إن الموافقة على بناء السياج في غزة جاء استجابةً لكلٍ من التهديد الأمني المتصور وشكاوى قادة المستوطنات في المناطق المتاخمة للقطاع، الذين يقولون إن الجيش الإسرائيلي فشل في حمايتهم. بالإضافة إلى ذلك، يهدف السياج إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والقدس الشرقية، مما قد يُنهي إلى حدٍ بعيد إمكانية حل الدولتين.
في فبراير 2019، انتقلت إسرائيل إلى المرحلة الأخيرة من بناء سياجٍ فولاذي مجلفن بارتفاع ستة أمتار سيحيط بالكامل بقطاع غزة. يمتد السياج لمسافة 65 كيلومتراً، من زيكيم في الشمال إلى معبر كرم أبو سالم في الجنوب، والذي سيتم تشييده فوق قاعدة خرسانية تحت الأرض فضلاً عن تزويده بأجهزة استشعار وأجهزة مراقبة متطورة.
كما سيتم وصله أيضاً بحاجز تم إنشاؤه في البحر الأبيض المتوسط بعد حرب 2014، عندما قتلت القوات الإسرائيلية أربعة مسلحين من حماس تمكنوا من العبور إلى أراضيها عن طريق البحر. تم الانتهاء من الجدار تحت الماء وحاجز الأمواج في يناير 2019.
يتم تنفيذ البناء بشكلٍ مشترك بين الجيش الإسرائيلي ومديرية وزارة الدفاع للحدود والأسيجة الأمنية. ومن المقرر الانتهاء من المشروع بالكامل بحلول نهاية العام، وفقاً للجيش الإسرائيلي، ومن المتوقع أن يكلف حوالي 830 مليون دولار.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن السياج ضروري “لمنع تسلل الإرهابيين إلى أراضينا،” إذ يعدّ جزءاً من استراتيجية أمنية أوسع تهدف إلى بناء الحواجز بين إسرائيل وجميع الدول المجاورة لحماية البلاد من ما يسميه نتنياهو “الوحوش البرية.” تشمل هذه الحواجز سياجاً بطول 200 كم على الحدود مع مصر، وسياجاً بطول 70 كيلومتراً على الحدود مع سوريا في مرتفعات الجولان المتنازع عليها، وسياجاً بطول 130 كيلومتراً على الحدود مع لبنان، وسياجاً بطول 30 كيلومتراً على الحدود الأردنية، وجدار فصلٍ حول الضفة الغربية الذي سيمتد لمسافة 712 كيلومتراً بمجرد الانتهاء منه، بحسب الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية قد استندت إلى أسبابٍ أمنية في بناء الجدار الأخير، إلا أنها تسعى إلى تحقيق أهدافٍ سياسية. ووفقاً لتحليلٍ أجراه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية- مسارات، فإن قدرة حماس على إنشاء قوةٍ هجومية فعالة خلال حرب 2014 أثارت جدلاً داخل الدوائر الأمنية الإسرائيلية، مما دفع إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها لتفادي الإخفاقات المشابهة في المستقبل، ولا سيما فيما يتعلق بتحييد الأنفاق الهجومية أسفل الحدود. إن الموافقة على بناء السياج في غزة جاء استجابةً لكلٍ من التهديد الأمني المتصور وشكاوى قادة المستوطنات في المناطق المتاخمة للقطاع، الذين يقولون إن الجيش الإسرائيلي فشل في حمايتهم. بالإضافة إلى ذلك، يهدف السياج إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والقدس الشرقية، مما قد يُنهي إلى حدٍ بعيد إمكانية حل الدولتين.
ووفقاً للصحفي والباحث باسم علي، قد يضر السياج بشكلٍ خطير بأي استراتيجيةٍ فلسطينية للحصول على تنازلاتٍ من إسرائيل. وبرأيه، فإن تقلص مساحة الكفاح المسلح سيحرم الفلسطينيين من أداةٍ مهمة في أي عملية تفاوض. وفي الماضي، كتب في مقالٍ تحليلي، أن الكفاح المسلح يعدّ عنصراً أساسياً في الاستراتيجية الفلسطينية للتوصل إلى اتفاقٍ ذي معنى مع إسرائيل. فعلى سبيل المثال، خلال اتفاقية أوسلو في عام 1993، وافقت إسرائيل على إنشاء سلطةٍ فلسطينية بحكمٍ ذاتي مؤقت في الضفة الغربية وقطاع غزة مقابل إنهاء المواجهة والصراع.
فمن ناحية، نجحت الدبلوماسية في زيادة الدعم الدولي لطموحات دولة فلسطين، كما يتضح من قرار اليونسكو بمنح فلسطين العضوية الكاملة في عام 2011 وتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في عام 2012.
ومن ناحيةٍ أخرى، على الرغم من الاشتباكات المنتظمة بين المتظاهرين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية على الحدود بين إسرائيل وغزة، فمن المرجح أن يؤدي السياج إلى تآكل الضغط الذي يمكن أن يمارسه الفلسطينيون بشكلٍ فعال على إسرائيل. وبحسب علي، ليس من قبيل المصادفة أن توسع المستوطنات خلال العقد الماضي مع زيادة السيطرة على الأراضي الفلسطينية يتقاطع مع “انخفاضٍ في عدد الهجمات الإرهابية، ويرجع ذلك أساساً إلى وجود جدار الضفة الغربية الذي بناه في السابق رئيس الوزراء أرييل شارون عام 2002 استجابةً للضغوط الإسرائيلية العامة.”
فقد ذكر الجيش الإسرائيلي أنه بين عامي 2015 و2018، حصل انخفاضٍ تدريجي في الهجمات الإرهابية في الضفة الغربية، مما يثبت كفاءة الجدار في أعين السلطات الإسرائيلية التي ترغب الآن في الحصول على نتائج مماثلة ببناء سياج غزة. ومع ذلك، فإن غزة تحكمها حماس، وهي صاحبة المصلحة الرئيسية الوحيدة في الساحة السياسية الفلسطينية التي لا تزال تستخدم استراتيجية مواجهةٍ عسكرية ضد إسرائيل. وكمثالٍ حديث، خلال المواجهة العسكرية الأخيرة في 4-5 مايو 2019، أطلق الجناح العسكري لحماس، كتائب عز الدين القسام، صاروخاً موجه على مركبةٍ إسرائيلية في شمال غزة، مما أسفر عن مقتل إسرائيلي واحد.
على الرغم من العديد من التصريحات الرسمية وغير الرسمية لحركة حماس التي تنكر التأثير المحتمل للسياج على أنشطتها، إلا أنه من الصعب أن نرى في هذه المرحلة كيف ستستمر الحركة في مهاجمة الأهداف الإسرائيلية بمجرد اكتمال البناء. وقال مصدرٌ من كتائب القسام للمونيتور إن الجدار “لن يمنع المقاومة من إطلاق الصواريخ الموجهة على السيارات الإسرائيلية في أي مواجهةٍ جديدة.” وفي نفس المقال، قال المتحدث باسم حماس عبد اللطيف القانوع إن الجدار لن يجلب الأمان لإسرائيل “ولن يمنع المقاومة من توجيه ضرباتها.”
ولكن من المحتمل أن يؤدي السياج إلى تدهور وضع حقوق الإنسان المريع بالفعل في القطاع. فقد فرض الحصار شبه الكامل الذي تفرضه إسرائيل على غزة منذ عام 2007 قيوداً على الوصول إلى معظم الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والإمدادات الطبية. بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فُتل في الفترة ما بين 30 مارس 2018 و22 مارس 2019، 195 فلسطينياً، بينهم 41 طفلاً، على أيدي القوات الإسرائيلية في مظاهرات مسيرات العودة الكبرى، بما في ذلك أثناء من قتلوا أثناء الاحتجاجات الأسبوعية والأنشطة الليلية بالقرب من السياج المحيط بالقطاع والاحتجاجات ضد الحصار البحري على الشاطىء. كما أصيب 28,939 فلسطيني آخرين، 25% منهم بالذخيرة الحية، في هذه المظاهرات.