بينما تتسارع التطورات في كلٍ من كردستان التركية والسورية، وإلى حدٍ أقل في كردستان العراق، فمن الصعب مجاراتها، إذ بالكاد هناك أي أخبار من كردستان إيران. ففي الصورة الأكبر التي تمتد على مدى عقود، أي تطوراتٍ جديدة ليست أكثر من مجرد موجاتٍ صغيرة في تيارات التاريخ العنيفة. وكما قال عباس والي، وهو استاذ كردي إيراني في جامعة البوسفور في اسطنبول، في مقابلةٍ مع Fanack في شهر أبريل 2016، “يعرف الأكراد الإيرانيون أنّ النظام لن يسقط في أي وقتٍ قريب.”
تأسست أول دولة كردية، جمهورية مهاباد، في منتصف الأربعينيات على الأراضي الفارسية، ولكن بعد ثلاثة أرباع قرنٍ من الزمان، لا يزال الأكراد في إيران ينتظرون الاعتراف بهويتهم. يحاولون تحقيق ذلك من خلال دعم الأصوات الإصلاحية الإيرانية، ولكن يبدو أنّ هذا النهج لم يُسفر عن أي نتيجة؛ إذ لم تتم مكافأتهم قط على دعمهم هذا. أما النهج الآخر، حملة العنف ضد من هم في السُلطة في طهران، فقد فَقَدَ جاذبيته، هذا إن كان يتمتع بها في الأصل.
وعلى ما يبدو، فإن الأكراد محاصرين في نظامٍ يُميز ضدهم بقوة. وغالباً ما يُقال أن ورطتهم مزدوجة. فلا يختلف انتمائم العرقي ولغتهم فحسب عن غالبية الإيرانيين، بل دينهم أيضاً، إذ أن غالبيتهم من السُنة وليس الشيعة. يجعلهم هذا أكثر عُرضة للخطر لانتهاكات حقوق الإنسان الشائعة في إيران من المواطنين الإيرانيين الآخرين، إذ يتم القبض على الأكراد ومحاكمتهم لأسباب سياسية بمعدلٍ أكثر من المتوسط، فضلاً عن كونهم أكثر عُرضة لصدور أحكامٍ بالإعدام عليهم. ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، يعود ذلك لأنّ الدولة لا تثق بولائهم للبلاد. ولا يؤثر هذا على الأكراد فقط، بل أيضاً على البلوش، وهم أقلية عرقية أخرى ذات أغلبية سُنيّة يعيش معظمهم في جنوب شرق إيران.
في الانتخابات العامة الأخيرة التي عُقدت في إيران، في 26 فبراير 2016، صوّتت غالبية الأكراد لصالح المرشحين الإصلاحيين، حيث حصد الإقبال على الانتخابات في المناطق الكردية المرتبة الثانية في البلاد. ويوضح عباس والي، الذي يُدّرس النظرية الاجتماعية والسياسية الحديثة في قسم علم الاجتماع في جامعة البوسفور “بالنسبة للأكراد، الانتخابات هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تعبر عن وجودهم، من خلال التصويت للمرشحين الإصلاحيين.”
لم يساعدهم هذا كثيراً في الماضي، فقد أيدّ الأكراد ما سُميّ بالثورة الخضراء التي اندلعت في صيف عام 2009، على الرغم من عدم مشاركتهم بنشاط على نطاقٍ واسع. وعندما أصبح حسن روحاني رئيس البلاد في 2013، توقع الأكراد ردّ الجميل لهم مقابل دعمهم المتواصل لفترةٍ طويلة للإصلاحيين. ومجدداً، لم يحدث شيء، على الرغم من وعود روحاني. لمَ لا يزال الأكراد يؤمنون بالتغيير عبر السياسة، المُقيدة بشدة في إيران؟ يقول عباس والي “يعرفون تماماً أنّ النظام الإيراني لن يسقط في أي وقتٍ قريب، لذا لا يملكون أي خيارٍ آخر سوى العمل داخل النظام.”
ويُضيف والي أنّ ما ألهم الأكراد في الآونة الأخيرة النجاح الانتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي، وهو حزبٌ منبثق عن الحركة الكردية في تركيا، وبخاصة الزعيم المشارك في الحزب صلاح الدين دميرطاش: “أصبح دميرطاش شخصية بارزة بالنسبة للأكراد الإيرانيين. فقد أصبح هو وحزب الشعوب الديمقراطي مثالاً يحتذى به في المقاومة المدنية. ما تعلموه من حزب الشعوب الديمقراطي أنّ السياسية الكردية يجب أن تضع موطىء قدمٍ لها في الصورة الأوسع، وهذا يعني أن عليهم تخطي الحواجز العرقية واللغوية. بهذه الطريقة فقط يمكنهم تحقيق شيء ما، على الرغم من أن الأمور تسير ببطء.”
وكممثلين للأقلية السُنية في بلدٍ يُسيطر عليها الشيعة، هل سيكون بمقدورهم رأب الصدع الديني؟ يقول عباس والي “الحكومة هي من حاولت بناء جدار ديني، إلا أنها لم تنجح بذلك. فغالبية الشيعة الإيرانيين لا يؤمنون باستخدام هذا الاختلاف من الناحية السياسية، كما يرفض الأكراد والبلوش المشاركة في هذه اللعبة.”
وذكرت العديد من المواقع على شبكة الإنترنت التي تنشر الأخبار من كردستان الإيرانية أن البشمركة (المقاتلون) من أحد الأحزاب الكردية الإيرانية، الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، قد عاد إلى إيران، مما يشير إلى أنّ الكفاح المسلح قد شق طريقه. فمقرات الحزب، الذي يوجد له فرعان بعد الإنقسام، تقع في كردستان العراق منذ أوائل الثمانينيات وتحاول التأثير على السياسة الإيرانية والكردية في موطنهم. وإلى جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني هناك حزبٌ آخر،، حزب عصبة الكادحين الثوريين الإيراني الكردي المعارض (كومالا)- الذي ينقسم أيضاً إلى حزبين- في إقليم كردستان في العراق. حتى أن حزب الحياة الحرة الكردستاني (بيجاك)، الفرع الإيراني لحزب العمال الكردستاني الكردي في تركيا، سحب قواته إلى جبال قنديل على الجانب العراقي من الحدود، بعد هجوم كبير للجيش الإيراني ضدهم عام 2011، الذي قُتل فيه المئات.
ماذا تعني عودة مقاتلي البشمركة التابعين للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني إلى إيران؟ لا يرى عباس والي دلالة كبيرة في ذلك، ويشرح وضع الأحزاب الكردية الإيرانية في كردستان العراق المجاورة “وجدوا ملاذاً آمناً في كردستان العراق عام 1982، وكانوا يحظون بحماية حكومة الأمر الواقع ذاتية الحكم في إقليم كردستان منذ تأسست في عام 1991. ولكن وجودهم هناك مشروط؛ بأن لا يقوموا بأي أعمال عسكرية ضد إيران، لأن النظام الإيراني سيرد بالمثل ضد حكومة إقليم كردستان، وهو آخر ما تريده حكومة إقليم كردستان. قلل هذا بشكلٍ خطير من أهمية الكفاح المسلح للأحزاب الكردية الإيرانية.”
واسترسل قائلاً “فقدت هذه الأحزاب السياسية التي تعمل خارج إيران صلاتها بالواقع والمجتمعات المحلية في ديارهم. فهم يرون النجاح الذي حققه الأكراد في روج آفا (كردستان سوريا)، مما ألهمهم، ولكن يبدو أنهم لم يقبلوا أن سكان روج هلات (الاسم الكردي لكردستان إيران) لا يرون جدوى من الكفاح المسلح.”
ويختتم والي، أن الأحزاب في المنفى منذ عشرين أو خمسة وعشرين عاماً فشلت في اللحاق بركب التطورات “وبسبب موقفهم الهش وقلة الثقة بأنفسهم في وقتٍ لاحق، فإنهم يعارضون استخدام القنوات الموجودة في إيران. فبشكلٍ أساسي، قررت منظمات كردستان إيران الانسحاب.”
لذا، فإن أي مقاومة مدنية في روج هلات أصبحت غالباً الآن معزولة وقصيرة الأجل، تماماً مثل الانتفاضة الصغيرة التي اندلعت في مايو 2015، عندما أقدمت الشابة الكردية، فريناز خسرواني، على القفز من الطابق الرابع لأحد الفنادق التي تعمل بها كخادمة، بعد ما تردد عن تعرضها للتحرش الجنسي من قبل مسؤول حكومي في الفندق، مما أسفر عن موتها. أشعل المحتجون النار في الفندق، ولكن سرعان ما خمدت الانتفاضة.
إنّ مثل هذه الاحتجاجات مشتتة، يقول البروفيسور عباس والي، فضلاً عن كونها غير منظمة أو مترابطة. “غالباً ما يقاوم الأشخاص فرادى، كما يستخدم الناس طرقاً أخرى للتعبير عن مقاومتهم. يحاولون إلقاء المحاضرات التي ينشرونها عبر القنوات المحدودة المتوفرة، كما أن هناك فعاليات أدبية وقراءات شعرية. وخاصة في فترة الانتخابات، تُستخدم مثل هذه الأنشطة لإيصال الرسائل والأفكار.”