس مع الشروط بنوع من الإيجابية ولكن بشكل ملتوى، يُمكنها فيما بعد للتراجع عن هذه المواقف إن أرادت ذلك، حيث تمت الموافقة على دولة على حدود 1967، مما يفهم ضمنيا إمكانية وجود دولة آخرى بعد حدود 1967.
وتم تأييد كل أنواع المقاومة مع التفضيل للمقاومة السلمية، مما يفتح الباب مرة آخرى للعود للعمليات المسلحة، وتم إحترام وليس القبول بالإتفاقيات السابقة مع إسرائيل، مما يفتح الباب أمام الإعتراف ببعضها ورفض الآخر. المراقب للأمر يجد بأن موقف حماس هذا متقدم وبه نوع كبير من الليونة مقارنة لمواقفها في السنوات التي سبقت دخولها الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة. هذا الموقف الذي تم تثبيته بشكل رسمي بوثيقة الوفاق الوطني الموقعة من جميع الفصائل الفلسطينية في صيف عام 2006 لم يقابله خطوات إيجابية أو ليونة من قبل الأتحاد الأوروبي.
على صعيد آخر أعتبر عدد من السياسيين الأوروبيين بأن الموقف السياسي الأوروبي بتصنيف حركة حماس على قائمة الأرهاب كان خطأ، والخطأ الآخر تمثل في مقاطعة الحكومة العاشرة التي رئستها حماس بشكل كامل، إذ أن إمكانية الضغط على حماس سياسيا أصبح معدوماً بسبب عدم وجود علاقات سياسية بين الطرفين. هذه الرؤية خاصة من قبل شخصيات برلمانية في الإتحاد الأوروبي وكلا من الحكومة السويسرية والنرويجية الغير منطويات تحت سقف الإتحاد الأوروبي اعتمدت في موقفها بأن حماس هي إحدى إذرع الأخوان المسلمين في العالم ذات اللأيدولوجيا المعروفة وبالتالي تختلف بشكل كبير عن المنظمات الأرهابية مثل القاعدة وطالبان وتنظيم الدولة الاسلامية المعروف بأسم “داعش”. الموقف الرسمي لحركة حماس تجلى في رؤيتها في إعطاء الأولوية لإنهاء الاحتلال.
وتعتمد هذه الرؤية على أن المقاومة هي حق مشروع للشعب الفلسطيني، فطالما أن هناك احتلالاً، فالقوانين والشرائع الدولية تعطي الحق في مقاومة الاحتلال. علاوة على ذلك التزمت حماس في إبقاء ساحة الصراع في الحدود الفلسطينية ولم يسجل عليها يوماً إستخدام دول الخارج لعملياتها العسكرية ضد أهداف إسرائيلية. يسجل ايضاً لصالح حماس التزامها بالهدن التي تم الإتفاق عليها بالوساطة المصرية عىلى مدى السنوات الماضية.
سياسة الإتحاد الأوروبي
هذه المواقف معروفة لدى أوروبا، ومعروف لدى أوروبا ايضا بأن المجتمع الفلسطيني بأكمله ينظر الى حماس كونها حركة تحرر وطني ذات صبغة دينية، تتقارب في نهجها نهج الاحزاب السياسية المحافظة في أوروبا، حيث أن البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي المعلن من قبل حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية لعام 2006 والذي يبتعد بشكل كامل عن ميثاق حماس لعام 1988، لم يخرج بأي حال من الاحوال عن البرامج التي تطرحها الاحزاب الديمقراطية في المجتمعات الأوروبية. هنا يطرح السؤال نفسه: هل تختبئ أوروبا خلف السياسات الأمريكية، خاصة وأن الولايات المتحدة صنفت حركة حماس بشقيها السياسي والعسكري عام 1996، أم تحاول إيجاد سياسة خاصة بها.
على الرغم من وجود العديد من الاصوات التي تتهم أوروبا بأنها تمشي خلف الولايات المتحدة في سياساتها تجاه الشرق الأوسط، إلا أن هناك اصوات تتبنى وجهة نظر آخرى تعتبر ذلك الاتهام مبالغ فيه وغير موضوعي. بدون أدنى شك لأوروبا سياساتها الخاصة بها والتي ليست بالضرورة تتقاطع جميعها مع
السياسات الأمريكية ومنها فيما يتعلق بالسياسات الخاصة بالشرق الاوسط.
يلمس الممتبع للشأن الأوروبي بتغيير بطيء ولكنه واضح نحو الاعتدال في الموقف الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية، ومن الملاحظ وجود مواقف تعبر عن وعي أفضل لحقائق الصراع مع طبيعة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة عند الأخذ في الإعتبار للحراك الدبلوماسي لعدد من الدول الأوروبية بخصوص الإعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو من وجهة نظر فلسطينية مؤشر إيجابي يبعث على التفاؤل للعب دور مختلف من قبل أوروبا مقارنة بالموقف الأمريكي.
أوروبا تنظر الى ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من وجهتين مختلفتين: لو كان هناك إمكانية وتوجه حقيقي لحل الصراع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ترى أوروبا أنه سيكون لازماً إشراك الطرف الثاني في المعادلة الفلسطينية، آلا وهوحركة حماس ومؤيديها، إذ لا يمكن عقد إتفاقية سلام نهائية بين طرفي الصراع لو كان هناك نسبة كبيرة من الشعب الفلسطيني معارض ولم يتم إشراكه لمثل هذه الإتفاقية.
وجهة النظر الآخرى متعلقة بفرضية الإبقاء على إدارة الصراع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وبالتالي لا حاجة في مثل هذا الوقت لإدماج حماس في المعترك السياسي. بغض النظر عن الفرضيتين هناك إقتناع داخل أورقة صناعة القرار السياسي الأوروبي بأن حركة حماس لن تندثر ولن تتبخر في الهواء، وستبقى قوة سياسية وإجتماعية مهمة داخل المجتمع الفلسطيني. السؤال المحوري يتلخص في كيفية إدماج الحركة الإسلامية وحملها على أخذ خطوات براغماتيه تتقارب في نهجها نهج الاحزاب السياسية المحافظة؟
هذه المعضلة تحتاج الى تقارب بين الطرفين. فلغاية اليوم لم تستغل قيادة حركة حماس نافذة الثلاث شهور المقدمة من قبل المحكمة ولم تتحرك بإتخاذ خطوات سياسية تمنع من إعادة تثبيت الحكم بإبقاء الحركة على قائمة المنظمات الارهابية، لإعتقاد خاطئ عند البعض من قيادة الحركة بأن موضوع الإستئناف على قرار المحكمة من قبل المفوضية الأوروبية هو مجرد إجراء قانوني، وليس بالضرورة أن محكمة العدل العليا سوف تلغي القرار، وتعيد إدراج حماس في قائمة التنظيمات الإرهابية.
هذا بالتأكيد تصور خاطئ من قبل بعض قيادة حركة حماس، إذ أن موقف المحكمة الأوروبية جاء بمثابة رسالة الى حماس خارج سياق مدلولها القانوني في هذه الفترة بالذات، والتي تمر بها الحركة في أصعب أوقاتها، وهي تعتبر خطوة لفتح الباب مؤقتاً أمام حركة حماس للدخول معها في حوار وإبداء مواقف سياسية براغماتية واضحة المعالم.
من ناحية آخرى يجب على صناع القرار في الاتحاد الأوروبي تليين الموقف أمام حماس وعدم الطلب منها الإنسلاخ من أيدولوجيتها وتشجيعها لأخذ خطوات متقدمة تساهم في إيجاد مخرج سلمي لحالة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.