وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تأجيل الانتخابات البلدية الفلسطينية مع تعمق الانقسام السياسي

palestine-past-to-present-supreme-court-of-justice-fanack-hh-1024px
رئيس محكمة العدل العليا، هشام الحتو، يُعلن قرار محكمة العدل العليا الفلسطينية بإجراء الانتخابات البلدية في الضفة الغربية فحسب، 3 أكتوبر 2016، رام الله، الضفة الغربية.Photo Anadolu Agenc

بتاريخ الثالث من شهر أكتوبر لعام 2016 كان قرار المحكمة العليا الفلسطينية بعدم جواز إجراء الانتخابات البلدية في قطاع غزة والسماح بإجرائها في الضفة الغربية فقط. فقد كان من المقرر إجراء الانتخابات البلدية في الثامن من شهر أكتوبر2016. واستشهد قرار المحكمة بإلغاء الانتخابات باستبعاد القدس الشرقية من العملية الانتخابية، فضلاً عن طرد خمسة مرشحين من حركة فتح من القوائم الانتخابية في خان يونس في قطاع غزة. هذا القرار القضائي الذي شكل حالة كبيرة من الجدل في أوساط المجتمع الفلسطيني ما بين مؤيد ومعارض، تم التعاطي معه سريعاً من قبل مجلس الوزراء الفلسطيني في رام الله بإيقاف الانتخابات البلدية برمتها وتأجيلها لمدة أربعة شهور، وذلك لعدم إضرار هذه الخطوة بالوحدة الوطنية الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

أصل الحكاية

بتاريخ 21 يونيو لعام 2016 اتخذت الحكومة الفلسطينية برام الله قراراً بإجراء الانتخابات المحلية في جميع المناطق الفلسطينية. وحسب القرار، كان من المفترض مشاركة ما مجموعه 392 مجلس محلي في الضفة الغربية و24 مجلساً في قطاع غزة. علماً بأن الانتخابات البلدية السابقة جرت عام 2012 ، مع الجدير بالذكر هنا أن الانتخابات البلدية السابقة تمت فقط لعدد 353 مجلس محلي، ولم تتم في 16 مجلس بلدي بمن فيهم بعض المدن المهمة، حيث كانت هناك بعض الخلافات الداخلية في حركة فتح أدت لإلغاء اجراء الانتخابات للمجالس المتبقية. ففي تلك الانتخابات لم يتم إستخدام أسلوب الفائز يكسب الكل، وإنما تم استخدام الاسلوب التمثيلي النسبي للقوائم، حيث تم اعتماد النسبة المئوية لنصيب كل قائمة دخلت الانتخابات لكل مجلس بلدي، وتم تحديد نسبة الحسم بـ 8%.

وحيث أن الشعب الفلسطيني يعتبر شعباً مؤطراً سياسياً، أي بمعنى آخر أن جميع انواع الانتخابات، حتى لو كانت انتخابات طلابية في الجامعات، او خدماتية مثل المجالس المحلية، فإنها تستحوذ على اهتمام القوى السياسية الفلسطينية، وعليه فالحركتين الكبرى الفلسطينية، المتمثلة بكلٍ من فتح وحماس، تمارسان سياسة حشد جماهيري حزبي هائل عشية الانتخابات. وعليه فالاغلبية العظمى من اصوات المنتخبين سوف تتجه إما إلى حركة فتح وإما إلى حركة حماس، كما تشير إستطلاعات الرأي المختلفة على مدار السنتين الماضيتين، بالاضافة الى ما أثبتته التجربة العملية في الانتخابات التشريعية السابقة لعام 2006، مما يترتب عليه بأن نسبة الحسم تعتبر عالية على جميع الاحزاب الفلسطينية الصغيرة بخلاف حركتي فتح وحماس.

المواقف السياسية والتكتلات الحزبية

بعد اعلان الحكومة الفلسطينية في رام الله عن عقد الانتخابات المحلية، سارعت حركة حماس في البداية الى رفض العملية الانتخابية برمتها وطالبت باحترام اتفاقية المصالحة الفلسطينية لعام 2011 الموقع عليها من قبل جميع القوى السياسية الفلسطينية، والتي تنص على أن تتم المصالحة الفلسطينية الداخلية وفيما بعد اجراء الانتخابات الفلسطينية التشريعية والرئاسية، حيث اعتبرت حركة حماس ان المصالحة الداخلية يجب ان تسبق الانتخابات، وذلك من اجل تهيئ المناخ المناسب على الارض لإجراء عملية انتخابات ديمقراطية وحرة وتتسم بالنزاهة والشفافية. هذا الموقف عدلت عنه حماس بعد وقت قصير ووافقت على اجراء الانتخابات المحلية والمشاركة فيها ايضاً في جميع المناطق الفلسطينية.

كان هناك سببان من اجل موافقة حركة حماس، تمثلت أولاً بالضغط المجتمعي من قبل القوى السياسية ومن مؤسسات المجتمع المدني على حركة حماس في قطاع غزة، وثانياً موافقة لجنة الانتخابات الفلسطينية على تساؤلات طرحتهم قيادة حماس، وهي: من سيضبط الامن في قطاع غزة اثناء العملية الانتخابية، ومن هي الجهة القضائية التي سيتم التوجه اليها في حالة النزاع والطعون بالقوائم، وكيف ستتعامل السُلطة الفسلطينية مع نتائج الانتخابات في قطاع غزة، بغض النظر عمن سوف يفوز بها؟ كانت الإجابات من قبل رئيس لجنة الانتخابات السيد د. حنا ناصر، بأن جهاز الشرطة في قطاع غزة هي المخولة بضبط العملية الانتخابية، وأن المحاكم في قطاع غزة هي المخولة بالنظر بالطعون والمنازعات كما ينص عليه قانون الانتخابات الفلسطينية، وان الحكومة برام الله سوف تتعامل مع المجالس البلدية المنتخبة في قطاع غزة تماماً كما هو الحال مع المجالس البلدية الضفة الغربية.

على صعيد آخر، شعرت حماس انه لا يوجد ما تخسره في الضفة الغربية لانها ببساطة لا وجود لها في أي مجلس بلدي هناك. موقف حركة فتح من قرار إجراء الانتخابات البلدية كان من البداية مرحب لها، واعتبرها استحقاق ديمقراطي. فقد كان هناك توقع لدى حركة فتح بأن الانتخابات البلدية لن توافق عليها حركة حماس وبالتالي لن تشارك بها، ولكن يبدو للمراقب بأن حركة فتح تفاجأت من موافقة حركة حماس لإجراء الانتخابات في قطاع غزة. هذا ما أكده أيضاً احد الشخصيات البارزة داخل حركة فتح، لأن حركة فتح غير جاهزة وتنهش بها الانقسامات الداخلية بين تيارين، ما يسمى التيار الفتحاوي المناصر للرئيس محمود عباس، والتيار الآخر الذي يسمى بتيار القيادي الفتحاوي السابق المفصول عن الحركة محمد دحلان. وعلى الرغم من الاختلافات السياسية داخل حركة فتح، إلا أن الحركة وضعت في اعتبارها بأن المجتمع في قطاع غزة قد ضاق ذرعاً من حكم حركة حماس التعسفي، ومن حالة الحصار المفروض على القطاع والممتد منذ ما يقارب العشرة أعوام، ومن النتائج الكارثية للحروب الاسرائيلية الثلاث في السنوات الأخيرة، ومن حالة الفقر والبطالة المدقعين في القطاع، وحالة انعدام الرؤية في التحول للأفضل عما قريب، لذا فالمؤشرات على الأرض تضع حركة فتح رغم الانقسام الداخلي في وضع أفضل بكثير من حركة حماس.

وفي ظل هيمنة حركتي فتح وحماس، الأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية الصغيرة وجدت لا مناص من عمل تحالف فيما بينها لكي تستطيع تجاوز نسبة الحسم 8% التي لن يستطيع ان يتجاوزها أي حزب لوحده، لذا كان هناك تشكيل لقائمة موحدة ومكونة من كل من الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب، وحركة المبادرة الوطنية، وحزب فدا، تحت اسم “التحالف الديمقراطي.”

إشكاليات القوائم والقضاء المسيس!

منذ موافقة حركة حماس على الدخول في الانتخابات البلدية، كانت هناك منافسة شديدة بين كل من فتح وحماس على تشكيل قوائم تستطيع من خلالها حشد جماهيري لصالحها. في البداية كان الارباك واضحاً لدى حركة حماس اذ تود ترشيح قوائم من ذوي الكفاءات، ام من ذوي الولاء الحزبي، وتم في نهاية الامر تغليب صفة الكفاءات على صفة ذوي الولاء الحزبي. بالنسبة لحركة فتح تم تغليب صفة العائلية في المقام الأول ومن ثم الكفاءات في المقام الثاني. أما بالنسبة للقوائم الأخرى سواء التحالف الديمقراطي او كتل المستقلين فلقد اتسمت بالتوافق فيما بينهم وسمت عليهم صفة ناشطين مجتمع مدني، وكانت عملية الاختيار متناغمة بشكلٍ ملحوظ.

وعلى ضوء هذه المعطيات، تم التوقيع على ميثاق شرف بين الكتل الحزبية المختلفة على احترام نتائج الانتخابات وعلى العمل وفق القانون والنزاهة. لكن ميثاق الشرف لم يمنع وجود اختراقات واضحة المعالم من قبل السلطة الحاكمة ضد المنافسين، سواء كان ذلك في قطاع غزة أو الضفة الغربية. فقد تم تسجيل العديد من التجاوزات من قبل حركة حماس ضد بعض الكوادر من حركة فتح، كما رصدت مؤسسات حقوق الانسان والمجتمع المدني تجاوزات من قبل الاجهزة الامنية في الضفة الغربية ضد انصار حركة حماس.

وفي 29 2016 أغسطس، نشرت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية كشفاً أولياً لمدة ثلاثة ايام لـ 874 قائمة انتخابية، تتنافس فيما بينها على انتخابات في 416 هيئة محلية، والمقررة في الثامن من أكتوبر لعام 2016، وذلك بهدف تمكين القوائم والمرشحين من ممارسة حقهم في تقديم الاعتراضات والطعون إلى لجنة الانتخابات، ونوهت اللجنة في ذات الوقت إلى أنها رفضت سبع قوائم لم تستوف الشروط القانونية الخاصة بالترشح، منها ست في الضفة الغربية، وواحدة في قطاع غزة. من جانبها تلقت لجنة الانتخابات المركزية 163 طلب اعتراض على قوائم ومرشحين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكانت اغلب الطعون بخصوص براءة الذمة، وبخصوص محل الإقامة لبعض المرشحين، وبخصوص مزاعم أحكام قضائية ضد بعض المرشحين. وعلى أثر هذه الطعون المقدمة أسقطت اللجنة المركزية للانتخابات اربعة قوائم في قطاع غزة تعود لحركة فتح في مجالس النصيرات، وبيت حانون، وأم النصر، والزهراء، وفي الضفة الغربية رفض قائمة في يطا، وإعادة قبول قائمتين في كل من بلدتي قفين وبني زيد الغربية.

لم تكتفى حركة حماس بقرار اللجنة واتجهت الى محكمة البداية لتقديم الطعون في مجالس اخرى تتبع لحركة فتح، وعليه قبلت محكمة بداية خانيونس الطعون المقدمة واسقطت بتاريخ 8 سبتمبر 2016 خمسة قوائم تابعة لقائمة التحرر الوطني و البناء “فتح” والتي تضم قائمة مدينة خانيونس البلد، وعبسان الكبيرة، والقرارة، والفخاري، ورفح الشوكة.

وعلى ضوء قرار محكمة البداية في خانيونس، أصدرت المحكمة العليا في رام الله قراراً مستعجلاً بوقف قرار مجلس الوزراء بإجراء الانتخابات المحلية مؤقتًا لحين البت في الدعوى المرفوعة الى يوم الثالث من اكتوبر. وفي تاريخ الثالث من أكتوبر اصدرت المحكمة العليا قرارها بإجراء الانتخابات البلدية في الضفة الغربية فقط وعدم اجرائها في قطاع غزة، وارجعت السبب بعدم قانونية محاكم الطعن في قطاع غزة. على ضوء هذا القرار اعلنت لجنة الانتخابات المركزية بإنها سوف تلتزم بقرار محكمة العدل العليا برام الله.

لقد شكل قرار المحكمة العليا حالة من الجدل الواسع ما بين مؤيد ومعارض لهذا القرار، واعتبره الكثير من المفكرين والمحليين السياسيين بأن قرار محكمة العدل العليا بإجراء الانتخابات في الضفة الغربية دون قطاع غزة، ينطوي على أبعاد سياسية خطيرة من شأنها تكريس حالة الانقسام المتواصلة بين المنطقتين. ومن ناحية أخرى، اظهرت نتائج إستطلاع للرأي، رفض ثلثي المواطنين الفلسطينيين تأجيل الانتخابات المحلية التي قرّرت المحكمة العليا التابعة للسلطة الفلسطينية إجرائها في الضفة الغربية المحتلة، وإلغائها في قطاع غزة.

مواقف الحركات والاحزاب الفلسطينية كانت متباينة حيال قرار المحكمة العليا، حيث رفضت حركة حماس ومعها بعض الفصائل الاخرى قرار محكمة العدل العليا في رام الله بإجراء الانتخابات المحلية دون قطاع غزة، مؤكدة أنه قرار مسيس يساهم في تعزيز حالة الانقسام بين شطري الوطن

من جهةٍ أخرى، أجمعت الفصائل اليسارية على أن هذا القرار يؤدي إلى تعميق ومأسسة الانقسام الفلسطيني، ودعت إلى تأجيل الانتخابات لكي يتم خلق مناخ ديمقراطي، كما دعت الى الابتعاد عن التسييس.

من ناحيتها عبرّت حركة فتح عن رضاها عن قرار المحكمة العليا القاضي بوقف إجراء الانتخابات في قطاع غزة، حيث برر ذلك أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح، أمين مقبول، بإن حركة حماس أسست جهاز قضائي غير شرعي في القطاع، وبالتالي فإن قرار المحكمة العليا سيكون ملزماً. عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتيه حمّل حركة حماس كامل المسؤولية عن تعطيل المسار الديمقراطي، عبر تدخلها في الانتخابات، والطعونات غير القانونية، التي أقدمت عليها، ولجوئها إلى محاكم غير شرعية، على حد قوله.

العديد من المحللين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية استهجنوا قرار المحكمة العليا واعتبروا زج القضاء في أتون الصراع السياسي أمرٌ خطير، حيث لا يمكن أن تجري انتخابات في منطقة دون أخرى، لأن هذا فرض عين يفرضه القانون، وتفرضه متطلبات القضية الوطنية على حد تعبيرهم.
كان من المفترض أن تكون هذه الانتخابات أول انتخاباتٍ مشتركة يشارك بها الفلسطينيون في كلٍ من غزة والضفة الغربية منذ تجذر الإنقسام بين حركتي حماس وفتح في عام 2007. ويأمل الكثيرون أنّ انتخابات هذا العام ستشكل حالة من التوافق السياسي، لكي تمهد الى إعادة العملية الديمقراطية واجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، حيث أجريت الإنتخابات الرئاسية الأخيرة في عام 2005. وبدلاً من ذلك، يُشير التأجيل إلى أنّ الإنقسامات بين حركتي فتح وحماس، وداخل الأحزاب نفسها، أعمق مما يمكن للمرء تخيله.