يعتبر شهر رمضان الكريم، بالنسبة للمسلمين، شهراً روحانياً للعمل الخيري، ومع ذلك، حولته المليشيات الإسلامية إلى فترةٍ للهجمات، بينما جعل منه تنظيم الدولة الإسلامية شهر القتل. فقد كان شهر رمضان لعام 2016، على وجه الخصوص، دموياً، إذ شهد ذروة موجة العنف في شهري يونيو ويوليو الذي تزامن مع خسائر تنظيم الدولة الإقليمية، فضلاً عن عودة ظهور منافسه، تنظيم القاعدة، حيث يُشير بعض الخبراء إلى تغيير في استراتيجية الجماعة المتطرفة.
عندما أعلن أبو بكر البغدادي انشقاقه عن القاعدة في يونيو 2013 وإعادة إحياء الخلافة الإسلامية، التي ألغيت في اسطنبول عام 1926، تسبب ذلك بموجة صادمة في جميع أنحاء العالم. ففي واقع الأمر، لم يكن ذلك ظهوراً لجماعةٍ إرهابية جديدة ولا انقلاباً نمطياً، بل ولادة جديدة لكيانٍ أبقى الغرب يُقاتل والمسلمين موحدين لأكثر من ألف عام.
ففي سوريا، وسّع تنظيم الدولة سيطرته من الرقة إلى ضواحي حلب. وفي غضون ذلك، عبر إلى العراق واستولى على مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، وصولاً إلى الفلوجة والعديد من الأماكن الأخرى. وفي يونيو 2015، استولت جماعة مسلحة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية على مدينة سرت الليبية، وفي العام نفسه أيضاً، أعلنت جماعة بوكو حرام، التي تسيطر على منطقة في شرق نيجيريا، مبايعتها لتنظيم الدولة.
وبين عامي 2014 و2015، بدا أن شعار تنظيم الدولة الإسلامية ” باقية وتتمدد ” بدقة كدقة النبوءات المسيحانية. ورداً على ذلك، تم تشكيل تحالفٌ دولي بهدف اجتثاث تنظيم الدولة الإسلامية. اتحدت الدول الغربية والإسلامية ( تركيا والمملكة العربية السعودية ) لضرب معاقل تنظيم الدولة الإسلامية، في حين شنت روسيا حملتها الخاصة في سبتمبر 2015. كما تلقت ميليشيات متعددة في سوريا والعراق وليبيا وكذلك الجيوش المحلية مساعداتٍ كبيرة من الدول المتحاربة المناهضة للدولة الإسلامية ووجهوا جميعاً أسلحتهم ضد التنظيم. وبحلول نهاية عام 2015، بدأ توسع تنظيم الدولة الإسلامية يتباطأ، وبحلول منتصف عام 2016، تحول ” التمدد ” إلى تراجع.
وكما تُظهر خرائط شهري يونيو ويوليو من عام 2016، فقد تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على بعض حدوده وبالقرب من مراكزه الرئيسية ( الرقة ودير الزور والموصل ). فضلاً عن ذلك، فقد تم تحرير الفلوجة، المعقل الرمزي للإسلاميين، على يد الجيش العراقي في 26 يونيو، وقدّر مسؤولون أمريكيون أنّ التنظيم قد خسر ما يصل إلى 50 % من أراضيه في العراق. وفي ليبيا أيضاً، لا تزال حملة طرد تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة سرت ومحيطها جاريةً على قدمٍ وساق، بقيادة قواتٍ من مدينة مصراتة القوية، حيث تشهد المنطقة تقدماَ ضد الجهاديين المتحصنين.
وعلى صعيدٍ آخر، يعاني تنظيم الدولة الإسلامية تحدياتٍ داخلية، إذ تروى قصصٌ حول فرار مقاتلين من أعلى رتب التنظيم. ومع ذلك، يتمثل الخطر الأكبر الذي يهدد الدولة الإسلامية بالتنظيم الأم، تنظيم القاعدة. فبعد قرار البغدادي الإنشقاق عن القاعدة في عام 2013، بدا أن الأخير محكومٌ عليه بالفشل والاختفاء، وأعلن آلاف الجهاديين الولاء لتنظيم الدولة منجذبين إلى الشعارات الرنانة. ولكن في عام 2015، أعادت سلسلة من الهجمات في كلٍ من افريقيا وفرنسا وسوريا والعراق واليمن، والتي نُسبت جميعها إلى زعيم القاعدة المتطرف أيمن الظواهري، أنظار المجتمع الدولى إلى تنظيم القاعدة مجدداً.
تعتبر الهجمات واسعة النطاق، وبخاصة ضد الأجانب، نقطة جذبٍ بالنسبة للمتطرفين الشباب سريعي التأثر. وبالابتعاد عن المهمة المُعقدة بالنزاع على سُلطة الأراضي والتركيز على الهجمات المنفردة، استعاد تنظيم القاعدة مقدرته المفقودة وسمعته السيئة في أوساط الشباب، وبخاصة أن تنظيم الدولة الإسلامية بات غارقاً تدريجياً في حربٍ شاملة.
برزت الحاجة إلى الثأر بعد فقدان تنظيم الدولة الإسلامية للسيطرة على أراضيه من أولئك المسؤولين عن هذا الأمر، وتطلبت صعوبة التجنيد القيام بهجماتٍ ضخمة في الخارج، كوسيلة لإعادة البريق إلى التنظيم. فكلما فقد تنظيم الدولةالإسلامية السيطرة على المزيد من الأراضي، كلما ضعفت دولته، وكلما ازداد اقترابه من كونه جماعةً إرهابية تلجأ إلى التفجيرات وحرب العصابات؛ فلم تعد تشبه الدولة، بل باتت أقرب بشكلٍ متزايد إلى النسخة الثانية من تنظيم القاعدة.
وكما تنبأ البعض، أصبح تنظيم الدولة الإسلامية، نتيجةً لذلك، يتحول باستراتيجيته نحو الهجمات الإرهابية الصرفة، والتي لا تقتصر على الغرب فحسب، كما ظهر في احتجاز رهائن في مقهى في العاصمة دكا ( في الأول من يوليو والذي أسفر عن مقتل 20 شخصاً ) ، والتفجير في العاصمة بغداد ( 3 يوليو، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص ) ، وغيرها من الهجمات في أماكن مثل تونس وليبيا ومصر.
فالشكل الجديد لتنظيم الدولة الإسلامية أصبح شبكة مفككة من الجماعات المتباينة التي تلتحق بها فقط من أجل اسم التنظيم القوي. ومن هنا، يتشجع الذئاب المنفردة على ارتكاب أفعالهم العنيفة ومبايعتهم لخليفة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يتم في بعض الأحيان عن طريق رسالة على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك. أفعالهم غير مترابطة، إلا أن جميعهم يحملون بصمة التنظيم، مما يمنحهم القوة والسُلطة. خلاصة القول، لربما ولد شكل تنظيم الدولة الإسلامية الجديد من الضعف، إلا أنه سيسبب الأذى وسفك الدماء .