إيران؛ العدو المشترك، تجمع بين عدوين سابقين، اسرائيل والمملكة العربية السعودية.
بعد أن قام الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأول رحلةٍ جوية مباشرة من الرياض في السعودية إلى تل أبيب في إسرائيل في 22 مايو 2017، بعد إنتهاء أعمال القمة العربية الإسلامية الأمريكية، غرّد رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو “آمل أن يأتي يومٌ يستطيع فيه رئيس وزراء اسرائيلي أن يطير من تل أبيب إلى الرياض.”
فالمملكة المحافظة الغنية بالنفط لا تقدم نفسها فحسب باعتبارها الوصي على أقدس البقاع في الإسلام، مكة المكرمة والمدينة المنورة، بل أيضاً باعتبارها المدافع الرئيسي عن مصالح المسلمين السُنّة، سيما القضية الفلسطينية. وعلى عكس الدول العربية العلمانية مثل مصر والعراق وسوريا، التي تؤطر الصراع العربي الاسرائيلي بعبارات مناوئة الإحتلال والقومية، يرى فيه السعوديون خلافاً دينياً بين الإسلام واليهودية. وبالتالي، سيشكل تسرب الدفء إلى العلاقات الإسرائيلية السعودية تحولاً كبيراً في الصراع الذي دام 70 عاماً.
فقد ازدادت التقارير الواردة حول التعاون المتزايد خلف الكواليس بين البلدين بعد معارضتهما القوية للاتفاق النووي الموقع فى عام 2015 بين إيران والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والصين. فقد تجاهل نتنياهو تحذيرات إدارة أوباما وأصر على مخاطبة الكونغرس الأمريكي مباشرةً ليطلب منهم التصويت ضد إبرام الاتفاق.
وفي الوقت نفسه، حثت المملكة العربية السعودية وغيرها من الحلفاء من دول الخليج، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وقطر، أوباما، بشدة، بأن يأمر بشنّ ضربةٍ عسكرية ضد نظام بشار الأسد في سوريا، المدعوم إلى حدٍ كبير من إيران.
انسحب أوباما في اللحظات الأخيرة من تنفيذ مثل هذه الضربة العسكرية، وبعد عامين، وقع الاتفاق مع إيران. ومنذ ذلك الحين، عُقدت عدة إجتماعاتٍ علنية، إلى حدٍ ما، بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين، ليس فقط في واشنطن أو عواصم أوروبية، بل أيضاً في القدس.
هذا ويحظر القانون على المواطنين السعوديين عقد إجتماعاتٍ مع الإسرائليين. وفي المقابل، يُمنع الإسرائيليون أو الأجانب الذين يحملون ختماً أو تأشيرة دخولٍ إلى إسرائيل على جوازات سفرهم من الدخول إلى المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، كان الصمت سيد الموقف عندما عقدت اجتماعاتٌ متكررة بين الأمير تركي الفيصل، المدير العام السابق للاستخبارات السعودية، والسفير السابق في لندن وواشنطن، والمسؤولين الاسرائيليين في واشنطن.
كما لم يواجه أنور عشقي، المسؤول السابق في الاستخبارات السعودية، أي مشاكل بعد عودته إلى دياره من رحلته العلنية إلى القدس، والتي التقى خلالها بمسؤولين إسرائيليين وأعضاء في الكنيست. وادعى عشقي أن هدفه الرئيسي هو زيارة السلطة الفلسطينية في رام الله. ولكن، حتى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يحتاج إلى تصريحٍ إسرائيلي للدخول إلى القدس، وبالمطلق، من غير المرجح أن عشقي قام بزيارته دون مباركة القصر الملكي السعودي.
وفي الوقت نفسه، وبعد أن وقع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتفاقاً مثيراً للجدل مع الملك السعودي سلمان في أبريل 2016 لتسليم الجزيرتين الاستراتيجيتين في البحر الأحمر، أكدت الرياض أنها ستحترم شروط اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه بين مصر وإسرائيل في عام 1979 والذي يؤكد على حرية الملاحة في خليج العقبة.
وخلال زيارته غير المسبوقة إلى القدس، أجرى عشقي أيضاً مقابلةً صحفية نادرة مع صحيفة إسرائيلية. فقد صرّح لصحيفة يديعوت احرونوت، أنه يمكن للجزيرتين، تيران وصنافير، اللتان سيتم رسمياً ترسيمهما بموجب الإتفاقية ضمن المياه الإقليمية السعودية، أن يكونا بمثابة منصةٍ لتطبيع العلاقات بين البلدين.
وقال عشقي “أعادت مصر مؤخراً جزيرتين إلى المملكة العربية السعودية… وعلى جزيرة تيران، التي تمتد على مساحة 80 كيلومتراً، سيتم بناء منطقة تجارية حرة معفاة من الضرائب والرسوم. وفي حال تبنت إسرائيل العملية الدبلوماسية ومبادرة السلام العربية، فإن السعودية ستدعوها لتكون شريكة في السوق الحرة على جزيرة تيران. وهذه فرصة لها لتحقيق عوائد اقتصادية ضخمة.”
وأضاف أنه بمجرد قبول نتنياهو بخطة السلام التي تم التوصل إليها بوساطة سعودية في عام 2002، والتي عرض فيها القادة العرب الاعتراف بدولة إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي العربية التي تم الاستيلاء عليها منذ عام 1967، “ستبدأ المملكة العربية السعودية إجراءً يهدف إلى تشجيع الدول العربية الشروع في عملية التطبيع مع إسرائيل، الأمر الذي سينعكس بالإيجاب على علاقاتكم مع مصر والأردن وغيرها من الدول.”
بيد أنه لا توجد أي مؤشراتٍ على أن رئيس الوزراء الاسرائيلي يعتزم قبول خطة السلام في وقتٍ قريب. بل على العكس من ذلك، لطالما أصر نتنياهو على أن العلاقات الأكثر دفئاً مع الدول العربية ستمهد للخطوة الأولى نحو التوصل إلى تسويةٍ مع الفلسطينيين.
وادعى مسؤولون سعوديون أن علاقاتهم الوثيقة مع إدارة ترامب ساعدتهم على ممارسة الضغط على الحكومة الاسرائيلية لإنهاء الاشتباكات الأخيرة حول المسجد الاقصى فى القدس الشرقية المحتلة. فقد قتل خمسة فلسطينيين على الاقل على يد جنود الاحتلال خلال احتجاجاتٍ على قرار نتنياهو تركيب بواباتٍ إلكترونية على مداخل المسجد. وجاء قرار تركيب البوابات بعد أن أطلق ثلاثة فلسطينيين الرصاص على اثنين من رجال الشرطة الاسرائيليين عند مدخل المجمع قبل اسبوع، مما أدى إلى مقتلهما. ومع ذلك، ادعى كل من الأردن ومصر أنها ساعدت في نزع فتيل الأزمة، وذلك باستخدام علاقاتهما مع الحكومة الإسرائيلية لإزالة البوابات الإلكترونية.
وفي غضون ذلك، أوردت صحيفة نيويورك تايمز وول ستريت جورنال وغيرها من وسائل الاعلام البارزة تقارير واسعة حول التعاون المتزايد بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية، التي لا يبدو ان حكامها المحافظين يشعرون بالقلق إزاء رد فعلٍ جماهري، إذ جاء هذا على الرغم من الخطاب المناهض لإسرائيل الذي حافظت عليه لسنوات. ويبدو أن إيران الشيعية وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” حلتا محل إسرائيل كأعداء رئيسيين للبلاد.
وفي حين يعتبر قياس الرأي العام في المملكة الاستبداية المغلقة أمرٌ بالغ الصعوبة، وجد استطلاعٌ للرأي أجرته عام 2015 وكالة أسوشييتد برس ومركز هرتسليا الإسرائيلي متعدد التخصصات أن 53% من السعوديين يعتبرون إيران عدوهم الرئيسي، في حين أشار 22% منهم إلى داعش، و18% فقط إلى إسرائيل.
ونقلت تقارير وسائل الاعلام الغربية عن صناع السياسة السعوديين قولهم ان كبح إيران يمثل أولوية أكبر من إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. وبالتالي، طورت المملكة العربية السعودية صفقاتٍ تجارية سرية مع الشركات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، وبخاصة في مجاليّ الأمن والاستخبارات. وللتحايل على المقاطعة التجارية الرسمية بين البلدين، شحنت البضائع الإسرائيلية إلى المملكة العربية السعودية تحت مظلة الشركات الأجنبية. كما ادعت تقارير وسائل الإعلام الاسرائيلية أن الجيش الاسرائيلي عرض تكنولوجيا القبة الحديدية العسكرية على المملكة لحماية الاراضي السعودية من الصواريخ اليمنية.
وكثيراً ما يشار إلى هذه العلاقات، بشكلٍ غير مباشر، فحسب من قبل وزراء الحكومة الإسرائيلية على أنها “مصالح مشتركة” ضد التهديد الإيراني المشترك. غير أن التقارير ظهرت حول لقاءات سرية جمعت بين رؤساء المخابرات الإسرائيلية ونظرائهم الخليجيين. ويدعى مير داغان، الرئيس السابق للموساد الإسرائيلي، أنه سافر إلى المملكة العربية السعودية في عام 2010 لإجراء محادثاتٍ سرية حول البرنامج النووي الإيراني.
وقد هاجم الأمين العام لحزب الله الشيعي اللبناني حسن نصر الله، المدعوم من إيران، السعودية بشدة لتطبيع العلاقات مع اسرائيل. وقال نصر الله “استفادت المملكة العربية السعودية من الوضع العربي المعتل، فقط لبناء علاقات مع اسرائيل.” وأضاف “أن الثمن سيكون على حساب الفلسطينيين.” وقال مسؤول سعودي كبير لصحيفة وول ستريت جورنال في مايو 2017 “لم نعد نرى في اسرائيل عدواً، بل فرصة محتملة.”
وفي حين أنه من غير المرجح أن يتحدث المسؤولون السعوديون علناً عن علاقاتهم الأوثق مع إسرائيل، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا أكثر استعداداً. فقد قال وزير الطاقة الاسرائيلي يوفال شتاينتس لصحيفة وول ستريت جورنال “اليوم يجري أكثر من ذلك بكثير وأكثر من أي وقتٍ مضى.” وأضاف “وكأنها ثورةٌ تقريباً في الشرق الاوسط.”
وقال شتاينتس الذي قام في العام الماضي بزيارةٍ سرية إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي لمناقشة القضايا الإقليمية، أن التكنولوجيا الإسرائيلية، بما في ذلك تلك المستخدمة للمراقبة، يتم تقاسمها مع السعودية والإمارات العربية المتحدة. وأضاف “طورت إسرائيل تكنولوجيا حديثة تسمح باكتشاف المؤامرات الإرهابية مقدماً،” وتابع “يُمكننا هذا من مساعدة الحكومات العربية في حماية نفسها.”
وأضاف حاجي تسوريال مدير عام المخابرات الاسرائيلية، أن الكثير من التقدم يتم إحرازه بعيداً عن أعين الرأي العام. “هناك فجوة بين ما على الطاولة وما تحت الطاولة.” وتابع قوله “الجميع يدرك أنه عندما تنظر على المدى الطويل، ستتمثل العلاقات الأعمق في المجال المدني: في مجالات الطاقة والمياه والزراعة والطب والنقل.”