لكم من الوقت ستصمد خان الأحمر، وهي قرية بدوية محاصرة في الضفة الغربية المحتلة؟ فقد تم بالفعل رصد تحركات الجرافات الإسرائيلية، كما منحت المحكمة العليا الاسرائيلية موافقتها على الهدم. وبالرغم من هذا كله، وصلت الحرب حول مصير القرية إلى طريقٍ مسدود.
هدمت إسرائيل آلاف المنازل الفلسطينية، فمنذ نوفمبر 2014، ورداً على الهجمات الفلسطينية، تضمنت عمليات الهدم هذه المنازل التي تعود مُلكيتها لـ”إرهابيين محتملين” وعائلاتهم، إذ يهدف هذا الإجراء إلى ردع مثل هذه الهجمات. ومن سخرية القدر، وقبل تسع سنوات، تخلت إسرائيل عن نفس الممارسة بناءً على طلبٍ من جيشها، إذ أنه وبحسب اللواء أودي شاني، فإن إسرائيل تسببت في ضررٍ أكثر من النفع بتحريضها على الكراهية بين الفلسطينيين.
وتقدر اللجنة الإسرائيلية لمناهضة هدم المنازل أنه في الفترة بين عامي 1967 و2015، قامت إسرائيل بهدم 48,488 مبنىً فلسطيني. ولا يوجد أي دليلٍ على أن الردع المفترض قد عزز الأمن الإسرائيلي.
تعتبر جماعات حقوق الإنسان هدم منازل الفلسطينيين بمثابة “عقابٍ جماعي.” إن سياسة هدم المنازل العقابية، بحكم تعريفها، تهدف إلى إلحاق الأذى بالأشخاص الذين يشتبه في عدم ارتكابهم أي أخطاء، سوى علاقتهم بفلسطينيين هاجموا أو حاولوا مهاجمة المدنيين الإسرائيليين أو قوات الأمن، وفقاً لمنظمة بتسيلم، وهي منظمة غير حكومية معنية بحقوق الإنسان. “في جميع الحالات تقريباً، لم يعد الشخص الذي نفذ الهجوم أو كان يعتزم القيام به يعيش في المنزل، حيث قتلتهم قوات الأمن الإسرائيلية أثناء الهجوم أو تم القبض عليهم ويواجهون عقوبة سجن طويلة في إسرائيل،” بحسب مقالٍ للمنظمة في نوفمبر 2017 حول هذه القضية. ويعتبر العقاب الجماعي غير قانوني بموجب القانون الدولي، بل إن هدم المنازل دون تبريرٍ عسكري قوي هو انتهاكٌ جسيم لاتفاقية جنيف ويمكن أن يؤدي إلى توجيه تهمٍ بارتكاب جرائم حرب.
فإسرائيل لا تهدم سوى منازل الفلسطينيين، ولكن عندما يرتكب يهودي أي أذى، على سبيل المثال عندما قتل المستوطن باروخ جولدشتاين في عام 1994، 29 من المصلين المسلمين في الحرم الإبراهيمي في الخليل المحتلة، لم يفكر أحدٌ في إرسال الجرافات إلى منزل عائلته. يُستنثى من ذلك فحسب عندما قررت إسرائيل إزالة المستوطنات، كما فعلت عام 2005 إبان فك الإرتباط مع غزة.
أما في حالة خان الأحمر، فيخدم تهديد الهدم هدفاً آخر، وهو توسيع المستوطنات، إذ تقع القرية البدوية ضمن منطقةٍ تُعرف وفقاً لإسرائيل بمخطط “E1،” والتي تعدّ أكبر مستوطنةٍ مخطط لها في الضفة الغربية.
ومع التخلص من البدو، تستطيع إسرائيل السيطرة على الجزء الأوسط بأكمله من الضفة الغربية، من القدس إلى البحر الميت، ويمكنها شق المنطقة من المنتصف، مما يحرم الفلسطينيين من إمكانية السفر من الشمال إلى الجنوب أو العكس.
وفي مقالٍ افتتاحي لصحيفة جيروزاليم بوست، ناقش ديفيد م. واينبرغ، نائب الرئيس وكبير زملاء البحث في معهد القدس للدراسات الإستراتيجية ومدير مكتب إسرائيل في مركز الشؤون الإسرائيلية واليهودية في كندا، بأن “بناء 50 ألف منزلٍ على الحافة الشرقية للقدس أمرٌ خطيرٌ للغاية لمستقبل المدينة ولأمن إسرائيل.” وبصرف النظر عن حقيقة كون هذا تصرفاً غير قانوني بموجب القانون الدولي، إلا أن صدق تصريحاته مشكوك فيها. ففي ديسمبر 2017، أظهر مركز الأبحاث الإسرائيلي “مولاد” أن المستوطنات بالكاد ما تُقدم شيئاً لحماية الإسرائليين، بل إنها أيضاً تضع الأمن القومي للبلاد تحت ضغوطٍ شديدة. إن إنتشار المواطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية يعيق عمل قوات الأمن، مما يزيد من الضغوطات على ميزانية الدفاع ويُعقّد عمل الجيش لعدم وجود خطوط دفاعٍ واضحة.
ووفقاً لواينبرغ، فإن الجدل حول التشعب في الضفة الغربية ما هي إلا “تبريراتٌ زائفة،” لأن أي ترتيباتٍ في منطقة E1 ستشتمل على “طرقٍ جانبية وممرات تحت الأرض وطرقٍ التفافية ومساحاتٍ مشتركة،” بحسب قوله. وتابع القول، “حتى أن الاتحاد الأوروبي يمول إنشاء مستوطناتٍ فلسطينية وبدوية غير شرعية في منطقة E1، لخلق ‘حقائق على الأرض‘ ومنع التنمية الإسرائيلية في هذه المنطقة.”
إن عدم الشرعية المزعومة للمباني التي يُراد هدمها هي مجرد حجة نسمعها غالباً كلما تم التطرق إلى موضوع الهدم الإسرائيلي. فهل يمول الاتحاد الأوروبي حقاً المباني غير الشرعية؟ بالطبع لا. بل إن التنمية الإسرائيلية في هذه المنطقة ما تعدّ غير قانونية بموجب القانون الدولي.
بل إن المزاعم ببناء البدو منازلهم بشكلٍ غير قانوني على أراضٍ تعود للدولة منذ خمسينيات القرن الماضي تتجاهل أيضاً حقيقة أن الأرض مملوكة للفلسطينيين في عناتا، وهي بلدةٌ تقع وسط الضفة الغربية. ووفقًا لأنجيلا غودفري غولدشتاين، وهي ناشطة بريطانية إسرائيلية تقاتل من أجل البدو لأكثر من 20 عاماً، فإن سكان البدو في خان الأحمر، وهم لاجئون من صحراء النقب في عام 1951، يمتلكون عقد إيجار من ملاك الأراضي الفلسطينيين.
وفي مقالٍ نشر على الموقع الإخباري، مجلة +972، تُشير غودفري غولدشتاين إلى “الاعتقاد الشائع” أن البدو هم من البدو الرحل، إذ تقول “تقليدياً، تم منع ملاك الأراضي، الذين يتنلقون بشكلٍ موسمي كبدو شبه رحل على أراضيهم الصحراوية الخاصة، أي بدو النقب، من قبل إسرائيل من تقديم سندات ملكية الأراضي إلى سلطة الأراضي الإسرائيلية؛ ليتم بعدها اتهامهم بالإقامة في أراضيهم، معرضين لخطر نقلهم، لتسهيل أسطورة أرض بلا شعب.”
ولا تزال نفس الإجراءات تطارد البدو الذين لا يزالوا يتواجدون في النقب. فعلى سبيل المثال، قامت السلطات الإسرائيلية بهدم قرية العراقيب الواقعة على بعد خمسة أميال شمال بئر السبع في إسرائيل، أكثر من 100 مرة. ووفقاً لجمعية ذاكرات، وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية تعمل على تعزيز الوعي بالنكبة- الهجرة الفلسطينية الجماعية عام 1948، أنشئت قرية العراقيب خلال الفترة العثمانية، على الأرض التي اشتراها السكان في ذلك الوقت.
وبالإضافة إلى التجريف المستمر، لا يحصل سكان العراقيب على الخدمات الأساسية، فالقرية غير متصلة بشبكة الكهرباء الوطنية؛ ويستخدم السكان المولدات والألواح الشمسية. وينطبق نفس الشيء على إمدادات المياه الخاصة بهم؛ إذ يضطرون لنقل المياه في عبوات.
ففي نهاية المطاف، يواجه سكان خان الأحمر نفس المصير المتوقع، ما لم يوافقوا على العرض الإسرائيلي بالإنتقال- إلى مكبٍ للنفايات في القدس الشرقية.