وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في تركيا، اندلاع العنف مع انتهاء الإضراب عن الطعام

Turkey- Abdullah Ocalan
محتجون يرفعون علامة النصر وصوراً لزعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، عبد الله أوجلان، في اسطنبول في 12 مارس 2018. Photo AFP

شنّ الجيش التركي، في 27 مايو 2019، عمليةً عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في منطقة هاكورك في شمال العراق، إلا أنها لم تكن مجرد عمليةٍ جوية من أجل التغيير، بل كانت أيضاً على ما يبدو عمليةً برية محدودة، حيث تم إنزال الجنود في الجبال الوعرة من المروحيات.

وقبل خمسة أيام، سمحت الدولة التركية للمحامين بزيارة الزعيم الكردي المسجون ومؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان؛ الزيارة الثانية من أصل زيارتين منذ عام 2011، مما أثار تساؤلات حول نوايا تركيا.

قوبلت زيارة المحامين إلى إمرالي، الجزيرة التي تضم سجناً في بحر مرمرة جنوب إسطنبول حيث سُجن أوجلان منذ إلقاء القبض عليه في عام 1999، بالارتياح من قِبل الحركة السياسية الكردية. فمنذ نوفمبر 2018، بدأ عدد متزايد من السجناء السياسيين الأكراد في إضراب عن الطعام بمطلبٍ واحد: كسر عزلة زعيمهم. كانت زيارة 22 مايو هي الثانية في ذلك الشهر، وبالتالي، حقق المضربين هدفهم. حصل ذلك في الوقت المناسب لأن صحة العديد من السجناء كانت تتدهور.

بعد أربعة أيامٍ من الزيارة، قال المحامون في مؤتمرٍ صحفي إن أوجلان يريد إنهاء الإضراب عن الطعام. فقد استخدموا الأيام الفاصلة للتشاور مع مجموعة من أصحاب المصلحة حول هذه المسألة: أجروا محادثاتٍ مع حزب الشعوب الديمقراطي، وهو حزبٌ يساري متجذر في الحركة السياسية الكردية، مع قيادة حزب العمال الكردستاني الميدانية في جبال قنديل في شمال العراق ومع ممثلين عن الإضراب عن الطعام في السجن. كانت ليلى جوفين، البرلمانية عن حزب الشعوب الديمقراطي، أهم المضربين الذين تحدث إليهم محامو أوجلان. بدأت جوفين إضرابها عن الطعام في أوائل نوفمبر 2018، عندما كانت لا تزال مسجونةً بتهم إرهابية غامضة، إلا أنه تم إطلاق سراحها في يناير 2019. ومباشرةً بعد المؤتمر الصحفي، أعلنت جوفين أنها ستستأنف تناول الطعام، وسرعان ما تبعها المضربون عن الطعام في السجن – ما لا يقل عن 3000 شخص في 92 سجناً في جميع أنحاء تركيا.

عملية التفاوض

جملةٌ واحدة في المؤتمر الصحفي لم تحظى باهتمامٍ كبير، رغم أنها كانت بالغة الأهمية. فقد قال المحامون: “كما فعل أثناء الاجتماع السابق، ذكر السيد أوجلان [لنا] أن الإذن بعقد هذه الاجتماعات لا يعني وجود عملية تفاوض.” بعبارةٍ أخرى، فإن عملية السلام بين الدولة التركية و حزب العمال الكردستاني، التي انتهت بعد عامين في ربيع عام 2015، لم تبدأ من جديد. الأمر ليس بهذه السهولة، فبعد انهيار العملية السابقة، أوضحت القيادة المشتركة لاتحاد مجتمعات كردستان- المنظمة الكردية الجامعة التي تضم حزب العمال الكردستاني – أنه ينبغي الوفاء ببعض الشروط الأساسية قبل أن يحدث ذلك: وقف إطلاق النار المتبادل، والمصلحة الحقيقية في حل القضية الكردية، ووجود طرف ثالث للإشراف على العملية.

لم تكن هناك أي مؤشراتٍ من الدولة التركية بأنها مستعدة للتفاوض، إذ لا يزال النشطاء الأكراد محتجزون، ولم يهدأ خطاب الحرب ولا يزال الزعماء السياسيون الأكراد المهمون – إلى جانب أوجلان – وراء القضبان، دون أي نهاية تلوح في الأفق لإنهاء سجنهم.

صدمة قوية

تتعلق أحد الأسئلة التي أثيرت حول التطورات التي تبدو متناقضة بمنح الأكراد حق الوصول إلى زعيمهم أثناء شن عمليةٍ عسكرية في أراضي حزب العمال الكردستاني – هو إلى أي مدى تأثرت هذه الخطوة بالإنتخابات. ففي 31 مارس، أجريت انتخاباتٌ محلية في تركيا، حيث تلقى حزب العدالة والتنمية التابع للرئيس رجب طيب أردوغان ضربةً قوية، إذ خسر مرشحو حزب العدالة والتنمية أمام مرشحي حزب الشعب الجمهوري المعارض في عدة مدنٍ مهمة، بما في ذلك العاصمة أنقرة وإسطنبول. رفض حزب العدالة والتنمية قبول الهزيمة في اسطنبول وقدم شكوى إلى اللجنة العليا للانتخابات. وفي نهاية المطاف، استسلم مجلس الإدارة لضغوط الحكومة وأعلن إجراء انتخاباتٍ جديدة في المدينة في 23 يونيو.

كان للأكراد أهمية حاسمة في نتائج انتخابات مارس وسيعودون مرةً أخرى إلى اسطنبول في يونيو. فقد قرر حزب الشعوب الديمقراطي عدم خوض الانتخابات في مارس، لكنه دعا مؤيديه بدلاً من ذلك إلى التصويت لصالح المعارضة، وهو ما فعلوه. وإذا ما تمكن أردوغان من كسر هذا التحالف العرضي بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي، فلربما سيكون قادراً على تقليص الهامش الصغير لمرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو لصالح مرشح حزب العدالة والتنمية، بن علي يلديرم.

إقصاء الأكراد

هل سيفي كسر عزلة أوجلان بالغرض؟ ليس بمعنى أن مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطي سيصوتون فجأة لصالح مرشح حزب العدالة والتنمية. ولكن بالمجمل، قد يشعرون بأنهم أقل إجباراً على التصويت، مما قد يؤثر سلباً على حزب الشعب الجمهوري. ولربما كان يحاول أردوغان أيضاً إثارة رد فعلٍ من إمام أوغلو، إذ إن الاتفاق على إنهاء عزلة أوجلان قد يثير غضب ناخبي حزب الشعب الجمهوري، وقد يؤدي الاختلاف إلى إقصاء الأكراد الذين صوتوا لصالحه. وعليه، قرر إمام أوغلو عدم الرد مطلقاً، وبدلاً من ذلك آثر التركيز على قضايا مثل ارتفاع الأسعار والبطالة وتكاليف النقل، وتمسك برسالته بالتماسك بين مجموعاتٍ المدينة المختلفة.

على صعيدٍ متصل، أنهت العملية العسكرية الأخيرة الشك في أن أردوغان كان يحاول كسب الناخبين الأكراد، بالرغم من أنها لربما لا تزال مرتبطةً بالانتخابات. ومن جهتهم، لا يدعم متشددو حزب الحركة القومية، الذين شاركوا في تحالفٍ مع حزب العدالة والتنمية لبعض الوقت، أي تقاربٍ مع حزب العمال الكردستاني. وبالرغم من ذلك، قد تُشجع الخشونة الظاهرية على “المنظمة الإرهابية الانفصالية،” كما يشار عادةً إلى حزب العمال الكردستاني في تركيا، القوميين على التصويت لصالح يلدريم على الرغم من وصول أوجلان مؤخراً إلى محاميه.

إن عملية “إقصاء حزب العمال الكردستاني بصفةٍ نهائية” من “الحدود والبلاد والمنطقة” لا تزال قائمة، وفقاً لوزير الدفاع خلوصي آكار. ومع ذلك، فإن فرصة إنجاز تركيا للمهمة هذه المرة تبدو ضئيلة. إذا ما كان الوصول إلى الجبال سهلاً، حيث أنشأ حزب العمال الكردستاني معسكراته منذ أوائل التسعينيات، وإذا ما كان بإمكان الجيش التركي التغلب على حزب العمال الكردستاني في بيئته الطبيعية، لكان قد فعل ذلك منذ فترةٍ طويلة. حتى أن أردوغان يعلم أنه لا يمكن حل النزاع عسكرياً وأن مكان حله ليس في الجبال بل على طاولة المفاوضات.

احتجاج الأمهات

ومع ذلك، إذا ما كان أردوغان غير مستعدٍ بعد، على ما يبدو، للتفاوض مع حزب العمال الكردستاني والحركة الكردية الأوسع، فلماذا إذاً كسر عزلة أوجلان؟ أولاً، لن تسير الأمور على ما يرام إذا ما توفي المضربون عن الطعام من الآن وحتى الانتخابات. ثانياً، إن مقاطع الفيديو التي انتشرت والتي تُظهِر التعامل الخشن لقوات الأمن مع الاحتجاجات في الشوارع التي تقودها أمهات النزلاء المضربين في بعض الأحيان، لا تخدم مصلحة أردوغان في بلدٍ تُقدس فيه الأمهات.

ثالثاً، والأهم من ذلك، يبدو أن أردوغان يحتاج إلى مساهمة أوجلان في حلٍ يحاول إيجاده للطريق المسدود في سوريا. ففي شمال وشمال شرق البلاد، تتولى وحدات حماية الشعب، القوات المسلحة الكردية التي تعتبر أيضاً أوجلان قائدها، المسؤولية. من جهته، لا يُريدهم أردوغان، الذي يعتبرهم إرهابيين، على حدوده فضلاً عن رفضه تمتعهم بأي سلطة في سوريا، وعوضاً عن ذلك، يريد السيطرة على أراضيهم أو على الأقل إنشاء منطقة تحت نفوذه، وهو ما لا يستطيع القيام به بسبب الوجود العسكري الأمريكي هناك. وإذا ما هاجم وحدات حماية الشعب، سيصطدم بجيش الولايات المتحدة، وهو أمرٌ غير وارد بين اثنين من حلفاء الناتو.

دورٌ إيجابي لأوجلان

في الآونة الأخيرة، أصبح من الواضح تواصل تركيا، وبشكلٍ أكثر تحديداً جهاز الاستخبارات الوطني التركي، مع وحدات حماية الشعب، تحت ضغطٍ من الولايات المتحدة. فقد سبق وقالت وحدات حماية الشعب مراراً وتكراراً إنها لن تقبل بالوجود التركي في سوريا. كما صرح أوجلان – الذي زُعم أنه تلقى زيارةً أيضاً من جهاز الإستخبارات التركي- بأنه مستعدٌ للعب “دورٍ إيجابي” في حل مشاكل سوريا. وفي بيانٍ صدر بعد زيارة المحامين الأولى في 2 مايو، أعلن أنه ينبغي “مراعاة الحساسيات التركية” في سوريا.

لا يمكن لأوجلان المعزول لعب أي دور؛ موقفٌ ينبغي على أردوغان تداركه. كما لا يمكن أن تكون حقيقة عدم احتمالية موت السجناء جوعاً وعدم تعرض الأمهات المحتجات للضرب سوى مكسبٍ إضافي. وفي نهاية المطاف، يبقى أن نرى ما إذا كان أوجلان قادراً على كسر الجمود في سوريا بما يرضي أردوغان.