بعد اجتماعهم في باريس في 28 مايو 2018، اتفق الزعماء الليبيون المتنافسون على خريطة طريقٍ نحو الانتخابات البرلمانية والرئاسية للبلاد، التي تشهد حالةً من الفوضى منذ الربيع العربي ووفاة زعيمها السابق، العقيد القذافي، في عام 2011. وتطالب حكوماتٌ متنازعة في الشرق والغرب بتولي السلطة منذ ذلك الحين ويدعم كل طرفٍ ميليشيات مختلفة. وتأمل جميع الأطراف، التي تضمت العديد من جيران ليبيا والدول الغربية والأمم المتحدة، أن يتوجه الليبيون إلى صناديق الاقتراع في 10 ديسمبر لانتخاب حكومةٍ جديدة. عندئذ، سيتم منح الحكومة الجديدة المنتخبة والبرلمان مهمة تحقيق الاستقرار في البلاد.
وقع على الاتفاق كل من فايز السراج، الذي يقود حكومة الوفاق الوطني في الغرب، وهي الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، والرجل العسكري ذو النفوذ، خليفة حفتر، الذي تسيطر قواته على الشرق. وكان من بين الموقعين أيضاً عقيلة صالح عيسى، رئيس مجلس النواب الليبي في مدينة طبرق الشرقية، التي تعارض حكومة الوفاق الوطني، وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة المنتخب حديثاً.
في واقع الأمر، اعتبرت موافقة المشري، وهو عضوٌ في جماعة الإخوان المسلمين، الجلوس على طاولة الحوار مع حفتر انجازاً كبيراً بحد ذاته. فقد سبق واتهم حفتر جميع الإسلاميين في ليبيا بكونهم إرهابيين، في حين قال المشري أنه لا يعترف بحفتر باعتباره شخصية عسكرية شرعية. غير أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توسط في المحادثات، وأشاد بالاتفاق باعتباره نجاحاً كبيراً.
وقال ماكرون في ختام المؤتمر القصير الذي ضم ممثلين من 20 دولة: “هذه هي المرة الأولى التي يوافق فيها الزعماء الليبيون على العمل معاً ويتفقون على إعلاٍن مشترك.” وأضاف “الآن، لدينا التزامات واضحة تجاه البلاد، جدول مواعيد متفق عليه للانتخابات.”
وإلى جانب إجراء الانتخابات، تشمل بنود الإتفاق توحيد المؤسسات المالية الرئيسية في البلاد مثل البنك المركزي الليبي، والتخلص التدريجي من الحكومة والمؤسسات الموازية، وبناء جيش وطني. وينص الإتفاق أيضاً على أن تحافظ جميع الأطراف على الأمن خلال الانتخابات، واحترام النتيجة النهائية.
وعلى الرغم من تفاؤل مختلف أصحاب المصلحة، يتوقع المحللون المختصون بالمنطقة أن تواجه خارطة الطريق نحو الانتخابات عقباتٍ رئيسية. بل إن العديد من الجماعات المسلحة في غرب ليبيا رفضت مؤتمر باريس والاتفاقية الموقعة، زاعمين أنها لم تمثلهم.
فقد قالت الجماعات المسلحة في بيانٍ مشترك قبل المحادثات، “إننا ندعو إلى حوارٍ حقيقي يركز على طموحات المجتمع الليبي.” كما أعلنت الفصائل عن معارضتها للتدخل الأجنبي ولأي جهودٍ لفرض الديكتاتورية العسكرية في ليبيا. ويخشى العديد من المعارضين لحفتر أن يدعم رعاته، لا سيما مصر والإمارات العربية المتحدة، طموح الرجل القوي لحكم البلاد بقبضةٍ من حديد.
في حين اتخذت الجماعات المسلحة الأخرى نهجاً أكثر عدوانية. ففي مطلع الأسبوع الذي سبق محادثات باريس، اجتثت فصائل أخرى الحرس الرئاسي- وهو قوة تابعة لحومة الوفاق الوطني- من مناطق قريبة من مطار طرابلس الدولي ومن مكتب رئيس الوزراء. كما اندلعت أحداث عنفٍ في بعض المناطق بسبب التحريض على اجتماع باريس، وفقاً لمصادر دبلوماسية.
وتوقعت مجموعة الأزمات الدولية (ICG)، وهي مؤسسة فكرية غير ربحية مقرها بلجيكا، أن مؤتمر باريس سيسبب مشاكل أكثر من تقديم الحلول. وورد أن بعض المقاتلين أعربوا عن قلقهم من أن فرنسا تقوّض جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة. فقد حاول الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، منذ وقتٍ طويل حشد الشخصيات المتنافسة وراء خطة عملٍ خاصة به، إلا أن اتفاق باريس يخاطر اليوم بإقصاء مبادرة ونفوذ سلامة. إلا أن تصريحاتٍ خرجت من فرنسا ذكرت إن قمة باريس تدعم جهود الأمم المتحدة، ولا تقوّضها.
وتساءل سياسي من مدينة مصراته الغربية بقوله، “لا نرى أين موقع الأمم المتحدة في كل هذا. ما هي العلاقة بين ما تفعله فرنسا وبين ما صرح ممثل الأمم المتحدة أنه ينوي القيام به.”
وعلى الرغم من عدم وضوح العلاقة بينهما، إلا أن سلامة عبر عن دعمه لإتفاق باريس. وادعى أنه متفائلٌ بشأن العملية وأنه “لم يسبق أن رأى” مثل هذه الإرادة السياسية الموحدة بين الشخصيات الليبية الرئيسية والجهات الفاعلة الدولية.
ومع ذلك، لا تزال ليبيا مقسمّة ومتقلبة. فمنذ خمس أسابيعٍ مضت، تشن قوات حفتر حملةً وحشية لمحاولة استعادة مدينة درنة الشرقية من الإسلاميين المتشددين. وبينما تم الإبلاغ عن وقوع العشرات من الإصابات في المدنية، لم ينطق أحدٌ في مؤتمر باريس بكلمة عن القتال المستمر. كان ذلك مفاجئاً بشكلٍ خاص، ذلك أن المشري سبق أن هدد بعدم توقيع اتفاقٍ في باريس ما لم تقم قوات حفتر بفك حصارها على درنة.
وقالت كبيرة المحللين في الشأن الليبي في مجموعة الأزمات الدولية، كلوديا غازيني لفرانس 24، ” في الواقع هذه فرصة تم تفويتها وأمرٌ يدعو للأسف أن قمة كهذه [جمعت ما بين] جميع الممثلين الدوليين والمحليين تحت سقفٍ واحد لم تتطرق إلى النزاعات المستمرة في ليبيا اليوم. مدينة درنة أولاً وسبها التالية.”
وأضافت غازيني: “كانت هذه فرصة جيدة لاستخدام هذا البرنامج على الأقل للتوصل إلى توافقٍ في الآراء حول كيفية تشكيل فريق عمل لحل هذه النزاعات بالطرق السلمية بدلاً من التزام الصمت.”
واليوم، تم التوصل إلى اتفاق، إلا أن المحللين يشككون في إمكانية تنفيذه.
وكما كتب المجريسي، وهكذا، تنامى غضب الجهات الفاعلة الدولية. ومع ذلك، فقد ثبت أن التوصل إلى إجماعٍ دولي “لإصلاح” ليبيا أمرٌ صعب تماماً كما هو حال التوصل إلى إجماعٍ محلي.
بيد أن الانتخابات في ديسمبر القادم تملك القدرة على إحداث التغيير- إلا أن التصويت يمكن أن يؤدي بسهولة إلى زعزعة استقرار البلاد. وتتمثل الطريقة الوحيدة التي قد تستفيد بها ليبيا من الانتخابات بتبني الدول الأوروبية موقفاً موحداً حول نوع الانتخابات التي ترغب في أن يتم إجراؤها في ليبيا والإشراف على العملية من خلال العمل مع الأمم المتحدة والمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وغيرها من اللاعبين البارزين لتقليل خطر وقوع كارثة.
وكتب المجريسي أيضاً، “علمنا التاريخ الحديث أنّ الشقاق والإرتباك على الساحة الدولية ينعكسان كما هو متوقع على أرض الواقع في ليبيا.” وأضاف “في حال لم تعكس انتخابات عام 2018 [كارثة] إنتخابات عام 2014، فلا بد من تعلّم الدروس المستفادة من السنوات الأربع الأخيرة.”
ويبدو أن فرنسا ما زالت تتعلم هذا الدرس. ويبدو أن ماكرون يضغط على ليبيا لإجراء انتخاباتٍ قبل أن تكون البلاد آمنة بما يكفي لإجرائها. فعلى سبيل المثال، لا يعرف أحدٌ ما إذا كان بمقدور سكان مدينتي درنة وسبها المشاركة في الإنتخابات الوطنية إذا ما استمر القتال، وقد يُحرم أيضاً أولئك النازحون داخلياً من حقهم في التصويت، نظراً لكونهم خارج دوائرهم الانتخابية، ولربما يتعرض الليبيون الذين قد يرغبون في الترشح للانتخابات للترهيب لسحب ترشحهم.
ومع أخذ هذه المخاوف بعين الاعتبار، قالت غازيني لفرانس 24 إن ماكرون كان من المفترض أن يُسّهل التزاماً أقوى من جميع الشخصيات المتنافسة لتوحيد المؤسسات المالية واستعادة الأمن، بدلاً من الدفع نحو إجراء الانتخابات. كما أكدت أن إنجاز هذه الخطوات من شأنه أن يعمل على تحسين حياة الليبيين أكثر من قدرة الانتخابات في هذه المرحلة.