وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حزب الله في لبنان، ما بين مطالب الثوار والدعم الإيراني

حزب الله
متظاهرون لبنانيون يشتبكون مع قوات الشرطة خلال مظاهرةٍ خارج مقر مؤسسة كهرباء لبنان في العاصمة اللبنانية بيروت في 11 يناير 2020. Photo: ANWAR AMRO / AFP

في 17 أكتوبر 2019 اندلعت انتفاضة شعبية كبيرة في لبنان طالبت بإصلاحاتٍ اقتصادية وسياسية وتغيير النظام الحاكم، الذي بُني على محاصصة دينية رسخت قواعد الطائفية والفساد. كما طالب الثوار بإبعاد لبنان عن التدخلات الخارجية التي لطالما كانت سبباً رئيسياً في تدهور أوضاعها الاقتصادية- الاجتماعية والاقتصادية. وفي القلب من كل ذلك كان موقف حزب الله، الحزب الشيعي السياسي القوي والجماعات المسلحة الذي يخضع بحكم بنيانه إلى حسابات أخرى تتعلق بصلته الوثيقة بالجمهورية الإسلامية في إيران ومشاريعها ومغامراتها الإقليمية.

حزب الله والثورة

تعامل حزب الله بدايةً مع مشهد خروج عشرات الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع والساحات بكثيرٍ من الحذر. ولكن، سرعان ما تحول الحذر إلى رفض ومواجهة، فالحزب لم يرِد تغيير الوضع السياسي القائم الذي يتمتع فيه بقوة ونفوذ كبير بالشراكة مع حلفاءه وفي مقدمتهم حركة أمل الشيعية والتيار الوطني الحُر المسيحي.

وفي نفس الوقت، كان هناك تخوف من مواجهة الحراك وتكرار سيناريو 7 مايو عام 2008، عندما سيطر الحزب على لبنان بقوة السلاح رداً على قرارات حكومية بمصادرة شبكة اتصالات حزب الله الخاصة وتغيير قائد جهاز أمن مطار بيروت، بسبب مزاعم بعلاقاتٍ تربطه بالحزب. أفقدت تلك الواقعة الحزب كثيراً من شعبيته داخل البلاد وجعلت سلاحه في دائرة الاستهداف الدائم بتهمة استخدامه داخلياً في السياسة وليس لحماية أمن لبنان كما يدعي دائماً.

كما كان هناك توجسٌ من الحزب حال معاداته للحراك منذ انطلاقه خوفاً من فقدان جزء كبير من شعبيته داخل بيئته الحاضنة المتمثلة في الطائفة الشيعية والتي خرج منها عدد ليس بقليل وفي أماكن نفوذ الحزب مثل محافظات النبطية وصور. ومن ناحية أخرى، رأى الحزب أن الحراك يمكن استخدامه في تحقيق بعض المطالب التي لا يرغب في الخوض فيها بنفسه مثل محاربة الفساد خوفاً على شراكته السياسية مع بعض التكتلات والأحزاب والقوى.

إلا أنه سريعاً ما تغير خطاب الحزب نحو الحراك على عدة مراحل. بدايةً، كان هناك رفضٌ صريح لبعض المطالب كالانتخابات البرلمانية أو الرئاسية المبكرة، مخوفاً من نشوب حربٍ أهلية. تلاها اتهام الحزب للحراك بتلقي أموال من السفارات الأجنبية، ودعوة كل جماهير حزب الله للانسحاب من الساحات والشوارع والخروج من الحراك بشكل نهائي. وأخيراً، الصمت عن الاعتداءات المتكررة من أنصاره على المتظاهرين ومحاولات فض الاعتصامات وغيرها من مظاهر العنف، وهو ما رآه الكثيرون أنه بدافع خوف حزب الله من تعالي المطالب بنزع سلاحه. بالإضافة إلى ذلك، دعم حزب الله حسان دياب، وزير التعليم السابق والأستاذ الجامعي، بعد تسميته رئيساً جديداً للحكومة، الأمر الذي يرفضه الحراك وترفضه كثير من القوى السياسية باعتبار أن هذا يمنح الحزب- وبالتالي إيران- سيطرةً أكبر على الحكومة في بيروت.

Hezbollah
أنصار حزب الله الشيعي يرفعون أيديهم تأييداً بينما يلقي زعيم الحزب خطاباً على الشاشة، في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت في 5 يناير 2020. Photo: ANWAR AMRO / AFP

في حديث لـفَنَك، يقول فواز طرابلسي، المؤرخ واستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت، إن “موضوع سلاح حزب الله لم يدخل مباشرة في هذا الحراك الشعبي؛ ما يدخل هو سياسات حزب الله الذي أعلن أمينه العام [حسن نصر الله] منذ الأيام الأولى تمسكه بالنظام والسلطة القائمة وبالحكومة وأثار الشكوك على الحراك لجهة تدخل جهات غربية وأمريكية فيه، داعياً جماهيره الى مغادرة الشوارع. ذلك أن جماهيره لم تقل شكوى من تردي الاحوال المعيشية والبطالة والفساد وقد عبّرت عن ذلك بأعنف تعبير خلال الايام الاولى من الانتفاضة. وكان الهاجس الأول لقيادة حزب الله هو ألا يتكرر في لبنان ما حصل في العراق من غضبة جماهيرية وانفكاك قطاعات واسعة من الشيعة عن الاحزاب الحاكمة.”

وأضاف: “يصعب اتهام حزب الله بأنواع الفساد التي مارستها سائر الطبقة الحاكمة، إلا أنه مسؤول بالتأكيد عن التغطية على تلك السياسات خلال السنوات الطويلة من مشاركته في الحكم. أضف الى ذلك أن الحزب لم يضع أي عقبة تذكر أمام الإجراءات النيوليبرالية التي أنجزت إلى الآن وهو الأخفض صوتاً في محاسبة القطاع المصرفي. فقد اقتصر برنامجه في المسألة الاجتماعية حتى الآن على شعارين: لا ضرائب على الفقراء (علماً ان الضرائب تطول فئات واسعة من ذوي الدخل المحدود والطبقات المتوسطة) واسترداد أموال الدولة المنهوبة.”

يختم قوله بـ”المهم في الأمر أن حزب الله الذي شنت وتشنّ اجهزته الإعلامية الحملات الاتهامية ضد الانتفاضة على اعتبارها ‘تتبع أجندات خارجية،‘ وأميركية خصوصاً، ها هو وحلفاؤه في الأغلبية النيابية قد اختاروا لتشكيل الحكومة نائب رئيس الجامعة الاميركية في بيروت [حسان دياب]، لتشكيل حكومةٍ جديدة.”

حزب الله وإيران

في الوقت نفسه، لا يمكن للمرء تجاهل تأثير علاقة حزب الله بالجمهورية الإسلامية في إيران على الشأن الداخلي اللبناني، فالحزب أعلن سابقاً على لسان رجله الأقوى وأمينه العام حسن نصر الله أن تمويله ورواتب مقاتليه وصواريخه وعتاده العسكري بالكامل يأتي من طهران. تلك التبعية لإيران تؤثر على بيروت وفي القلب منها حراكها من عدة جوانب، أولها أن أحد مطالب الحراك هو وقف التدخلات الأجنبية التي يستتبعها التلاعب بالشأن اللبناني، ثانيها تأثير تلك التبعية على الأوضاع الاقتصادية اللبنانية من جرّاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على الحزب والقطاع المصرفي اللبناني كجزء من العداء الأمريكي لإيران، ثالثها وأهمها هو تورط لبنان في الصراعات الإقليمية التي تخوضها إيران في كل من العراق وسوريا ومع إسرائيل وهو ما كان أحد جوانبه الدمار الذي لحق بلبنان خلال حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، تلك الحرب التي قال عنها قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في حوار قبل اغتياله من قبل الولايات المتحدة في غارةٍ جوية في 3 يناير 2020، أنه كان المشرف الأول عليها.

فقد اتضح تضارب المسألتين عقب اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، حيث أعلن نصر الله، الأمين العام للحزب، خلال كلمته في حفل تأبين سُليماني أن الحزب وباقي القوى الموالية لطهران –والتي اسماها بقوى المقاومة –مسؤولون عن الرد على عملية الاغتيال. ورغم انفراد طهران بذلك الرد من خلال القصف الصاروخي الذي استهدف القاعدة العسكرية الأمريكية في العراق، إلا أن انحياز الحزب بات واضحاً، وهو الاستمرار في تعامل الحزب كذراع عسكري للجمهورية الإسلامية في إيران وتغليب تلك التبعية على المصالح اللبنانية السياسية والأمنية، حتى وإن لم يتورط حتى الآن بشكل مباشر.

يرى الكثيرون من الشعب اللبناني أن سلاح حزب الله هو الضمانة الوحيدة لأمن لبنان من خطر التدخل الإسرائيلي، نظراً لدور الحزب التاريخي في صد هذا الخطر بانسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني عام 2000، إلا ان آخرون يرون بأن هذا السلاح ومن خلفه إيران يُشكل تهديداً على الأمن والاستقرار في لبنان سواء من خشية استخدامه داخلياً مثلما حدث في 7 مايو عام 2008 أو خارجياً مثل التدخل في سوريا إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، الأمر الذي كان له آثار على لبنان بعمليات واستهداف من قبل الجماعات المسلحة. ورغم عدم وقوف حزب الله بشكلٍ رسمي أو عسكري في مواجهة الحراك، إلا أنه أعلن بوضوح أنه في حال تعارضه مع المصالح الإيرانية فإن انحيازه سيكون للأخيرة.