وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة درعا: حضور معقّد

مقتل زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" يقودنا إلى تساؤلٍ مهم: لماذا تواجد القرشي في محافظة درعا؟

الدولة الإسلامية في درعا
صورة تم التقاطها يوم 16 مارس 2022 لرجلٍ سوري وهو يقود دراجته النارية وسط المباني المتضرّرة جنوبي مدينة درعا. المصدر: MOHAMAD ABAZEED / AFP.

لم تكن محافظة درعا بعمومها من الحواضن الاجتماعية لتنظيم “الدولة الإسلامية“. إلا أن المفاجأة كانت بإعلان فصيل “شهداء اليرموك” مبايعته للتنظيم وتغيير اسمه إلى “جيش خالد” في العام 2014.

حينذاك، دخلت فصائل الجيش الحر في مواجهات استمرت لأكثر من عام مع جيش خالد الذي كان يتخذ من منطقة حوض اليرموك الوعرة جدا مقراً له. وأدت تلك المواجهات إلى تقليص وجود هذا الفصيل واختفاء معظم عناصره في مناطق يصعب الوصول إليها من المحافظة. أما البعض الآخر، فقد وجد له مكانا بين المدنيين وانتهج أسلوب الخلايا النائمة.

وبين عامي 2016 و2017، شهدت محافظة درعا تنفيذ نحو 200 عملية اغتيال. واستهدفت تلك العمليات قادة في الجيش الحر، ورجال دين معتدلين، والعديد من الشخصيات المجتمعية ذات التوجه المدني. وكان رئيس محكمة دار العدل أسامة اليتيم من أبرز الشخصيات التي تم اغتيالها.

ومع اكتشاف منفذي عملية اغتيال اليتيم، تكشّف المشهد في المحافظة عن انتماء المنفذين لحركة المثنى الإسلامية. حينذاك، أعلنت شخصيات قيادية في الحركة، مثل محمد المسالمة “الملقب بهفو”، مبايعتها لتنظيم “الدولة الإسلامية”. ودعت تلك الشخصيات لقتل قادة وعناصر الجيش الحر وكلّ من يخالف منهج التنظيم.

انكشاف تلك العملية أدى إلى اعتقال اللواء الثامن لبعض قادة حركة المثنى. أما البعض الآخر، فقد توارى عن الأنظار. وتمركزت بعض المجموعات، التي تنفي صلتها بالتنظيم، في منطقة طريق السد في درعا الخاضعة بعمومها لسيطرة النظام السوري.

هذا الملف غاب عن المشهد خلال السنتين الماضيتين. إلا أن عمليات الاغتيال استمرت، حتى عادت إلى تصدّر الأحداث في مدينة جاسم بريف درعا الغربي مع تمكّن فصائل معارضة من إنهاء نشاط إحدى خلايا التنظيم في المدينة. وأسفرت تلك العمليات عن مقتل عدد من متزعمي الخلايا. ومن هؤلاء عبد الرحمن العراقي، وأبو مهند اللبناني، وأبو لؤي القلموني.

وبعد أيام قليلة من انتهاء العملية العسكرية في جاسم، بدأت تشكيلات محلية، من بينها اللواء الثامن، عملاً عسكرياً آخر ضد خلايا التنظيم في أحياء درعا البلد وطريق السد. وجاءت تلك العمليات بعد التفجير الانتحاري الذي استهدف منزل القيادي السابق في الجيش الحر غسان أبازيد.

مقتل زعيم التنظيم

بعد أيامٍ قليلة من الانتهاء من خلايا التنظيم في حي طريق السد، أعلنت فصائل معارضة عن مقتل زعيم التنظيم أبو الحسن الهاشمي القرشي. وعقب ذلك، أكدت القيادة المركزية للجيش الأمريكي خبر مقتل القرشي على يد فصائل سورية. واعتبر المتحدث باسم القيادة جو بوتشينو أن مقتل الهاشمي ضربة جديدة للتنظيم المتطرف، لافتا إلى أن التنظيم لا يزال يشكل خطراً على المنطقة.

مقتل زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” يقودنا إلى تساؤلٍ مهم: لماذا تواجد القرشي في محافظة درعا، وهي لم تكن الملعب المفضل له؟

مصدر مقرّب من اللواء الثامن قال لـ فنك: “إن إيران هي المسؤولة عن انتقال القرشي إلى الجنوب بتنسيق مع حزب الله وبالتحديد إلى جاسم”. وفي هذا السياق، يؤكد المصدر، الذي نتحفظ عن ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن وصول القرشي من شمال وشمال شرق سوريا إلى الجنوب، ولاسيما ريف درعا الغربي، غير ممكن دون المرور بمناطق سيطرة الفصائل الإيرانية.

المصدر نفسه يؤكد أنّ الهدف الإيراني من هذا الأمر هو زيادة إخضاع تلك المنطقة الخاضعة بأغلبها لحزب الله. وبحسب المصدر، فإن الهدف الإيراني البعيد يتمثل في تشكيل ورقة ضغط إضافية وعامل إزعاج لإسرائيل. وشدّد المصدر، في هذا السياق، على ضرورة عدم إغفال تأثّر هذه المنطقة القريبة من حوض اليرموك مجتمعيا وفكريا بسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها في وقت سابق.

وكان نفوذ التنظيم في محافظة درعا قد انتهى بعد سيطرة قوات النظام السوري عليها في عام 2018. ومع ذلك، فإن الروايات تتضارب حول مسار إنهاء هذا النفوذ. وبينما يوجه ناشطون اتهامات للنظام السوري بفتحه الباب أمام عددٍ من القياديين والعناصر للعبور إلى مناطق أخرى في المحافظة، فقد النظام هدّد على مدار السنوات الماضية باقتحام بعض المناطق الموجودة في المحافظة تحت ذريعة وجود “خلايا إرهابية” فيها.

في هذا السياق، لا يستبعد الدكتور عبد الرحمن الحاج، وهو باحثٌ متخصص في شؤون الحركات الجهادية، أن تكون عناصر التنظيم الموجودة جنوب المحافظة على صلة وثيقة بالنظام. وردّ الحاج ذلك إلى وجود نوع من “تبادل المصالح” بين الجانبين، لا سيّما مع اختلاف طبيعة تحركات التنظيم في درعا والسويداء مع تلك الموجودة في البادية السورية. ووفقاً للحاج، فإنّ النظام استخدم خلايا التنظيم مرارًا “كحجة لإخضاع السويداء، وهو الآن يريد إدخالها كعنصر في عمليات إخضاع درعا”.

يضيف الحاج في حديثه لفنك: “من الناحية النظرية، من المفترض أن يقوم النظام بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. ومع ذلك، فإن النظام يستخدم التنظيم من العملية ويبادله المصالح ضد بقايا التشكيلات المعارضة من الجيش الحر له في المنطقة”.

أما الناشط الإعلامي محمد الغزاوي، فيذهب أكثر ممّا ذهب إليه الحاج. ويؤكد الغزاوي أن تنقّلات عناصر خلايا التنظيم بين قرى وبلدات محافظة درعا تتم بالتنسيق مع النظام لتسهيل دخولهم مناطق ما زالت منتفضة ولا تقبل التسوية لإجبارها على ذلك. ويرى الغزاوي أن مصلحة النظام تتمثل في بقاء عناصر تحمل أفكارا متطرفة لزعزعة أمن واستقرار المحافظة، ناهيك عن عمليات الاغتيال التي يقومون بها ضد المعارضين له.

في حديثه لفنك، يشير الغزاوي إلى تنقّل عناصر التنظيم بين البادية السورية ومحافظة درعا مروراً بمناطق اللجاة ورجم البقر وبئر قصب. ويجري ذلك على الرغم من انتشار المليشيات الإيرانية وقوات الأسد هناك.

المصدر المقرب من اللواء الثامن يعود للتأكيد على ما ذهب إليه الحاج. ويقول المصدر: “أطلق النظام سراح العشرات من عناصر جيش خالد بن الوليد بعد سيطرته على أجزاء من محافظة درعا عبر عملية مشتركة تم تنفيذها في عام 2019 مع روسيا.

ومن بين الذين أطلق سراحهم وساهموا في عودة نشاط التنظيم في الجنوب السوري ماهر كنهوش من بلدة جباب شمالي درعا. ومن المعروف أن كنهوش كان يشغل منصباً مهما في ديوان الحسبة التابع للتنظيم. كما تشمل القائمة يوسف النابلسي الملقب بأبو البراء. والنابلسي هو الأمير العام لخلايا التنظيم الأمنية خارج مناطق حوض اليرموك التي كان يسيطر عليها التنظيم سابقاً عبر جيش خالد بن الوليد. وهو المسؤول الأول الآن والذي يقود العمليات العسكرية لمجموعات محمد المسالمة الملقب بـ”هفو”، ومؤيد حرفوش الملقب بـ”أبو طعجة”.

بصمة التنظيم

بالعودة إلى الحملة العسكرية التي شهدتها أحياء درعا البلد وطريق السد، فقد بدأت شرارة الهجوم إثر إقدام انتحاري على تفجير نفسه داخل مضافة القيادي المعارض غسان أبازيد. وأدّى ذلك الهجوم إلى مقتل 4 أشخاص، بعضهم قياديون سابقون في المعارضة المسلحة وجرح 5 آخرين. وتم اتهام الحرفوش بالوقوف وراء التخطيط لتنفيذ العملية بواسطة الانتحاري أبو حمزة سبينة. وكان ذلك بالتنسيق مع يوسف النابلسي، أمير التنظيم في درعا البلد.

بعد هذه العملية الانتحارية، أطلق أهالي درعا حملة عسكريّة للتخلص من التنظيم في المدينة. وكان ذلك بالتعاون مع مقاتلي اللجان المركزية في المنطقة الغربية، ومع اللواء الثامن الذي دخل المعركة بناء على مطالب أهالي المدينة.

في تعليقه على الحملة العسكرية الأخيرة، يقول الباحث الحاج: “لم يصدر تنظيم الدولة الإسلامية أي بيانات حول هذه الحملات، لكن شكل العملية الانتحارية في درعا البلد تدل على أنها من أفعاله”.

وبحسب الناشط الغزاوي، فإنّ منفّذ التفجير ليس من أبناء محافظة درعا، بل كان يحتمي عند محمد المسالمة “هفو”. وأظهرت التسجيلات المنشورة تورط التنظيم بهذه العملية.

وفي وقتٍ سابق، كشف تجمع أحرار حوران عن تورّط عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” في تنفيذ عمليات اغتيال لصالح الأجهزة الأمنية. وطالت تلك العمليات عدداً من معارضي نظام الأسد وميليشيات إيران في محافظة درعا.

وقبل أيام، وتحديدا مع نهاية أحداث جاسم، نشر تجمّع أحرار حوران مقطع فيديو لاعترافات قيادي تنظيم الدولة رامي الصلخدي بتورّط عناصر التنظيم في تنفيذ عمليات اغتيال لصالح الأجهزة الأمنية وإيران. وطالت هذه العمليات عدداً من المعارضين المعروفين مثل الشيخ أبو البراء الجلم.

كما اعترف الصلخدي باجتماعه مع العميد لؤي العلي، الذي يعتبر بمثابة الحاكم الفعلي لمحافظة درعا. وبحسب اعترافات الصلخدي، فقد طلب العلي منه اغتيال شخصيات من أبناء جاسم، وإدخال عدد من عناصر التنظيم إلى المدينة. وأكد القيادي المحتجز أنه قام بتنفيذ ما طلب منه بالتنسيق مع ابن عمه نضال الصلخدي، المرتبط بقيادات من “حزب الله” اللبناني.

نهايات غامضة

الحملة العسكرية الأخيرة في درعا أدّت إلى حالة من الانقسام بين أهالي المحافظة. كما أنها زادت من حالة الجدل حول عدم وجود أجوبة مقنعة لسؤالين ملحّين: أين تبخّرت عناصر تنظيم الدولة الإسلامية؟ وما مصير المسالمة والحرفوش؟

أبو محمود الحوراني، المتحدث باسم تجمع أحرار حوران، يرجّح أن يكون المسالمة والحرفوش قد استطاعا من كسر طوق الحصار المفروض على مكان تواجدهما وبما أتاح لهما الهرب من المنطقة. وقال الحوراني إن “جهاز المخابرات الجوية التابع للنظام قد يكون له يد في تهريبهما من الحي قبل السيطرة عليه من قبل الفصائل المحلية”.

ولفت الحوراني إلى عدم انتهاء وجود تنظيم الدولة بشكل كامل في محافظة درعا، موضحاً أن “هناك مجموعات قليلة في محافظة درعا يستفيد النظام من وجودها”.

أما الغزاوي، فيقول إن هناك اتفاق غير معلن لخروج عناصر التنظيم من المنطقة. ويضيف: “يبلغ عدد العناصر الذين تمكنوا من الهروب من منطقة طريق السد حوالي 40 عنصراً. ومعظم هؤلاء من قيادات الصف الأول. في المقابل، فقد قُتل نحو 20 عنصراً من عناصر التنظيم”.

حالة استعصاء

في سياق جوابه عن سؤال حول المناطق التي قد يكون لجأ إليها عناصر التنظيم، يقول الغزاوي: “الأكيد أنهم انتقلوا إلى قرى ومناطق أخرى من المحافظة لاستكمال تنفيذ أهدافهم”. وأشار إلى إمكانية عودة هذه العناصر إلى منطقة طريق السد “فهم أبناء المنطقة ويعرفون بشكل دقيق”.

المعركة الأخيرة ضد خلايا التنظيم لم تحقّق النتائج المرجوة لأن عناصر التنظيم تمكنوا من الهروب. وربما سيعود هؤلاء قريبا لنفس الأحياء، وهو ما سيعني انشغال المحافظة من جديد بفصلٍ جديد من الاقتتالٍ العشائري. وينتمي هفو لعشيرة المسالمة التي تتهمها عشيرة الأبازيد بالتستّر على منفذ التفجير الأخير الذي قتل خمسة من أفرادها.

ويرى الغزاوي أنّ المدنيين هم المتضرر الأكبر من الوضع المستعصي الذي تعيشه محافظة درعا. وفي هذا الصدد، يقول الغزاوي: “هؤلاء المدنيون خسروا بيوتهم سابقاً بسبب قصف النظام، واليوم يتم تهجيرهم مجدداً بسبب عمليات التنظيم في مناطقهم”.