“الاستراتيجية الصليبية غير ناجحة، لأن الدولة لإسلامية باقية وتتمدد،” هذا ما ذكره تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في 19 يناير 2016 في مجلته “دابق،” مهدداً بشن هجماتٍ على أوروبا والغرب. “حتى ذلك الحين، على الصليبيون التعود على أصوات الانفجارات وصور الذبح في أوطانهم.” كما ورد في مجلة التنظيم.
ومع ذلك، يرى مسؤولون أمنيون غربيون تهديد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” باعتباره علامة ضعف على أرض الواقع وليس مصدر قوة.
ووفقاً لليوروبول، عودة 5,000 مقاتل على الأقل من مقاتلي “داعش” إلى ديارهم في أوروبا تشكل تهديداً. في حين يقول مسؤولون من التحالف الأمريكي أنّ استراتيجيتهم لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ناجحة، إذ يعاني التنظيم حالياً من مشاكل متزايدة في دفع رواتب مقاتليه، والسيطرة على أراضيه، والحفاظ على قواته المسلحة.
وفي عامي 2015 و2016، خسر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” سيطرته على مدن الرمادي وسنجار وبيجي لصالح القوات الكردية والعراقية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تجهز 3,800 جندي من جنودها في العراق للعمل إلى جانب القوات العراقية لإعادة السيطرة على مدينة الموصل في وقتٍ لاحقٍ هذا العام. كما وصل مئات الجنود العراقيين إلى بلدة مخمور، على بعد نحو 60 ميلاً إلى الجنوب الشرقي من مدينة الموصل، استعداداً لمعركة الموصل بقيادة اللواء الركن نجم الجبوري.
فقدان السيطرة على الأراضي
وفقاً لتقديرات التحالف، فقد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الفترة ما بين أغسطس 2014 ويناير 2016، حوالي 40% من الأراضي التي يُسيطر عليها في العراق.
“نعم التنظيم يضعف، إذا ما قارناهم بشهر يناير 2014،” هذا ما قاله موفق الربيعي مستشار الأمن القومي العراقي السابق لـFanack. وأضاف “فقدوا زمام المبادرة، فلم يعودوا في موقع الهجوم، بل باتوا في موقفٍ دفاعي.”
ويقول الربيعي انهم خسروا عواصم المحافظات السُنيّة الهامة مثل تكريت والرمادي. “خسروا موارد جيدة، كما خسروا عدداً من قادتهم، والأهم من ذلك، بعضاً من مواردهم المالية والنفط.”
ومع ذلك، فإن المناطق التي خسرها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا صغيرة، ويعود ذلك بشكلٍ رئيسي إلى تقدّم القوات التي يقودها الأكراد.
ووفقاً لبيانات التحالف، فقد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” سيطرته على 11% فقط من أراضيه في سوريا منذ أغسطس 2014. وفي فبراير 2016، تمكنّ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من قطع خطوط نظام الأسد الدفاعية حول مدينة حلب بالاستيلاء على مدينة خناصر.
“هناك حاجة لقوة برية موحدة، على الأرض، لضرب تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا، مقارنةً بالعراق.” هذا ما أخبرنا به سينج ساجنيك، الباحث في مركز موشي دايان في تل أبيب لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا. ومع ذلك، تمكنت القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة من إعادة السيطرة على بلدة الشدادي السورية من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في شهر فبراير 2016.
إنّ فشل برنامج وكالة الاستخبارات الأمريكية في بناء قوات من الثوار في سوريا لمحاربة توّسع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” “جعل القوات البرية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية قوات كردية فقط، وبالتالي، تقلصت فرص التحالف الأمريكي بدعم مثل هذه الحركة العرقية للسيطرة على المنطقة العربية السُنيّة.” وفقاً لساجنيك.
المقاتلون الأجانب
تقول المخابرات الامريكية أنّ عدد المقاتلين قد انخفض ما بين 19 ألف إلى 25 ألف مقاتل في العراق وسوريا من أعدادٍ سابقة قُدرت بما يصل إلى 31 ألف مقاتل، وذلك نتيجة مقتلهم على أرض المعركة فضلاً عن انخفاض تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا. وحتى نهاية عام 2015، كان ينضم إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا ما يزيد قليلاً عن 1000 مقاتل أجنبي، وذلك وفقاً لتصريحات مسؤول أمريكي مطلع على مثل هذه البيانات لإذاعة صوت أمريكا.
“إلا أننا ندرك أيضاً النطاق الواسع جداً في هذه التقديرات، ونعترف بصعوبة تحديد الأعداد الحقيقية،” وفقاً لتصريحات كريستوفر كارفر، الكولونيل في الجيش، والمتحدث باسم قوات التحالف لموقعنا.
وأضاف “اطلعنا أيضاً على تقارير عن التجنيد الإجباري وقيام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بتدريب واستخدام الجنود الأطفال، لذا قد يكون هذا مؤشراً على مستوى نجاح برنامج التجنيد في التنظيم.”
ويؤكد المحللون انخفاض أعداد المقاتلين الأجانب، وذلك بسبب التدابير الإضافية التي اتخذتها تركيا، واستيلاء الأكراد على المزيد من الأراضي على طول الحدود السورية التركية. كما أخبرنا المحلل في منتدى الشرق الأوسط للأبحاث، أيمن التميمي، “يعود السبب في المقام الأول إلى فقدان السيطرة على جزء كبير من المنطقة الحدودية التركية وتشديد الأتراك على المناطق المتبقية من الحدود.”
فقد أعلن الجيش التركي في 15 فبراير 2016 القبض على 1,220 مشتبه به من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ممن كانوا يحاولون التسلل إلى الأراضي السورية عبر تركيا منذ يناير 2015.
“لا تزال تركيا بوابة رئيسية للمناطق التي يُسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا،” أضاف المحلل الاستخباراتي ساجنيك. “هناك تقارير موثوقة تُشير إلى أنّ المقاتلين الأجانب يستخدمون المناطق التي يُسيطر عليها الثوار “غير الجهاديين،” للوصول إلى المناطق التي يُسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عن طريق التخفي “كمدنيين.”
ومن مؤشرات تنامي ضعف وتراجع الروح المعنوية، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عن عفوٍ لمدة شهر عن الفارين، فضلاً عن إعدام 36 مقاتل رمياً بالرصاص لرفضهم القتال جنوب الموصل.
كما يقول المقاتلون الأكراد المحليون الذين يقاتلون على الأرض ضد “داعش” أنهم لاحظوا انخفاضاً كبيراً بأعداد المقاتلين الأجانب.
وفي سياقٍ متصل، صرّح نقيب قوات البشمركة، بوير، على محور ناوران، الذي يبعد حوالي 8 أميال عن مدينة الموصل، عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بحكم الأمر الواقع أنه “في البداية، كان غالباً ما يتم الهجوم علينا من قِبل مقاتلين عراقيين وأجانب، ولكن مؤخراً، كان غالبية القتلى والأسرى من العراقيين.”
الرواتب
يقول التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، أن تنظيم الدولة الإسلامية يعاني صعوباتٍ مالية، إذ تتراوح رواتب المقاتلين في التنظيم ما بين 50 إلى 400 دولار في الشهر.
ووفقاً لتصريحات المتحدث باسم التحالف، جارفر، “لا زلنا نعرف أنّ مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” يتقاضون رواتبهم، إلا أننا رأينا أيضاً في الآونة الأخيرة تقارير تُفيد بأنّ رواتب هؤلاء المقاتلين تقلصت للنصف بسبب الضربات الجوية لإدارة العمليات المالية في التنظيم، وذلك من عائدات النفط غير المشروعة وصولاً إلى المخازن النقدية وأماكن توزيعها.”
ربما يرجع ذلك إلى حقيقة أنّ التنظيم قد خسر حقول النفط والغاز الرئيسية التي كان يُسيطر عليها، فضلاً عن عدم قدرته بيع النفط في السوق السوداء.
“كانوا يكسبون ما يعادل 8 ملايين دولار في 10 أشهر في السوق السوداء في تركيا، إلا أن هذا المعدل انخفض بشكلٍ كبير في الوقت الراهن،” هذا ما أخبرنا به موفق الربيعي، مستشار الأمن القومي العراقي السابق في مقابلةٍ مع Fanack.
ومع ذلك، فإن العديد من الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي يُسيطر عليها التنظيم يعتمدون بشكلٍ أساسي على رواتب التنظيم، ذلك أن الحكومة العراقية أوقفت دفع الرواتب في المناطق التي يُسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.”
ويقول أبو حسن البالغ من العمر 52 عاماً، وهو عراقيّ من منطقة بيجي “توقفت الحكومة العراقية عن دفع الرواتب. بعض الأشخاص لا يملكون خياراً سوى العمل مع تنظيم الدولة الإسلامية.” ولكن وفقاً لسينج ساجنيك، لا يزال الموظفون الحكوميون في سوريا يتقاضون رواتبهم، إذا ما كان باستطاعتهم الوصول إلى المناطق التي يُسيطر عليها النظام.
كما قال الصحفي مايكل وايس، الذي شارك في تأليف كتاب “داعش: داخل جيش الإرهاب،” في إحدى المقابلات “ينضم المزيد والمزيد من الجنود السوريين المتقدمين في السن إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” ذلك أن الضربات الجوية لقوات التحالف جعلت أسرهم أكثر فقراً ودمرت سُبلهم السابقة للعيش.”
وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” بات أكثر ضعفاً في العراق وسوريا، إلا أّن المسؤولين الأمنيين يؤمنون أنّ التنظيم ما زال يشكل تهديداً خارج هذه الدول.”
ويقول الربيعي “صحيح أنهم يتراجعون، إلا أنهم يتمددون في أجزاء كثيرة من العالم، مثل أفغانستان وجنوب آسيا وشمال افريقيا.”