في 26 فبراير 2016، أجريت في إيران عمليتان انتخابيتان في آنٍ واحد؛ انتخابات البرلمان العاشر وانتخابات مجلس خبراء القيادة الخامس، حيث عُقدت الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية بعد شهرين من ذلك. وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من المرشحين البالغ عددهم 12,000 المسجلين للمقاعد الـ290 في البرلمان، فضلاً عن 801 مرشح لـ88 مقعداً لمجلس خبراء القيادة، لم يجتازوا عملية التدقيق لمجلس صيانة الدستور، إذ لوحظت ميول العديد منهم الإصلاحية والمعتدلة، إلا أن معدل المشاركة في الانتخابات لم يتأثر كثيراً بهذه العملية. فقد أدلى حوالي 34 مليون إيراني، أي ما نسبته 62% من الناخبين المؤهلين، بأصواتهم. وقد اختلفت نسب المشاركة من محافظة إلى أخرى، حيث بلغ الإقبال في العاصمة طهران ما نسبته 50%، إلا أن نسب المشاركة العامة كانت مُرضية إلى حدٍ بعيد بالنسبة للنظام السياسي؛ واقعٌ تجلى بوضوح في خطابات كلٍ من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس حسن روحاني بعد الانتخابات.
وبالنظر إلى عمر خامنئي (77 عاماً)، جذبت انتخابات مجلس الخبراء، الهيئة الدينية المكلفة بالانتخابات وتكليف ورفض المرشد الأعلى، الكثير من الاهتمام. ومع ذلك، فإن عملية التدقيق التي قلصت أعداد المرشحين للمجلس من 801 إلى 161، حدّت من روح المنافسة حيث كان هناك في بعض الدوائر الانتخابية مرشحٌ واحدٌ فقط. ينبع هذا الاهتمام من حقيقة أنه يتوقع من المجلس الجديد لعب دورٍ هام في اختيار خليفة لخامنئي، ذلك أن أعضائه يُنتخبون كل ثماني سنوات فقط. وكما كان متوقعاً، لم تتغير تركيبة المجلس بشكلٍ جذري، ومع ذلك، ومع حصول كلٍ من الرئيس الإيراني السابق والرئيس الحالي لمجلس تشخيص مصلحة النظام، هاشمي رفسنجاني، والرئيس روحاني على أكبر عددٍ من الأصوات، حصل المعتدلون على انتصارٍ معنوي.
وعلى صعيدٍ آخر، أثبتت الانتخابات البرلمانية قدرتها على المنافسة بشكلٍ أكبر بالرغم من عملية التدقيق، فقد تنافس بالمتوسط أكثر من 21 مرشحاً على كل مقعد. فلا يخفى على أحد أنّ الغالبية المحافظة في البرلمان السابق وضعت إدارة روحاني تحت ضغوطات كبيرة منذ توليه منصبه في عام 2013. ونتيجةً لذلك، حرصت الحكومة على رؤية التغيير في البرلمان ودعمت بنشاط المرشحين الموالين للحكومة، الذين اجتمع العديد منهم تحت راية قائمة الأمل، وهو ائتلاف برئاسة محمد رضا عارف. وقد حصدت قائمة الأمل، المدعومة من قبل شخصيات شعبية مثل روحاني، والرئيس السابق محمد خاتمي، ورفسنجاني، وحسن الخميني، حفيد آية الله الخميني، الذي قاد الثورة التي شهدت تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979، 122 مقعداً من أصل 290، بما في ذلك جميع مقاعد العاصمة طهران الثلاثين. كما بلغ عدد المقاعد التي فاز بها الاصلاحيون والمعتدلون داخل وخارج قائمة الأمل 137 مقعداً.
حلّت حركة المحافظين المتشددين في المرتبة الثانية بـ80 مقعداً، إذ لم يستطع هذا الائتلاف برئاسة غلام علي حداد عادل الفوز بمقعدٍ واحد في طهران، مما ترك عادل نفسه خارج أسوار البرلمان. وعلى ما يبدو فإن الائتلاف الذي حصد أغلبية مُطلقة في الانتخابات البرلمانية السابقة بـ184 مقعداً، بات الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، مقارنةً مع أشد منافسيه- قائمة الأمل، التي رفعت من عدد مقاعدها من 20 في البرلمان السابق إلى 122 حالياً. وبشكلٍ عام، تُبرهن نتائج الانتخابات والتغييرات داخل الهيئتين، بعض الحقائق السياسية. وفيما يلي النقاط الخمس الرئيسية المتعلقة بذلك:
– العمل داخل النظام السياسي: أصبح من الواضح جداً أنّ الإيرانيين يسعون إلى التغيير داخل النظام، وليس دونه. هناك سببان رئيسيان لذلك: أولاً، على عكس دول أخرى في الشرق الأوسط، فقد عاشت إيران بالفعل ثورةً بنتائجها غير المتوقعة وغير المقصودة في بعض الأحيان؛ وثانياً، في غضون السنوات الخمس الماضية رأى الإيرانيون ما معنى التصرف خارج إطار النظام لدى غالبية جيرانهم، كما أن هناك شعوراً منتشراً على نطاقٍ واسع بأن أي تغيير جذري قد يهدد استقرار وأمن إيران. وعلاوة على ذلك، تجلى هذا الشعور بوضوحٍ أيضاُ خلال الانتخابات الرئاسية عام 2013.
– عدم وجود شخصيات شعبية: على الرغم من أن قائمة الأمل للإصلاحيين والمعتدلين قدمت أداءً طيباً أمام منافسٍ منظم استحوذ على أغلبية مطلقة في السنوات الأربع الماضية، إلا أن من الواضح أنهم كانوا بحاجةٍ إلى شخصيات تتمتع بالشعبية لتحقيق النجاح. كان هذا واضحاً أثناء انتخاب رئيسٍ للبرلمان، فعلى الرغم من مكانة عارف كرئيس لائتلاف قائمة الأمل، إلا أن علي لاريجاني، المرشح المستقل، تمكن من الفوز بالأغلبية المطلوبة لإعادة انتخابه رئيساً للبرلمان.
– الافتقار إلى الشعبية: أثبت المحافظون المشتددون مرة أخرى عدم تمتعهم بالشعبية. فعلى الرغم من حصولهم على عدد كافٍ من الأصوات في طهران للبقاء كطرفٍ فاعل في البرلمان، إلا أن نتائجهم أظهرت عدم قدرتهم على الحصول على الأغلبية في الانتخابات التنافسية. فقد حققوا نجاحاً مرة واحدة فحسب، عندما قاطع منافسيهم الانتخابات أو تم إقصائهم من قِبل عملية التدقيق.
– التدقيق عن طريق التصويت: استحدثت آلية جديدة خلال الانتخابات، فأولئك الذين عانوا أكثر من غيرهم من عملية تدقيق مجلس صيانة الدستور يمكن أن يسببوا نفس الضرر على منافسيهم في صناديق الاقتراع. فقد جمّع الإصلاحيون والمعتدلون قائمتين من خصومهم فقط لإجبار منافسيهم الرئيسيين على الخروج من خلال العملية الانتخابية. كان هذا واضحاً في قائمة هاشمي رفسنجاني، الذي تمثل هدفه الرئيسي في إخراج كل من المتشددين آيات الله يزدي، ومصباح يزدي وجنتي في صناديق الاقتراع. وحتى مع ذلك، نجح جنتي، كما انتخب رئيساً لمجلس الخبراء.
– أكثر ودية للإدارة: يبدو أن إدارة روحاني هي المنتصر الأكبر في هذه العملية. أولاً، فقد نجحت في التخلص علانيةً من غالبية المحافظين في البرلمان. وثانياً، حصلت على عدد لا بأس به من المقاعد البرلمانية لدعم سياساتها. وثالثاً، بات هناك برلمان أكثر توازناً يميل إلى المثالية بالنسبة للرئيس بحيث أنه يقف حرفياً بين اثنين من الفصائل الرئيسية المتناحرة. وعموماً، ليس من المتوقع أن تُحدث الانتخابات تغييراً جذرياً في ميزان القوى بين الفصائل الرئيسية. وعلى هذا النحو، من المتوقع أن يكون البرلمان الجديد أكثر تعاوناً أو على الأقل أقل عدائية تجاه سياسات الحكومة.