جاستن صالحاني
في الوقت الذي تخوض فيه الكتل السياسية نقاشات ومفاوضات مطوّلة بشأن رئيس البلاد الجديد، يستمر تدهور أحوال لبنان وانهياره الذي بدأ قبل ثلاث سنوات.
تنتهي مدة الرئيس الحالي ميشال عون في 31 أكتوبر القادم، وتدور المفاوضات السياسية على خليفته مع اقتراب ذلك الموعد في حلقة مفرغة. وقد اقتصر ذلك المنصب تاريخيًا على الطائفة المارونية، وكان جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر، وسمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللّبنانية، وسليمان فرنجية رئيس تيار المردة هم أول المرشحين للمنصب.
ويُعد المرشحين الثلاثة من أركان النظام وهم جزء من النخبة السياسية التي خرجت عليها ثورة 17 تشرين الأول عام 2019، وهي “النخبة السياسية” ذاتها التي يتهمها البنك الدولي بالتسبب في الإنهيار الإقتصادي للبلاد خلال السنوات الماضية، كما يصف البنك حالة الاقتصاد اللّبناني “بالكساد المتعمّد”.
ويُذكر أن اللّيرة اللّبنانية فقدت أكثر من 90% من قيمتها على مدار السنوات الثلاث الماضية، وتستمر قيمتها في الانخفاض والتقلب أمام الدولار.
كما أصبحت البلاد عاجزة عن تمويل القروض بسبب سوء الإدارة المالية على مدار 30 عامًا، وهو ما دفع البنوك إلى وضع قيود على عمليات السّحب والتي غالبًا ما تكون منخفضة بحيث لا تكفي متطلبات الحياة الأساسية، فضلًا عن نفقات العلاج، وهو ما أدى إلى انتفاضة المواطنين لأخذ حقوقهم بالقوة، وأخذوا في اقتحام البنوك بقوة بالسلاح وذلك لاسترداد وإسترجاع ودائعهم الخاصة.
ففي 16 سبتمبر الماضي، اقتُحمت خمسة بنوك على الأقل، ما دفع البنوك إلى الإضراب وإغلاق أبوابها لمدة ثلاثة أيّام. وازدادت موجة الاقتحامات بعد ثلاث حالات بارزة شهد آخرها نجاح امرأة في استعادة آلاف الدولارات من ودائعها.
ويضرب الإنهيار الاقتصادي كافة فئات المجتمع، إذ يستمر المعلمون ومعهم العاملون في شركة الإنترنت المملوكة للدولة في الإضراب مطالبين بأجور تغطي تكاليف الحياة المعيشية. وقد تسبب هذا الإضراب في انقطاع الإنترنت عن لبنان. كما أوقف المصرف المركزي دعم الوقود، ما يعني ارتفاع أسعار البنزين في بلد يعتمد الانتقال فيه على السّيارات والحافلات فقط.
وما زالت البلاد بلا حكومة، أي إنها لن تتمكن من إقرار الميزانية أو إجراء أي إصلاحات ضرورية من أجل الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي وهي في أمسّ الحاجة إليه.
وقال المحلل السياسي اللّبناني مايكل يونغ في مقال نشرته صحيفة ذا ناشيونال: “لقد طالت عملية تشكيل الحكومة في لبنان، إذ تسعى القوى السياسية في البلاد إلى تأمين حصص كبيرة في الوزارات والاستئثار بغنائم الحقائب الوزارية، مع مراعاة التوازنات الطائفية الدقيقة”.
وتستمر النقاشات السياسية بشأن مستقبل الرئيس والحكومة من دون تقدم يُذكر، في حين يستمر انهيار البلاد. لكن ثمة أمل مع اقتراب موعد انتخاب الرئيس الجديد.
وقال يونغ: “حتى ينجح نجيب ميقاتي في تشكيل حكومته، سيحتاج إلى التوافق مع جبران باسيل، صهر الرئيس الحالي، الذي يريد ضمان مصالحه بعد تركه المنصب”. لكن يبدو أن ميقاتي يستهلك الوقت لتفادي الاتفاق مع باسيل وعون.
وتعرّض ميقاتي لانتقادات جمّة وذلك لمحاولته الاستئثار بصلاحيات الرئيس، إذ قال يونغ: “يرى ميقاتي أن الدستور يتحاشى الفراغ السياسي، وهو لا يحدد حكومة معينة تتسلم صلاحيات الرئيس، لذلك يجوز أن يكون لحكومة تصريف الأعمال تلك الصلاحيات، لكن باسيل يعارضه في ذلك”.
ويُرجح أن عون يفضّل أن يتولى باسيل منصب الرئيس، وهو الذي سبق له تولى حقيبة وزارتي الطاقة والمياه، والخارجية. لكن باسيل لا يحظى بشعبية كبيرة على الرغم من تزعمه الكتلة البرلمانية الأكبر قبل الانتخابات البرلمانية في مايو الماضي. إذ كان عرضةً لسخرية من عامة اللبنانيين حيث رددوا اسمه بأغاني وهتافات مهينة له أثناء الثورة. ويرى مؤيدوه أن بقية السياسيين منعوه من إجراء إصلاحات مهمة، لكن معارضيه يرونه عنيدًا وفاشلًا وفاسدًا.
كما أن بعض الأحزاب الأخرى، ومن بينها حلفائه في حزب الله وحركة أمل، لا يحبذون توليه المنصب. ويطرح الحزبان الشّيعيان اسم سليمان فرنجية بدلًا منه. ويُعدّ فرنجية من المقرّبين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقد مهدت فترة رئاسة جدّه للحرب الأهلية الدموية التي دامت 15 عامًا. ورغم ذلك، سبق أن اعتبرته بعض الأطراف مرشحًا توافقيًا ومن بينهم سعد الحريري رئيس الوزراء السابق وزعيم أكبر فصيل سني في لبنان.
وعلى الجانب الآخر من الطيف السياسي اللّبناني، ظهر اسم قائد القوات اللّبنانية سمير جعجع. ورغم تمتع القوات اللّبنانية بالكتلة المسيحية الأكبر في البرلمان حاليًا، لا يُعد جعجع محل توافق بسبب ماضيه في فترة الحرب. ولذلك ربما لا يحظى جعجع بدعم من خارج الفصائل القومية اليمينية المسيحية.
وكان عون قد تولى منصب الرئاسة عام 2016 بعد حصوله على دعم جعجع. وشاع في الأوساط السياسية أن جعجع قد اتفق على دعم عون على أن يسانده في عام 2022، لكن قبل شهر ونيف من انتهاء فترة عون، لا يبدو أن ثمة اتفاق من هذا القبيل.
ويُسيّر لبنان رئيس حكومة تصريف أعمال حاليًا، وتسود حالة من اليأس في الشارع اللّبناني حيال تغيير الرئيس المنتهية ولايته في الموعد المحدد. ويبدو أن الطبقة السياسية تتصرف بأريحية غير مثقلة بالانهيار الذي تعانيه البلاد.
وبينما يُصرّ السياسيون على ضمان حصتهم من السلطة السياسية، يبحث الناخبون عن وسائل جديدة لمواجهة الانهيار والتكيف معه، بما في ذلك تجنب استخدام الوقود عن طريق استبداله بألواح الطاقة الشّمسية، واقتحام البنوك لمعالجة ذويهم الذين يعانون حالات حرجة.