أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في 8 مايو 2018، انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من خطة العمل الشاملة المشتركة، موفياً بإحدى تعهداته أثناء حملته الإنتخابية. كما وقّع مشروع قانونٍ لإعادة فرض العقوبات على إيران التي رفعت سابقاً كجزءٍ من الصفقة النووية. وقد أعلنت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) التزامها بالصفقة، وشجعت إيران على الوفاء بالتزاماتها، متعهدةً بإبقاء مردودات الصفقة قائمةً بالنسبة لطهران. وعلى الرغم من هذه التطورات، تظل خطة العمل الشاملة المشتركة جزءاً من السياسة الداخلية لإيران وستقوم على صياغة الكثير من تطوراتها في الأشهر والسنوات القادمة. إذاً، ما الذي يعنيه الانسحاب الأمريكي بالنسبة لإيران وكيف سيؤثر ذلك على المجال السياسي في طهران.
تم تفسير قرار ترمب بطريقتين، أولهما أنه يُلغي ببساطة أحد أهم إنجازات السياسة الخارجية لأوباما، وبالتالي، فإنه يهدف في النهاية إلى التوصل إلى صفقةٍ كبيرة مع إيران. ويفترض السبب الثاني أن ترمب ودائرته الداخلية مهووسون بإيران ويهدفون إلى تغيير النظام. بيد أن كلاهما يتفقان على أن إدارة ترمب تقوم بتشويه صورة إيران كطريقةٍ للضغط على اقتصادها والتأثير على مناقشاتها وتطوراتها السياسية والاجتماعية. ولذلك، بغض النظر عن عواقب قرار ترمب والطريقة التي يتم بها تفسيرها في طهران، يُعتقد أن العداء تجاه إيران بات يكتسب زخماً في واشنطن – كما صرح المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني. ويمكن تقسيم نتائج السياسة الأمريكية الجديدة تجاه طهران إلى ثلاثة مجالات رئيسية.
أولاً، من المرجح أن يعرقل الانسحاب الأمريكي سياسات روحاني ويضعف جهوده الداخلية. ففي حين صرّح خامنئي مراراً وتكراراً بأن الولايات المتحدة ليست جديرةً بالثقة، يتحمل المعتدلون اليوم مسؤولية “الثقة بالأميركيين.” بعبارةٍ أخرى، تُضر لعبة اللوم بالمعتدلين أكثر من أي وقتٍ مضى خلال السنوات الخمس الماضية.
ولتعويض ذلك، يجب على المعتدلين تبني نهج أكثر تشدداً أو البدء في إلقاء اللوم بأنفسهم. ويُشير مضمون تصريحات روحاني ووزير الخارجية محمد ظريف بعد خطاب الانسحاب إلى أنه قد تم بالفعل اختيار نهجٍ متشدد.
إلا أن طرح حقيقة أن خامنئي كان مدركاً تماماً، وبالتالي مسؤولاً عن الإتفاق، وأنه لم يكن خيار المعتدلين فحسب كما يُشير الشخصية الموثوقة ذات المصداقية، ناطق نوري، يدل على خيارٍ آخر. وعلى أي حال، بات المعتدلون اليوم أكثر ضعفاً مما كانوا عليه قبل الإنسحاب الأمريكي. والسؤال المطروح اليوم هو ما إذا كانوا سيضعفون النظام بشكلٍ أكبر أم سيحافظون على الوضع الراهن.
أما بالنسبة للمتشددين، فقد صب قرار ترمب في مصلحتهم. فلربما ساهم التمسك بالصفقة دون السماح بوقوع مسؤولية العوائد على طهران بإنقاذ سمعة إدارة روحاني. إلا أن الانسحاب مهد الطريق أمام حملةٍ سياسيةٍ وإعلامية ضد روحاني وغيره من المعتدلين. فروحاني، الذي يرزح بالفعل تحت ضغوطٍ هائلة، مُكلّفٌ بالدفاع عن حقوق إيران في المفاوضات مع مجموعة الدول الأوروبية الثلاث، وذلك استناداً لقواعد خامنئي الواردة في اجتماعه الرمضاني مع المسؤولين الإيرانيين. ومع انسحاب ترمب، يقوم خامنئي بتوجيه المشهد السياسي في إيران بينما يقوم فريق روحاني بالقيام بما يراه ضرورياً، دون مواجهة أي تحدٍ.
وثانياً، فقد أدى ارتفاع التضخم الذي وصل إلى ما نسبته 40%، وارتفاع معدلات البطالة، والفساد المستشري، فضلاً عن العقوبات التي قلصت من حصة إيران في سوق النفط العالمي، إلى إنتخاب روحاني في المقام الأول، ليأتي بعده بفترةٍ قصيرة التوصل إلى الإتفاق النووي. وبالرغم من أن الفساد وسوء الإدارة لعبا دوراً رئيسياً في المشاكل الاقتصادية للبلاد، إلا أن العقوبات المفروضة في عام 2011 كان لها أثرٌ مادي ونفسي. كما انخفضت العملة وازدادت المؤشرات الاقتصادية الأخرى سوءاً.
ويبقى أن نرى مدى تأثير الجولة الجديدة من العقوبات الاقتصادية على اقتصاد إيران. ومع ذلك، فقد كان التأثير النفسي ملموساً على المستوى الداخلي- مما أضر بالاستقرار الاقتصادي، بينما ساهم في ردع الشركات الأجنبية على المستوى الخارجي – كما تسبب بأذى كبير لإضعاف سمعة المعتدلين ومصداقيهم في إيران، وتقويض أجندتهم الداخلية.
وثالثاً، على المستوى الاجتماعي، الذي يبدو أفضل رهانٍ لإدارة ترمب لتركع طهران، يُشير المحللون إلى أن الخطاب المناهض للولايات المتحدة آخذٌ في التزايد، ومن المتوقع أن تتحرك المشاعر العامة باتجاهين متطرفين: تنامي النزعة القومية التي يغذيها تزايد احتمالية وقوع حرب، أو انتفاضةٌ من قبل الفقراء. ويمكن أن يأتي الأول نتيجةً لإجماع النخبة حول الحاجة إلى تجاوز الخلافات لمواجهة التحدي من جهة ودعم الطبقات الوسطى والدينية للسياسة الرسمية في مواجهة الإدارة الأمريكية المعادية من ناحيةٍ أخرى. ويبدو أن كلاهما ناجحٌ في الوقت الحالي.
كما يبدو أن صقور إيران في واشنطن يؤيدون المظاهرات التي وقعت في مدنٍ مختلفة في جميع أنحاء إيران في ديسمبر 2017 – يناير 2018. وبغض النظر عن الأسباب، وبحسب العديد من المحللين، كانت تلك المظاهرات بعيدة كل البعد عن الطبقة المتوسطة. كما اتسمت المظاهرات بسمتين إضافيتين: كانت بلا قيادة ومحدودة بالحجم. وعلى الرغم من أن جماعات المعارضة الإيرانية، ولا سيما منظمة مجاهدي خلق الإيرانية اليسارية المثيرة للجدل، تُشير إلى أن تنامي الضغوطات الإقتصادية قد يؤدي إلى انتفاضةٍ، والتي قد تؤدي بدورها إلى الإطاحة بالنظام، إلا أن التاريخ يُظهر أن مشاركةً قويةً فحسب من الطبقة الوسطى ستشكل تهديداً للنخب الحاكمة.
وفي الوقت الراهن، تستغل النخب الحاكمة استياء الرأي العام تجاه الولايات المتحدة للتراجع عن التزاماتها في خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، يبدو المستقبل أقل تبشيراً بالأمل. فأولاً، سيتعين على طهران التعامل مع تأثير سياسات ترمب على الاقتصاد المتعثر بالأصل. وثانياً، سيكون الحفاظ على إجماع النخبة الحاكمة في التعامل مع الولايات المتحدة أمراً حاسماً لمواجهة الضغوط الأمريكية في المرحلة الجديدة. وثالثاً، من المحتمل أن تواجه طهران المزيد من الاضطرابات الاجتماعية، والتي، في حال اشتملت على تعبئة الطبقة المتوسطة، يمكنها تغيير قواعد اللعبة في إيران.